وجهة نظر

في الفيمنيست الإسلامي.. النقد الذاتي والنسوية (الحلقة 21)    

كاتب رأي

بدأ علال الفاسي في مقدمته للنقد الذاتي، أنه بذل فيه جهد المخلص الذي يريد البناء ويسعى في التجديد ،ويعز عليه أن يترك الحيرة تعبث بعقل شباب الامة وقلبه ،ويرى ان ما ضمنه في كتابه ليست أفكارا نهائية حتى بالنسبة الى ،واني مستعد لأن اعيد النظر في كل رأي منها مع أي أحد ممن يهمهم الدرس والبحث عن الحقيقة رغبة في اتباعها .ويقول ان :ماكتبته في النقد الذاتي أفكار ،وانما هو دلالة على أفكار ،وقد دعى الحركات الاستقلالية في المغرب العربي أن يهتموا بتكوين النظرية ووضع البرنامج المفصل الذي يسهل علينا تحقيق الإصلاحات العميقة التي تنشدها أمتنا متى تم لها الاستقلال وظفرت بالحرية حتى لا يقع لها من التبلبل ما يشككها في قيمة الكفاح الذي تبذله الآن بالنسبة لتقدمها وتحسين حالها.

المرأة المغربية بين العرف والعمل الشرعي 

لا يحرر المرأة الا نفسها، وهذا ماذهب اليه علال الفاسي في هذا المبحث حيث يرى ان المرأة عماد الاسرة وكل بناء لايستقيم عماده فهو الى الانهيار، ولكي تتحرر من هذه النظرة يتوجب عليها مجهود مستمر وثبات متحول ، لأن ما أفسدته الدهور والاعوام لا تصلحه الشهور والأيام .

ويغوص الفاسي في عرف العرب وكيف كانت تعاني المرأة من هضم للحقوق، وقد قارن بين الأعراف المغربية وبين اعراف القبائل البدائية في افريقية الاستوائية، فهي متساوية في الفظاعة وان كانت تزيد وتنقص بحسب نواحيها.

ويحمل المسؤولية في الوضع للسياسة وللجميع وللأسلاف، حيث هناك تقصير في المعرفة وتنوير العقول، وخاصة في المناطق القروية .

ويرى ان مسؤولية الحاكم في اخضاع القبائل اليه دون الإصلاح للأحوال والعادات الجاهلية التي ورثها .

وهنا يبرز مفهوم النقذ التاريخي لما ينقص النهضة العربية عموما والمغربية بالأخص، وبدونه لايتسنى لنا أن نبني مستقبلنا على الأسس الصالحة المفيدة.

ويرى ان اصلاح الأسرة لايمكن بغير اصلاح حالة المرأة ، ولايتم لها اصلاح مادامت الاعراف البربرية مفروضة في بلادنا .

ان المسألة قبل كل شيء مسألة الشعور بخطر بقايا الجاهلية في البلاد وكونها حجرة عثرة في سبيل كل تطور أو تقدم نسعى اليه.

ومن الأمور التي تطرق اليها الفقيه المقاصدي علال الفاسي في نقده للأحكام الفقهية ، مسألة الاجبار في الزواج للولي او الوصي للبكر على الزواج بمن تريد او من لاتريد، ورأيه أن هذا العمل مبني على مذهب الامام مالك الذي يعطي للأولياء والاوصياء حق الاجبار وان كان يستحب لهم تخيير المرأة في ذلك ،ونحن نعتقد أن روح العصر لم تعد صالحة لتطبيق مذهب المالكية في الموضوع.

والعلة ان المرأة المغربية على أبواب التطور الذي لا يجعلها مستعدة لقبول مثل هذا لتحكم في مصيرها ،فالوقت قد حان للعمل بمذهب جمهور الائمة المسلمين من تخيير البكر والثيب على السواء فيمن تختاره ليكون قرين حياتها.

ويرى علال الفاسي  انه بقدر دفاعنا على المرأة في اختيار زوجها فان الرجل كذلك محتاج لأن يدافع عن هذا الحق ،لأن التقاليد المغربية تكاد تجبر الرجل نفسه على من يختاره له أقاربه ،خصوصا وأنه لايسمح له في الغالب بالاجتماع بمن يخطبها ،بل يكتفي بما تبلغه له امه أو قريباته اللائي ينظرن بأعينهن لابعينه هو.

وقد اقترح على انه يتوجب فرض ضرائب على الاعزاب الذين يتجاوزون الخمسة والعشرون عاما دون زواج بغير عذر شرعي ، ويجب ان يصرف مدخول هذه الضرائب في مساعدة المحتاجين والمحتاجات من راغبي الزواج الذين تقف أمامهم عوائق الدهر أو احداث الامراض.

التعدد في نظر علال الفاسي

وفي مسألة التعدد حيث انها موجودة في جميع المناطق الافريقية ، وقد خطأ مدعي المشاعية في الشعوب البدائية ،والحقيقة التي توصل اليها ان العائلة والدين هما العمدتان الاساسيتان عند سائر الشعوب الافريقية التي رأيناها.

وقد ايد ماذهب اليه الدكتور عبد الواحد وافي في رسالة *الاسرة والمجتمع *عن كثير من علماء الأثنوجرافيا أمثال –روسترمارك-وهوبز-وهيلير-زجنسيرج.

وان نظام التعدد لم يبد في صورة واضحة الا في الشعوب المتأخرة او البدائية ، ويختم قوله ان التعدد لم يكن نتيجة حالة بدائية كما يزعم الماديون ،ولكنه كان نتيجة حضارة متقدمة أصابها اختلال.

ولا شك ان التعدد الواقع في القبائل البربرية بالمغرب هو من هذا النوع الذي لم يؤد اليه في نظرنا الا استمرار النظام القبلي وعهد الفروسية ، ويعلل بقاء التعدد، في ان العرب واليهود كانوا يعددون نساءهم دون حد، فكان الرجل يتزوج مائة امرأة فمازاد عليها .

ويرى الفاسي ان هذا الغلو في التعدد كان عرفا وعادة اجتماعية تنافس عليها السادة والاعيان، حتى انزل الوحي على الرسول ما يقتضي اصلاح هذه الحالة، فأمر بتطليق مازاد على الأربع واختص هو بعدم التطليق، والإصلاح القرآني تطرق الى مسألة هامة تجلت في العنف الاقتصادي الموجه ضد الزوجة التي تملك مالا، حيث أسس لما يسمى الآن بالذمة المالية للزوجة، حيث منع التصرف في مال المرأة وعظم الفعل ان كانت يتيمة، لأنها تعد جريمة لا تغتفر ، لأن اثرها الاجتماعي يكون أعمق .

ويرى الفقيه علال الفاسي ان منع التعدد فيما زاد على الأربع وقع تحريمه بالنص من أجل سبب معروف في قول عائشة وابن عباس مآله الى الخوف من أيكون سببا في اغتصاب أموال اليتامى الذين هم تحت كفالة المتزوج طبقا لما كانت قد عمت به البلوى في الجاهلية. ويدل النص نفسه على أن التزوج بمافوق الواحدة يمنع اذا خيف من أيكون سببا في غصب أموال اليتامى.

ويرى ان هناك اجماع على منع التعدد مطلقا عند الخوف من الظلم، واباحته حتى الأربعة عند تيقن العدل ، لكن الذي مضى عليه عمل المسلمين هو ترك هذا الامر لوجدان الرجل الذي يحكم على نفسه هل يقدر أن يعدل او لا ،وذلك هو الأصل في تطبيق الشرائع كلها ،لأن الدين يتوجه قبل كل شيء للأفراد وضمائرهم.

وقد خلص في امر هام ان التجربة التي لاحظناها طول التاريخ الإسلامي تدل على انه باستثناء العصور الأولى فان اغلبية المسلمين استعملوا التعدد في غير موضعه الشرعي.

ويميل الى منع التعدد جملة تفصيلا بما يحقق تطبيق مبدأ الإصلاح الإسلامي بمنع التعدد مطلقا في هذا العصر ، إقامة للعدل ،وتقديرا للمرأة وحماية للإسلام.

وهذا الموقف الجريء من الفقيه الفاسي قد يلقى مخالفة عند المتقدمين المعاصرين ،لكني أميل اليه اذا قسناه بما ينتج عن عدم العدل وما ينتج من تشتت للأسر وتفرقها وضياع للحقوق ،ولذلك فإنسان الشريعة انسان عادل بطبعه ،ولكن مادام هذا الانسان غير موجود أصلا فان الاحتكام لهذا المقتضى يبقى امرا بحاجة الى قيد مخافة ان تصبح القاعدة هي التعدد الثنائي أو الثلاثي والرباعي ،والحال ان هذا الامر فيه مافيه من ويلات على الاسر والمجتمع ،ورغم انه قد يفهم ان الاستاذ الفاسي عطل نصا ،لكن استبعد الأمر، فالرجل كان يتحدث بنظرة المقاصدي للأمور ومدارك البطون في واقع اقرب الى الجهالة منه الى التعقل .

النسوية والحقوق المدنية 

تشن بعض ناجيات الحداثة السائلة في زمننا على المرجعية الإسلامية وتحمل الممارسة المجتمعية والسلوكات المشينة ضد المرأة للإسلام، والحال ان الإسلام بريء من كل فعل يعاكس الكرامة والإنسانية، ولذلك فقد قامت ثورة تصحيحية لسلوكات جاهلية ابان عصر الرسالة، لكن الطمس التاريخي لها ،جعل هؤلاء الناجيات يتحدثن على هذا الامر بنوع من الكي بالنار في جميع أطراف الامة بدون استثناء ،وخيرا فعلت فكم من كي يحيي العظام وهي رميم، ويخرج العقول الصنمية من وحل الشهوة الطفولية الى نوع من التأمل والتفكير في حالنا .

ويزيد فقيهنا المقاصدي في تفصيل الحقوق المدنية في النقد الذاتي ، رغم ان هذا المؤلف الهام الذي للأسف بقي في رفوف الاسر الفاسية والتطوانية دون ان يرتب له ما يرتب او يدرس منه مايدريس ،

او يكون موضوع أطروحات ورسائل لا تعد على رؤوس الأصابع، وكان الأصل ان تتحرك الطاقات في الفهم والتمحيص والدراسة، ولكنه بقي مثل باقي الكتب النفيسة في موقع لا يصل اليه الا الراسخون في العلم وقليل ماهم ، وقد نبهت ان الامة بخير مادامت قادرة على احياء ثراتها بقراءة متفحصة له  ،وهذا الامر يحتاج الى التدقيق لإخراج المشاريع الجمعية التي تحي الامة وتوقظ الهمم .

ويرى ان الإصلاح في حقل الحقوق المدنية للنسوية او النسائية ان صح التعريف ، انما ظهر بفضل الإسلام الذي انكر على الأمم كلها سوء معاملتها للمرأة وظلمها.

وقد احتفظ للمرأة قبل كل شيء بشخصيتها ، فجعل اسمها بعد الزواج لا يتغير باسم زوجها ،ولم يجعل للزواج علاقة بقضية الشركات المالية أو غيرها مما تبنى عليه القوانين الوضعية كالقانون الفرنسي الذي يعتبر الزواج الاشتراكي أصلا في كل زواج ،بل أعطاها حق التصرف فيما ملكته أو تملكه تصرفا لا يحده الا ما تقتضيه قواعد الرشد العامة للجميع.

ويقول ان الانحطاط الذي أصاب المغرب والعالم الإسلامي رجع بالمرأة الى الدرجة القصوى من التأخر حتى أصبحت مجرد متعة يتلهى بها . ومع ذلك فقد ظلت الشريعة الإسلامية حارسة لحقوقها من الوجهة النظرية ،الا ان المجتمع المنحط كان يقف عرقلة في طريق كل تطبيق للشريعة نفسها ،كما ان جهل المرأة والجو الذي وضعت فيه أولا ، ثم رضيت به ثانيا عاقاها عن كل تطور في صالحها او الدفاع عن مكانتها.

وتطرق لمسألة الإرث والتركة ، حيث سجل ان هناك تحايل على الحقوق للمرأة ،حيث يتم الوصاية والوقف للذكور دون الاناث ،حتى لاتتوزع الثروة ولذلك اقترح في أنه يتعين وضع عمل يقرر المساواة في كل الوصايا ،أي عدم اعتبار أية وصية تختص بالذكور دون الاناث .

ويزيد الفاسي في تأكيده على أن من حق المرأة ان تتساوى مع الرجل وهاته المساواة التي لاتتنافى مع طبائع الأشياء ،ولذلك يمكنها ان تشارك في الصالح العام بالخدمة والفكر والإرشاد ،ويمكنها ان تشغل مركز العمل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الجماعة وفي الدولة .

ويزيد في إصراره بالقول : واني لأعتقد أنه لاحياة لأمتنا ولا لأمة على وجه الأرض مادامت المرأة محرومة من حقوقها وممنوعة من أداء واجبها ،وأن كل نهضة لا تعير الالتفات الا لجانب الرجال لهي نكسة لا توصل للخير أبدا .

وان الأفكار تشق طريقها ، ولكن الطريق لاتسير دائما نحو الشاطئ المنشود .ولذلك فمن صالحنا وخير أمتنا أن نسبق الحوادث وأن نوجه سير المرأة في الناحية التي تقتضيها الحكمة ويفرضها العدل وتؤدي الى الحرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *