وجهة نظر

من الاتحاد الاشتراكي إلى العدالة والتنمية.. ما أشبه الأمس باليوم

ذكَّرتنا نتائج انتخابات 8 شتنبر 2021 بانتخابات 27 نونبر 2002 وما تبعتها من أحداث شكَّل فيها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية موضوعا رئيسيا. فكما أن الانتخابات الأخيرة التي عرفتها بلادنا سلطت الأضواء على الحزب الذي خرج من الحكومة بعد سنوات من ترأسها أكثر من الحزب الذي فاز في الانتخابات، نجد أن اقتراع 2002 سلط الأضواء كذلك على الحزب الذي خرج من الحكومة بعد أن ترأسها لولاية كاملة أكثر من تشكيلة الحكومة الجديدة برئاسة شخصية تكنوقراطية. فهل هناك أوجه التشابه بين مسار الحزبين الاتحاد الاشتراكي للقوات العبية والعدالة والتنمية؟ وهل سيلقى البيجيدي نفس مصير الاتحاد؟

يكمن وجه التطابق بين تجربة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة وتجربة العدالة والتنمية في أسباب النزول. فإذا كان الاتحاد انخرط في حكومة توصف إعلاميا “بحكومة التناوب التوافقي” بعد خطاب المرحوم الحسن الثاني حول السكتة القلبية التي يمكن أن تتعرض لها البلاد، فإن حزب العدالة والتنمية تسَلَّم زمام الحكومة بعد حركة 20 فبراير متبنيا خطاب الإصلاح في ظل الاستقرار لانقاد البلاد. وتوصف هذه التجربة إعلاميا “بحكومة الربيع العربي”. على هذا الأساس يمكننا القول إن التجربة الحكومية التي قادها سواء الاتحاد أو البيجيدي تتسم بمرحلة صعبة تجتازها البلاد.

استلمت حكومة المرحوم عبد الرحمان اليوسفي رئاسة الحكومة (الوزارة الأولى) وخلال اشتغالها كانت تشتكي مما كان يصفه الكاتب الأول للحزب بقِوى مناهضة التغيير وبصعوباتٍ وعراقيل تعرضت لتجربة حكومة التناوب. رئاسة البيجيدي لحكومة الربيع العربي اشتكت هي الأخرى من عراقيل وصعوبات لكنها عبرت عن ذلك بطريقة أخرى تتجلى في التماسيح والعفاريت التي كان يروج لها الأمين العام عبد الإله بنكيران.

بعد  تعيين ادريس جطو خلفا للراحل الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، اقترح هذا الأخير على أعضاء المكتب السياسي الخروج من الحكومة احتجاجا على عدم تطبيق المنهجية الديمقراطية أو ما يُسمى بالتأويل الديمقراطي للدستور. لكن رفاق اليوسفي رفضوا مقترحه، وقبِلوا بما اقترحه عليهم الوزير الأول الجديد من حقائب بما فيها منصب وزير دولة بدون حقيبة. بالنسبة لتجربة العدالة والتنمية، وبعد ما يُعرف إعلاميا “بالبلوكاج” الذي أدى إلى إعفاء الأستاذ عبد الإله بنكيران من تشكيل حكومته، طرح هذا الأخير أمام المجلس الوطني لحزبه دراسة جميع المقترحات بما فيها الاعتذار لجلالة الملك. إخوان بنكيران اتجهوا نحو تشكيل الحكومة برئاسة الدكتور سعد الدين العثماني مع التخلي عن جميع الشروط التي كانت تقف عائقا أمام تشكيل التحالف الحكومي. فكما الاتحاد الاشتراكي الذي قرر الاستمرار في الحكومة بقيادة تكنوقراط، اختار البيجيدي نفس الطريق بالاستمرار في الحكومة بقيادة عضو آخر من الحزب بدلا من الأمين العام آنذاك.

عرفت حكومة التناوب برئاسة المرحوم اليوسفي خلافات حادة داخل الحزب انتهت بانسحاب تيار “الوفاء للديمقراطية” الذي يقوده الأستاذ محمد الساسي. في مرحلة البلوكاج، عرف حزب العدالة والتنمية هو الآخر انشقاقا داخل الحزب بين تيار الولاية الثالثة للأستاذ بنكيران والتيار الرافض. لم ينشق الحزب لكنه ظل منقسما على نفسه وعرف انسحابات واستقالات لبعض أعضائه.

بعد تشكيل حكومة جطو، ذهب الوزير الأول السابق إلى بلجيكا لإعطاء محاضرة حول تجربته الحكومية منتقدا ما أسماهم بقوى مناهضة التغيير وبعدم تطبيق المنهجية الديمقراطية في تأويل الدستور. لكنه اختار بعد ذلك التواري عن الأنظار والدخول في صمت سياسي كأنه اعتزال للعمل السياسي. وبعد تشكيل حكومة العثماني، اختار رئيس الحكومة السابق الاعتكاف في منزله معلنا أنه لم يكن يحارب الفساد وإنما الفساد هو الذي كان يحاربه. لكنه، وإن ظل بعيدا عن الحزب ومؤسساته، كان لا يتردد في بعض الخرجات منتقدا المسار الذي يتجه إليه الحزب.

تجربة حكومة التناوب وما تلاها من صراعات داخل حزب الاتحاد، جعلت الحزب في تراجع مستمر حتى أصبح يعرف أزمة كبيرة جعلته ينتقل من موقع الحزب القوي والقوة السياسية الأولى، إلى حزب ضعيف بالكاد استطاع أن يشكل فريقا برلمانيا في انتخابات 2016، وأصبح حزبا يُرتب في وسط الخارطة السياسية. حزب العدالة والتنمية عرف نفس المسار في الانتخابات الأخيرة حيث انتقل من القوة السياسية الأولى، إلى حزب لم يستطع تشكيل فريق برلماني وأصبح هو الآخر في وسط ترتيب الخارطة السياسية.

فأي مستقبل ينتظر حزب العدالة والتنمية؟ وهل سيسير على خطى حزب الاتحاد الاشتراكي، أم أنه سيعرف كيف يتعامل مع طبيعة المرحة لخلق مستقبلٍ مغايرٍ لما عرفه حزب القوات الشعبية؟ لعل فلسفة التاريخ عند الفيلسوف “هيغل” كفيلة باستقراء ما يمكن أن يحدث مستقبلا لحزب العدالة والتنمية. فهيغل يعتبر أن التاريخ ليس عبارة عن أحداث متفرقة لا يجمع بينها أي روابط وأي منطق، وإلا فلا فائدة من دراسته. بل يعتبر فيلسوف التاريخ أن الأحداث التاريخية يحكمها قانون يسميه هيغل “قانون التطور التاريخي”. هذه الأحداث التاريخية ترتبط فيما بينها بجدلية “هيغل” في التاريخ القائمة على أساس ثلاثة عناصر: الطريحة والنقيضة والنتيجة. على أساس منهجية “هيغل”، يمكننا أن نخلص إلى أن حزب العدالة والتنمية إذا سار على نفس اختيارات حزب الاتحاد الاشتراكي كما وضحنا ذلك سلفا، فإنه سيعرف نفس النتيجة ونفس مصير حزب القوات الشعبية. وأما إذا اتجه لخيارات مخالفة، فسوف يعرف مسارا مخالفا لحزب الاتحاد. لكن هل سيكون مسارا جيدا أم سيئا فهذا يبقى مرتبطا بمدى احترام تلك الخيارات لمنطق التاريخ بالمفهوم الهيغيلي، ولمدى انسجامها مع السنن الكونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *