وجهة نظر

تجربة العدالة والتنمية.. نهاية أطروحة ونكسة مشروع (4): تعديل البنية لتعديل الوظيفة

العدالة والتنمية

يقدم الكاتب والإعلامي، والعضو سابقا بالمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، ماهر الملاخ، دراسة في مسار حزب المصباح  وأسباب الخسارة التي لحقته في الانتخابات التشريعية والانتخابية الجماعية والجهوية التي جرت يوم الأربعاء 8 شتنبر.

هذه الدراسة تنشرها جريدة “العمق” على حلقات.

اقرأ الجزء 3: تجربة العدالة والتنمية.. نهاية أطروحة ونكسة مشروع: الريسوني وأطروحة التمايز

 

الحلقة 4:

ماي: تفعيل تقنية “تعديل البنية لتعديل الوظيفة”:(2003-2011)

 

بعد أحداث 11 سبتمبر، سيعرف المغرب مجموعة من التطورات التي ستنعكس على علاقة الحزب بالحركة، و بالمحيط السياسي. كما سيكون لها تأثير مباشر على التكييف الذي ستمارسه سلطة التحكم في الحزب والحركة. وكان من أهمها ما يلي:

الانتخابات التشريعية 2002

وفي أجواء استعداء عالمي لكل ما يمت بصلة للطيف الإسلامي، واشتغال الآلة الإعلامية في الترويج لسيناريو “الاكتساح الإسلامي”، جرت الانتخابات التشريعية بتاريخ 27 سبتمبر 2002، استطاع فيها الحزب أن يضاعف عدد فريقه ليصل إلى 42 عضوا، مع وجود شكوك قوية تدل على وقوع تزوير كبير ضده.

في ذلك الوقت ظل الحزب في موقع المعارضة بشكل تلقائي، كون الوزير الأول المعين إدريس جطو لم يعرض عليه التشاور لتشكيل الحكومة. وذلك، بالرغم من احتلاله المرتبة الثالثة بفارق ضئيل عن الحزبين الأولين. والذي أثِر عليه مقولته التي وجهها لأحد قياديي الحزب: “إنكم تسبحون جيدا، فلا داعي للتجديف.”، فتوقف الحزب حينها عن الاحتجاج على التزوير. يضاف إلى ذلك اعتبار أخر، يتعلق بتبني الحزب حينذاك، لمبدأ “الضبط الذاتي”، أي التحكم الذاتي في حجم الفوز. وقد اعتمد الحزب مبدأ الضبط الذاتي، رغبة منه في عدم استعداء الخصوم الداخليين، أو إحراج الدولة مع المتخوفين الخارجيين. غير أن الآلة الإعلامية مع ذلك لم تتوقف، وهو ما كان قد عكس مدى الحنق الذي كانت تشعر به سلطة التحكم تجاه هذه التجربة.

مشروع قانون مكافحة الإرهاب

وقد بلغ ذلك الحنق قمته، حين تزعم الفريق البرلماني حملة رفض مشروع قانون الإرهاب، وذلك منذ أن توصل به البرلمان بتاريخ4 نوفمبر 2002. مما ساهم في تجميد مناقشته، بالرغم من توسل وزير العدل حينذاك، عبد المجيد بوزوبع، للبرلمانيين من أجل تمريره، إلى حد ذرفه للدموع في اجتماع لجنة العدل والتشريع.

حوار مأسسة إمارة المؤمنين

خطوة موازيةسيخطوهاالريسوني، في سبيل تفعيل أطروحة التمايز، وتصريفها في شكل إجراءات مؤسساتية للدولة، حين بلور فكرة تطوير مفهوم إمارة المؤمنين، فعبر عنه في حوار صحفي لجريدة أوجوردويلوماروك، المقربة من سلطة التحكم، وذلك بتاريخ: 12ماي 2003. هذا الحوار الذي سيتم التصرف فيه من قبل هيأة التحرير. وبالرغم من أن الرجل قد أصدر بيانا ينبه فيه إلى وقوع تحريف مخل بكلامه، إلا أن الآلة الإعلامية استعرت بشكل أعنف.

أحداث 16 ماي وبروز اتجاه الاستئصال

في ظل تلك الأجواء المشحونة، وقعت تفجيرات الدار البيضاء الإرهابية، والتي راح ضحيتها 42 قتيلا و 102 جريحا.

كانت جهات متعددة متحفزة لتحميل حزب العدالة والتنمية ما سمي حينذاك ب “المسؤولية المعنوية”. حتى بلغت درجة بالأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي محمد اليازغي، أن دعا إلى حل حزب العدالة و التنمية، وذلك خلال الاجتماع الحكومي بتاريخ 18  ماي2003 ، بدعوى انه حزب ديني ومخالف للدستور.

بعد ذلك بعشرة أيام سيتم تمرير قانون الإرهاب بالإجماع، إلا أن الفريق البرلماني للعدالة والتنمية، مع ذلك، سيقدم مداخلة تحفظية، واعدا بتقديم تعديل على بعض مقتضياته، حينما تتعافى البلاد مما تمر به. وهو الأمر الذي لم يحدث.

كما تشكلت لجنة مشتركة بين البرلمان والحكومة، للتحقيق في الأحداث، غير أن التقرير النهائي للجنة لم ير النور أبدا.

اجتماع “إزاحة تيار التمايز وتنصيب تيار التماهي”

وقد كان من أهم تداعيات أحداث 16 ماي، ذلك الاجتماع، الذي دعا له وزير الداخلية آنذاك مصطفى الساهل، مرفوقا بالوزير المنتدب في الداخلية آنذاك فؤاد عالي الهمة، دعي له مجموعة من أعضاء المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، والأمانة العامة. وكان من ضمن من حضره: الدكتور الخطيب، والريسوني، والرميد، وبنكيران، وبها والعثماني ومحمد رضى بنخلدون.

وقد كانت خلاصة الاجتماع، الذي تحدث فيه الساهل في حين لم يتحدث الهمة، تبليغ رسالة واضحة باعتزام الدولة الحسم مع الحزب والحركة بخصوص بقاء كل من أحمد الريسوني على رأس الحركة، والمصطفى الرميد على رأس الفريق البرلماني للحزب. إضافة إلى ضرورة فض الارتباط بين الحركة والحزب.

فما كان من الريسوني إلا أن قدم استقالته، ليخلفه المهندس الحمداوي. وكذلك فعل الرميد، بالرغم من تشبث الفريق بهذا الأخير، ورفضه لاستقالته، ليخلفه المرحوم عبد الله بها.

وبطبيعة الحال، فقد كان زعيم تيار التماهي، عبد الإله بنكيران، أشد تحمسا لذلك التغيير البنيوي، حيث ظل يردد أيامها: “لقد حان الوقت كي يمسك أصحاب المشروع الحقيقيين بزمام الأمور.”

وأما الدكتور الخطيب، فسيسلم، دون طلب من أي جهة، مقاليد الأمانة العامة لسعد الدين العثماني، باعتباره حينما شخصية وسطية بين التيارات، وذلك خلال المؤتمر الخامس للحزب. فقد كان العثماني يتحاشى أن يحسب على أي تيار، ويكتفي بالحفاظ على نفس المسافة من الجميع.

لقد شكل ذلك الاجتماع المفصلي، تحقيقا فعليا لتقنية “تعديل بنية المؤسسة حينما لا تنتج وظيفة مرغوبة”  حيث مكّن تيار التماهي من احتلال مواقع تيار التمايز.

ومنذ حينه، ظل ذلك التعديل البنيوي، الذي أفرز تعديلا في الاطروحة السائدة، مطبقا لغاية انتخابات 8 سبتمبر 2021.

حيث ستتوالى التدخلات البنيوية والتدبيرية الموسمية، كلما دعت لذلك الضرورة، وسمحت بذلك الطبيعة الديمقراطية للتسيير الداخلي للحزب.

ومن ضمنها، ما حصل خلال الانتخابات الجماعية في 12 سبتمبر 2003، حيث تواصلت سلطة الداخلية مع قيادة حزبية، لتبلغه، بلهجة شديدة وحاسمة، بحجم ومواقع الترشيحات المسموح بها للحزب. وما كان منه إلا ان استجاب دون مقاومة.وهو موضوع لم يبق خافيا حينها على أحد، بل كان محل امتعاض شديد من النخبة السياسية الوطنية، عبر عنها خالد الجامعي ضمن الندوة السياسية التي عقدها الحزب بالرباط، سنة 2004، تحت عنوان: “حزب العدالة والتنمية بعيون ناقدة”. حيث اعتبر “استجابة الحزب لذلك الإملاء عدم وفاء منه لأصوات ناخبيه، وكونه يكرس تحكم أجهزة السلطة في الحياة السياسية، ويضرب في العمق جوهر العملية الديمقراطية.”

ومع ذلك، فقد أفشلت الطبيعة الديمقراطية للحزب، العديد من محاولات التحكم والتوظيف. ومن ذلك ما حدث سنة 2006، أثناء استهداف الصحافي أبو بكر الجامعي وجريدته: “الصحيفة”. حيث نشرت مقالا حول الرسوم المسيئة للرسول الكريم. وبفعل خطإ فني، طبع المقال مرفوقا بالرسوم. فما كان من سلطة التحكم إلا ان اتصلت مباشرة بأحد قياديي الحزب، تدعوه فيه للاحتجاج أمام مقر الصحيفة. غير أن الكتابة الجهوية للحزب بالبيضاء، تلقت الأمر، وقامت بالتحقيق فيه قبل اتخاذ أي موقف، وتبين لها بالفعل، أن ما حصل كان مجرد خطأ، وأن إدارة الصحيفة قد سحبت العدد من السوق، وتم تعويضه بالنسخة الصحيحة.وبناء على ذلك، رفضت الكتابة الجهوية تنفيذ الأمر بالخروج.

إقرأ الجزء الموالي: تجربة العدالة والتنمية.. نهاية أطروحة ونكسة مشروع (5): التماهي في سبيل الإصلاح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *