خارج الحدود

أنجيلا ميركل.. امرأة أخضعت زعماء أوروبا تقرر اعتزال السياسة في هدوء

“إن هدم جدار برلين منحني فرصة العبور إلى العالم، وأي شيء يبدو أنه منقوش على الحجر يمكن أن يتغير”، أنجيلا ميركل.

هي شخصية استثنائية، جمعت بين العطف والصرامة، فرضت سلطتها ووجودها داخل الاتحاد الأوروبي، وأخضعت أقوى زعماء أوروبا، فتمكنت من إخراج ألمانيا من رقعة التخلف الاقتصادي لتجعلها أقوى وأول اقتصاد في أوروبا والرابع عالميا.

ترعرعت أنجيلا في دولة خرجت لتوها منهارة من حرب عالمية، ببنية اقتصادية واجتماعية منهارة، وجغرافية مقسمة لجزأين، فكانت أكثر النساء في العالم التي تواجهها تحديات إنقاذ بلادها وإعادة أمجادها وقوتها، فكسبت أنجيلا التحدي.

غادرت أنجيلا منصبها السياسي بدون هرج، بهدوء يشبه شخصيتها، بعد 16 عام من الخدمة لوطنها، بدون أن تسجل عليها أي قضية فساد خلال مسيرتها كسيدة ألمانيا الأولى.

نشأة “المرأة الحديدية”

ولدت أنجيلا التي اختار لها البعض لقب “المرأة الحديدية” عام 1954، في ألمانيا الغربية، ونشأت في ألمانيا الشرقية حيث انتقلت إليها رفقة والدها “القس”، وقضت فيها معظم حياتها إلى يوم سقوط جدار برلين وتوحد البلاد غربا وشرقا.

امرأة ذكية منذ نعومة أظافرها، درست الفيزياء في جامعة ليبزيغ، وحصلت على شهادة الدكتوراه عام 1978، وعملت خبيرة في الكيمياء بالمعهد المركزي للكيمياء الفيزيائية، التابع لكلية العلوم بألمانيا من 1978 إلى 1990.

اسمها الكامل، أنجيلا دوروثيا كاسنر، تزوجت زميلها في الدراسة، أولريش ميركل، وشاءت الأقدار أن ينفصلا في عام 1982، إلا أن أنجيلا ووفاء لحبها الأول، احتفظت بلقب “ميركل”.

من عالمة إلى زعيمة سياسية

دخلت أنجيلا عالم السياسة عام 1989، مباشرة بعد سقوط جدار برلين، وخدمت لفترة وجيزة كنائبة للمتحدث باسم أول حكومة منتخبة ديمقراطيا في ألمانيا الشرقية عام 1990.

كان حلمها أن تكون معلمة، لكن الظروف شاءت أن تتزعم حزبا من أكبر الأحزاب الألمانية، هو الحزب المسيحي الديمقراطي، لكنها أعلنت انسحابها منه في أكتوبر 2018، بعد خسارته في الانتخابات المحلية بولاية هيسن غرب ألمانيا.

وصلت أنجيلا إلى البرلمان بعد توحيد ألمانيا، وتقلّدت منصب وزيرة المرأة والشباب في الحكومة الاتحادية، تحت قيادة المستشار هيلموت كول عام 1991، وبعدها أصبحت وزيرة للبيئة في عام 1994.

في عام 2005، عُينت أنجيلا كأول امرأة مستشارة في تاريخ ألمانيا، وأول سيدة من ألمانيا الشرقية تقود ألمانيا الاتحادية، واحتفظت بالمنصب لأربع ولايات متتالية.
“ماما ميركل” وملف اللاجئين

اعتاد الألمان مناداتها بـ”ماما ميركل”، قبل أن يصبح اللقب المفضل لدى اللاجئين السوريين، الذين فتحت لهم أنجيلا أحضان ألمانيا في وقت أغلقت دول الاتحاد الأوروبي أبوابها في وجههم إبان حرب سوريا.

قررت أنجيلا عام 2015، فتح الباب أمام اللاجئين، وتعرضت على إثر قرارها لانتقادات شديدة، حيث اعتبر المتتبعون للشأن الألماني، أن “سياسة الترحيب” بالهاربين من الحروب والاضطرابات، هي ما أدت إلى تراجع شعبية حزبها المحافظ.

وصل مئات الآلاف من المهاجرين إلى ألمانيا بعد فتح أنجيلا أبواب اللجوء، وأطلقت شعار “سننجح في المهمة”، لبعث الثقة في نفوس اللاجئين الذين كان معظمهم من سوريا ودول شمال إفريقيا والعراق وأفغانستان.

ورغم سياسة الأيادي المفتوحة، فمازالت سياسة إدماج اللاجئين متباطئة، حيث أبانت دراسة أجراها معهد أبحاث التوظيف عام 2020 أن عدد الأشخاص الذين هاجروا إلى ألمانيا منذ عام 2013 واندمجوا في سوق العمل أقل بقليل من النصف، وبعد ظهور وباء كورونا تراجع الاتجاه الإيجابي لأن العديد من اللاجئين فقدوا عملهم بسبب الجائحة، وفقا للدراسة نفسها.

استعادة قوة ألمانيا

دخلت أنجيلا ميركل التاريخ من باب الجد والنزاهة والتفاني في العمل، واعتادت في حياتها اليومية أن تكون مواطنة عادية تمشي وسط شعبها وتقتني حاجيات بيتها بيدها.

قامت أنجيلا بالقضاء على الفقر في ألمانيا وتحسين مستوى الدخل الفردي، كما حققت فائضا في ميزانية بلدها، وألغت التجنيد الإجباري عام 2011، لتحول الجيش الألماني إلى جيش احترافي.

كما جعلت ألمانيا رائدة في إنتاج الطاقات المتجددة، وأغلقت عددا من المفاعل النووية، وجعلت اقتصاد الطاقة المتجددة الألماني الأول عالميا.

اختارت أنجيلا، قبل مغادرتها أنيغريت كرامبكارنباور لخلافتها كمستشارة، لكنها قررت العدول عن الترشح لهذا المنصب، كما أعلنت أنيغريت تخليها عن رئاسة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني المحافظ، في أجواء أزمة سياسية مفتوحة بسبب تحالف مع اليمين القومي في تورنغن.

ويعد نائب المستشارة أنجيلا ميركل، أولاف شولتز عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، هو المرشح الأوفر حظا لخلافة ميركل في منصبها، حسب استطلاعات للرأي قبل الانتخابات العامة في ألمانيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *