وجهة نظر

تجربة العدالة والتنمية.. نهاية أطروحة ونكسة مشروع (5): التماهي في سبيل الإصلاح

يقدم الكاتب والإعلامي، والعضو سابقا بالمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، ماهر الملاخ، دراسة في مسار حزب المصباح  وأسباب الخسارة التي لحقته في الانتخابات التشريعية والانتخابية الجماعية والجهوية التي جرت يوم الأربعاء 8 شتنبر.

هذه الدراسة تنشرها جريدة “العمق” على حلقات.

 

إقرأ الجزء السابق: تجربة العدالة والتنمية.. نهاية أطروحة ونكسة مشروع (4): تعديل البنية لتعديل الوظيفة

 

الحلقة 5:

تجربة العدالة والتنمية.. نهاية أطروحة ونكسة مشروع

بنكيران: أطروحة التماهي في سبيل الإصلاح (2008-2016)

 

بعد تلك الفترة، تمكن بنكيران من إزاحة العثماني من الأمانة العامة، خلال المؤتمر السادس سنة 2008. وظل يبعث خلالها برسائل مباشرة وغير مباشرة للمؤسسة الملكية، مؤكدا على اتجاه التماهي معها في “سبيل تحقيق الإصلاح والعدالة في البلاد.”

20 فبراير والانتعاش المؤقت لتيار التمايز

وحين جاءت هبة20 فبراير2011، لم يترددبنكيران في رفض تلك الموجة، بل شمر عن ساعديه ليثني كل من تسول له نفسه المساهمة فيها. إلى درجة أن ضغط على شبيبة الحزب، والتي اضطرت لإصداربيانها، والتعبير فيه عن تبنيها لمطالب 20 فبراير، واعتذارها عن المشاركة فيها، نظرا لالتزامها بقرارات قيادتها في الحزب، مع السماح للمنتمين لها بالمشاركة فيها بشكل فردي.

ومع ذلك فقد كانت مناسبة لانتعاش مؤقت لتيار التمايز، الذي شارك في مسيراتها، بل وقّع العديد منهم على البيان/العريضة الذي طرحته مجموعة من الشخصيات الوطنية المغربية، وحمل اسم “بيان حول التغيير الذي نريد” الذي جعل على رأس مطالبه الدعوة إلى بناء نظام سياسي مغربي يقوم على ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، وكان على رأسهم كل من: أحمد الريسوني وسعد الدين العثماني والمصطفى الرميد وعبد العلي حامي الدين وأحمد الشيخي وعبد العزيز أفتاتي وعبد الصمد السكال ومحمد الطلابي وعزيز هناوي، وغيرهم.

ذلك التموقع الواضح لتلك القيادات أظهر من جديد حجم الاختلاف الذي ظل متواريا منذ إغلاق جريدتي الصحوة والراية سنة 2000. وأدخل الحزب في حالة توتر داخلي شديد.

وقد كان للخطاب الملكي 9 مارس 2011 دور المهديء لمحاور الخلاف داخل الحزب، حيث تم التوافق على التعاطي الإيجابي مع المرحلة، والقبول بالانخراط في التعديل الدستوري، والدخول في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

انتخابات 2012  واستثمار الرصيد

فاجأ حزب العدالة والتنمية الجميع، حين احتل المرتبة الأولى، مستفيدا من ثلاث عوامل:

العامل الأول: الزخم الشعبي الذي خلفته هبة 20 فبراير، الذي كان ينظر إلى حزب العدالة والتنمية أن من شانه تحقيق مطالب الشعب في ظل استقرار البلاد.

العامل الثاني: الرصيد الفعلي الذي راكمه الحزب خلال اشتغاله مع المواطنين منذ انتخابات نوفمبر 1997، وكذا مؤسساته الاجتماعية والدعوية الداعمة له، خلال ثلاث ولايات تشريعية متتالية.

العامل الثالث: الرصيد التوقعي الذي تكون لدى عموم الشعب تجاه الطيف الإسلامي، منذ ظهور الحركة الإسلامية علىالساحة الدعوية والاجتماعية بمختلف مكوناتها.

-زعيم تيار التماهي رئيسا للحكومة:

ليس خافيا على أحد، أن بنكيران لم يكن، من البداية، هو الخيار المفضل للمؤسسة الملكية، كي تسلمه مقاليد رئاسة الحكومة، ولكن الذي ضغط في ذلك الاتجاه، هو المؤتمر الصحفي الذي عقدته الأمانة العامة، بعيد الإعلان عن فوز الحزب، فأعلنت تشبثها باختيار أمينها العام مكلفا بتشكيل الحكومة. وقد كان للأجواء التي كان يعيشها الشارع المغربي حينذاك الدور الأوفر في اختياره.

لقد راهن عبد الإله بنكيران منذ اللحظة الأولى على اختراق المحيط الملكي ليعمل مباشرة مع الملك، وذلك حسب ما تقتضيه أطروحة التماهي التي مفادها: “إن المؤسسة الملكية ذات شرعية دينية، ولا يمكن إلا أن تكون مع العدالة والإصلاح، وفق الرؤية الدينية التي تتبناها أي حركة إسلامية معتدلة.” حيث كان يعتبر أن ثقة الملك بالإسلاميين لا يحول بينها وبينهم غير المحيط الملكي، الذي دأب على التشويش على صورتهم امامه.

ولذلك، عمل بنكيران بشدة، منذ 1982،على توصيل صورته للملك مباشرة، عبر رسائله المفتوحة ومربعات تهنئته عبر جريدتي الراية والتجديدن بالرغم من كل الانتقادات اللاذعة التي كان يتلقاها.

وحين أصبح رئيسا للحكومة، تيقن أنها الفرصة السانحة لاختراق ذلك المحيط الملكي، وتحقيق ما كان يهدف له منذ 30 سنة. فعمل على مهاجمة المستشارين، بل وتحذير الملك من فسادهم واستبدادهم. لكن محاولاته تلك جوبهت بالصد والمحاصرة، إلى أن فهم أن عليه أن يتراجع تكتيكيا، وينسق مباشرة معهم. وأدرك أن المرور إلى الملك ليس بالسهولة التي كان يظن.

وبذلك، كان خطابه وسلوكه في النصف الأول من ولايته، يطبعه نوع من الانسجام مع مؤسسات ورغبات الدولة العميقة والمحيط الملكي. وهو ما انعكس على قراراته وخرجاته الإعلامية.

إلا انه بعدها، بدأ يعي أنه لا يتقدم في سبيل تحقيق مراده، وأنه لا يحظى بأي مما كان قد جعله هدفا لولايته وحكمه. وأنه يعطي كل شيء ولا يأخذ أي شيء. بل كان يرى تعنتا مقصودا من دواليب الدولة العميقة في اتجاه عرقلة خطواته، وتغليب خصومه الأيديولوجيين عليه. حيث تبين له ما مفاده: “نأخذ منك ولا نعطيك، ونستخدمك ولا تستخدمنا.”

يبقى عبد الإله بنكيران، في نهاية المطاف، صاحب مشروع، يودّ أن يصرّفه في الواقع. وحينما أحس أنه لم يستطع أن يحقق أي شيء في ذلك الاتجاه، بالرغم من كل المحاولات والتنازلات والتطمينات، بدأ الرجل يتملكه الإحباط الشديد.

أطروحة “التماهي لتحقيق الإصلاح” أمام البلوكاج

وحينما أدرك واقع الاحتباس، قرر استغلال كاريزماه التواصلية في الضعط على تلك المحاور، فبدأ يمارس خطاب المنّ على النظام، بكونه هو، أي بنكيران، صاحب الفضل على النظام في تجنيب المغرب حالة الفوضى والاضطراب. كما بدأ يهدد بأن الشارع لا يزال مستعدا للعودة لحالة 20  فبراير.

حتى تجرأ مرة على مخاطبة الملك نفسه بقوله: “أنا غير مطلوب مني أن أرضي الملك، أنا مطلوب مني فقط أن أرضي أمي. (هكذا). “.

وما كانت تلك التصريحات التي طبعت خطاب بنكيران في المرحلة الثانية، إلا انعكاسا مباشرا لحجم اليأس الذي وصل له الرجل، بعد أن أوصل أطروحته القديمة إلى منتهاها.

تصريحات جعلت المحيط الملكي يحسم في أمره نهائيا، ويقرر إنهاء ظاهرة بنكيران. فسدت أمامه كل الأبواب، وتم دفعه للإخفاق في تشكيل الحكومة، بالرغم من أنه قد حقق انتصارا تاريخيا للحزب في الانتخابات التشريعية 2016. ثم تم استدعاؤه في الأخير للقصر الملكي بالدار البيضاء، فلم يمنح حتى فرصة لقاء الملك، ولا تسليم طلب استقالته الذي لا يزال في جيبه. بل استقبله بعض المستشارين، ليبلغوه سلام الملك مرققا بقرار الإعفاء.

وقد كان شكل اللقاء، مشهداسيميائيا بليغا، عبّر مباشرة، عنسماكة الجدار الذي يفصل الإسلاميين عن الملك.

كان على زعيم سياسي وطني مسؤول، أن يخرج بعد ذلك ويعبّر عن حقيقة وصول أطروحته التي كان يؤمن بها، إلى نهايتها، حتى يسهم في تطوير وعي وخطاب وأداء حزبه الذي يرأسه. كما كان عليه، بناء على ذلك،أن يجعل الحزب يتفادى الدخول في ثنائية استقطابية شخصانية بينه وبين سعد الدين العثماني.

غير أن زعيم أطروحة التماهي، التي فرضتها سلطة التحكم على الحزب منذ 2003، يبدو أنه لم يمتلك ما يكفي من الجرأة السياسية والأدبية، كي يعلن صراحة نهاية أطروحته السياسية، بعد تجربة خمس سنوات من محاولة تفعيلها من أعلى منصب تنفيذي في البلاد، بعد منصب الملك. فاكتفى بالانزواء إلى الخلف مرة اخرى، وبالمراهنة على شبيبة الحزب لاسترجاع منصبه الحزبي المضيّع، والتشويش على تدبير غريمه الجديد في رئاسة الحكومة، وتصريف تخبطه السلوكي، بين تقديم نفسه للدولة كزعيم قادر على الاستمرار في خدمتها من جديد، و الاحتجاج على سلوك الأمانة العامة بتجميد العضوية والدعوة إلى عقد هيآت ثم مقاطعة حضورها، والتراجع عن الدعوة لعقد أخرى..

إقرأ الجزء الموالي: تجربة العدالة والتنمية.. نهاية أطروحة ونكسة مشروع (6): التماهي في سبيل الإنصات والإنجاز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • 2٤ش٧2قسم على
    منذ 3 سنوات

    تقنيات ٤درهم