وجهة نظر

7 ملاحظات على تركيبة حكومة ما بعد 8 شتنبر

بصرف النظر عن السياق الذي جاء بالحكومة التي ترأسها رجل الأعمال عزيز أخنوش أمين عام حزب التجمع الوطني للأحرار، في إطار التحالف مع كل من حزب الأصالة والمعاصرة  بقيادة  المحامي عبد اللطيف وهبي وحزب الاستقلال بقيادة الاقتصادي نزار بركة، ومن دون العودة إلى الحيثيات الكثيرة التي أثيرت بخصوص الأجواء التي جرت في ظلها الانتخابات، فإن ملاحظات قليلة حول الحكومة الحالية، من شأنها أن تقرّبنا من أهم ملامح الحكومة، وأفقها السياسي، وتمنحنا فكرة عن قدرتها على الاستمرارية، وهذه أبرز الملاحظات التي تم تسجيلها على بعد يومين من تشكيلها:

أولا: سارت الحكومة المعيّنة على نفس الخط الذي رسمته حكومة عبد الإله بن كيران سنة 2011، وذلك بأن سارع وزراؤها إلى تسلُّم مهامهم من وزراء حكومة تصريف الأعمال المنتهية مهامها، مباشرة بعد التعيين الملكي دون انتظار التصويت على البرنامج الحكومي ومن ثم الحصول على التنصيب البرلماني؛ وبهذا تدشن الحكومة الحالية عملها بأول خرق للدستور سيما في فصليه الـ( 47) و الـ( 88)، حيث جاء في الفصل الأول :”… تواصل الحكومة المنتهية مهامها، تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة”، بما يفيد أن تسلم السلط لن يتم إلا بعد تشكّل الحكومة، وليس بعد تعيينها، والتشكيل ليس هو التعيين. وإذا كان )الفصل (47 لم يوضح الفرق بين التعيين والتشكيل (رغم أنه واضح جدا)، فإن )الفصل 88  (يساعد على فهم الأمر بشكل لا يفسح المجال لكثير من التأويل، إذ نجده ينص على: “…تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامج الحكومة”. بما بفيد أيضا أن وزراء الحكومة المعينون لا يمكنهم تسلم أي مسؤولية إلا إذا نصّب البرلمان الحكومة التي ينتمون إليها.

وقد يبدو لبعض غير المهتمين بالقانون الدستوري أن هذا مجرد تفصيل لا يؤثر على نتيجة كون الحكومة أصبحت أمرا واقعا، لا يمكن تجاوزه. غير أن هذا القول ينطوي على تجاهل مسألة أساسية وهي أن التنصيب البرلماني للحكومة يجعلها مرتبطة أكثر بمجلس النواب الذي بناء على نتيجة انتخابه، تم تعيين رئيسها، وهذا في سياق الملكية البرلمانية الوارد في ديباجة الدستور، إذ أن الحكومة لم تعد مرتبطة فقط بالتعيين الملكي؛ وإنما تخضع لرقابة مجلس النواب، الذي يمنحها الشرعية ويمكنه أن يسحبها منها. فضلا عن إشكال قانوني يمكن أن يطرأ إذا لم يوافق مجلس النواب على برنامج الحكومة؛ فماذا، مثلا، لو أن أعضاء أحد أحزاب الأغلبية، قد صوتوا ضد برنامج الحكومة، احتجاجا على المفاوضات التي قادها زعيمهم، أو تذمرا من حجم مشاركة حزبهم؟ هل في هذه الحالة يُرجِع الوزراء المعينون سلطهم للوزراء المنتهية ولايتهم في انتظار تعيين غيرهم؟ أو يستمرون في وضيعة تصريف أعمال إلى حين تعيين وزراء جدد؟

وأما الدفع بالقانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة، فإنه لا يرقى لأن يكون مبررا لانتهاك الدستور، والخروج عن فسلفة المشرع التي رامت ربط الحكومة بالبرلمان، في أفق ترسيخ الملكية البرلمانية، لأن هذا القانون، فضلا عن غموضه، ينبغي إعادة النظر فيه بدوره. ولا يحول دون ذلك كونه سبق وأن مر من أمام المحكمة الدستورية، لأن الأخيرة غير معصومة من الخطأ. وإلا ما الداعي للاستعجال في نقل السلط بين الوزراء إذا كان القانون يسمح لحكومة تصريف الأعمال المنتهية مهامها بتدبير الأمور الجارية؟ ألا يعطي، مثلا، الدستور الأمريكي الحق لرئيس الدولة المنتهية ولايته، شهرا كاملا لممارسة مهامه، في ظل وجود رئيس منتخب جديد؟

ثانيا: ضمّت الحكومة الحالية 24  وزيرا، إضافة إلى رئيسها، وقد يبدو من الوهلة الأولى أن الحكومة جاءت بعدد قليل من الأعضاء، لكن الحقيقة غير ذلك، ما دام تشكيل الحكومة لم ينته بعد؛ وإنما ستنتظر تعيين كتاب الدولة، الذين قد يقل عددهم أو يكثر، وذلك حسب الضغوط الحزبية وجبر الخواطر. وربما يعود سبب إخراج الحكومة من دون كتاب دولة، إلى محاولة إظهارها بعدد قليل من الوزراء، على أن يتم لاحقا إضافة كتاب للدولة. ومن شأن ذلك أن يخلق اعتقادا أوليا بتقلص عدد أعضاء الحكومة.

ثالثا: من حيث التركيبة الحزبية، ضمت الحكومة تحالفا بين ثلاثة أحزاب، لكن من حيث التمثيل، لوحظ أن حزب رئيس الحكومة قد هيمن على الحكومة عددا وأهمية؛ فهو حصل على 7  وزارات، إضافة إلى رئيس حكومة ورئيس مجلس النواب، بينما لم يحصل حزب الاستقلال إلا على 4 مقاعد ورئيس مجلس المستشارين (رئاسة غير مهمة بالنظر لموقع الضعيف لهذا المجلس داخل البنية الدستورية)، وهو الأمر الذي لا يعكس تاريخ الحزب ولا وزنه الانتخابي والسياسي؛ فعلاوة على أن الوزارات التي تقلدها تبقى متوسطة (التجهيز، التضامن، النقل…)، فإن الشخصيات التي تم توزيرها إلى جانب نزار بركة، تقريبا، غير معروفة كوجوه استقلالية، كما أن منح نزار بركة وزارة التجهيز والماء، يقلل من قيمته بما أنه أمين عام لحزب سياسي عريق، ووزير مالية سابق، ورئيس سباق لمؤسسة دستورية (المجلس الاقتصادي والاجتماعي)، وقد يساهم هذا الحضور الضعيف لحزب الاستقلال في الحكومة إلى تصدّع داخل الحزب كما حدث مع حزب العدالة والتنمية عندما قبل العثماني بما رفضه ابن كيران، كما قد يحرم الحكومة من دفاع قواعد الحزب عن سياساتها، وتبرمهم منها، مما قد يشكل ضغطا على نزار بركة وقد يدفع ذلك إلى الخروج من الحكومة أو التضحية بتناسق الحزب وانسجامه.

رابعا: ولئن ضمت الحكومة 7  نساء في صفوفها، عكس حكومة ابن كيران التي لم تضم إلا وزيرة واحدة، فإن هذا لن يخفي مشكلة أخرى تبدو أن الأحزاب المشاركة في الحكومة تعاني منها، إذ يتعلق الأمر إما بضعف في الكفاءات الحزبية لدى بعض الأحزاب (التجمع والأصالة تحديدا) أو تفشي ظاهر القرب السياسي والمهني؛ فالمتفحص مثلا في “بروفايلات” بعض نساء الحكومة، سيقف على أن وزيرتين تجمعان بين منصب “عمدة” مدينة ومنصب وزيرة، ويتعلق الأمر بوزيرة الإسكان التي تشغل إلى جانب المهمة الوزارية، منصب رئيسة المجلس الجماعي لمدينة مراكش، رغم أن خبرتها المهنية لا تشير إلى قدرتها على تدبير قطاع الإسكان، كما أن شغلها سابقا لمنصب ولاية واحدة كعمدة، لا يعطيها القدرة على تدبير مدينة كبيرة ومنصب وزارة مهمة جدا بالنسبة للواقع الاجتماعي المغربي. وأما وزيرة الصحة الجديدة التي تجمع بين الوزارة ورئاسة أكبر مجلس جماعي في المغرب، فحالتها دليل واضح على أن الأحزاب السياسية المشكّلة للحكومة تفتقد للكفاءة أو تربط بين المسؤولية والقرب الحزبي، بصرف النظر عن المصلحة العامة، وإلا فإن الوزيرة المعنية شغلت منصب مديرة جهوية للصحة بنفس المدينة التي ترأس مجلسها الجماعي اليوم، وقد واجهت صعوبات كثيرة في تدبير هذه المديرية، ممّا جعل العديد من الأصوات ترتفع من أجل إقالتها، فهل من لم تستطع إنجاح مهمة جهوية قادرة على تدبير شؤون مدينة كبيرة، إضافة إلى وزارة حيوية؟! 

الحالة الثالثة التي قد تثير بعض الاستغراب هو أن وزيرة الصحة الحالية، كانت هي الكاتبة العامة لمؤسسة خيرية تابعة لحزب رئيس الحكومة، وهنا يطرح السؤال حول علاقة العمل الجمعوي بالعمل السياسي، ومدى قدرة الفصل بين الخيري والسياسي، ويؤكد الشكوك التي كانت حول علاقة جمعية “جود” بحزب التجمع الوطني للأحرار. وفي نفس السياق يطرح السؤال حول علاقة الشركة بالحكومة، لأن العديد من وسائل الإعلان قد أوردت بأن وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد التضامني والاجتماعي، قادمة من عالم الأعمال، وخاصة من مجموعة “أكوا” المملوكة لرئيس الحكومة، فهل النجاح في تسويق العلامات التجارية، يعني القدرة على تدبير قطاع حكومي حيوي ومهم بالنسبة للعديد من المغاربة؟ ليس بالضرورة!

خامسا: يلاحظ على الحكومة، فضلا عن أنها لم تسمع لآلاف الأصوات التي تنادي بالحد من الجمع بين المسؤوليات (رئيس حكومة ورئيس جماعة يعقد اتفاقيات مع نفسه، وكذلك الشأن بالنسبة لرئيسة مجلس جماعة التي هي في نفس الوقت وزيرة)، فإنها لم تبال كثيرا بمسألة تجديد النخب، ما دامت قد شكلت الوجوه القديمة حوالي نصف أعضائها (رئيس الحكومة، الداخلية، الأوقاف، الخارجية، الدفاع، التعليم، اللوجستيك والماء، المالية، الاستثمار، الأمانة العامة للحكومة) ولم يتم التجديد إلا في وزارات قليلة التأثير، وأما الوزارات الأكثر تأثيرا فقد تقلدتها شخصيات سبق لها أن شغلت مهمة وزارية. وهنا يحضر التساؤل حول قدرة الاجتماع السياسي المغربي الرسمي على استقطاب طاقات جديدة، من أجل تجديد دماء تدبير الشأن العام؛ فمثلا، عندما تُسند وزارة التعليم لوزير الداخلية الأسبق القادم من عالم الأعمال، فهل يساعد هذا على النهوض بهذا القطاع المنهك؟ أم أن شكيب بنموسى لديه نظرية في التربية، أو أصدر مجموع كتابات حول التعليم، أو أنه شغل منصب مدير إقليمي أو مدير أكاديمية وقد نجح في مهمته؟ الراجح أنه من الوارد أن أكبر وزارة في المغرب، ستعرف نوعا من المقاومة للسياسات القادمة من الوزارة، وهذا ما أشّرت عليه تجربة الوزير حصاد عندما حاول أن يتعامل مع الأسرة التعليمية بمنطق وزارة الداخلية، فكانت المقاومة التي أنهت مهامه قبل الموعد المحدد، وانتهى بغضبة ملكية منعته من العودة إلى تدبير الشأن العام. 

في هذا السياق أيضا تبرز مشكلة علاقة الانتخابات بصناعة القرار العام، إذ يلاحظ أن العديد من وجوه الحكومة، لم تسفر عن انتماءاتها الحزبية إلا بعد الإعلان عن الحكومة، والحال أنه كان يتم تسويقها على أساس الاستقلالية والتجرد الحزبي، قبل أن يتم إلباسها لبوسا حزبيا، وهي التي لم تدخل مقرات الأحزاب التي استوزرت باسمها، ولم تخض حملات انتخابية، ولا تاريخ لها في العمل السياسي من الزاوية الحزبية، وتقريبا هذا هو حال أغلبية وزراء حكومة أخنوش؛ بينما تخبرنا التجارب المقارنة أن الواجهة الحزبية هي الأَولى في تقليد المناصب السياسية التي تتأتى نتيجة الانتخابات؛ فمثلا يمنع القانون البريطاني تقلد أي منصب وزاري داخل الحكومة، دون أن يكون الوزير قد شارك في الانتخابات ونجح في نيل ثقة الناخبين، أي أنه لا يمكن أن يكون وزيرا في الحكومة إلا من كسب عضوية مجلس العموم أو مجلس اللورادت (ثلاثة وزراء فقط)، ولا يمكن أن يدخل مجلس العموم إلا من انتمى إليه قبل تقلد المنصب الوزاري. 

ولأن الأسئلة المطروحة بخصوص هذه النقطة كثيرة؛ فإنه يمكن الاقتصار على المسألة المتعلقة بالتهيّب المزمن من إسناد المسؤولية لشخصيات حزبية، في مقابل إغراق الحكومة بالتكنوقراط، أو بمن تم تلوينهم بألوان حزبية. وإلا، فهل افتقد مثلا حزب الاستقلال لشخصية اقتصادية تُسند إليها حقيبة “المكلف بالميزانية” بدل (فوزي القجع) الذي تقلد هذا المنصب من دون انتماء سياسي (وفق المعلومة المتداولة إلى حدود كتابة هذه الأسطر)؟ فضلا عن طرح السؤال التقليدي: ما الغاية من الانتخابات إذا كانت لا تفرز حكومة بأوجه حزبية سيايسة؟ وما الغاية من الأحزاب والانخراط فيها إذا لم يكن الحزب مدخلا للمشاركة في تدبير الشأن العام؟

سادسا: ما يمكن تسجيله في صدد تحليل التركيبة الحكومية، أنها ضمت ثلاث شخصيات -على الأقل – شاركت في إعداد تقرير النموذج التنموي، ما يفيد أن هناك رغبة في أن تضم الحكومة أسماء تسهر على تنزيل توصيات النموذج التنموي ضمن العمل الحكومي، وإلى حدود هذه اللحظة فالأمر عادي جدا، بل قد يعكس انسجاما بين تقرير اللجنة والسياسات الحكومية، لكن غير العادي في المسألة هو أن تسند حقيبة التعليم لرئيس لجنة النموذج التنموي؛ لأن من شأن ذلك أن يخلق مشكلة بين الأغلبية الحكومية فيما يتصل بتطبيق الوعود التي رفعتها الأحزاب. 

وأبرز مثال على ذلك ما يتربط بحقيبة وزارة التربية الوطنية؛ فصحيح أنه لا توجد إحصائيات حول توجهات تصويت الأسرة التعليمية، لكن بعض المؤشرات تسير في اتجاه أن جزءا لا بأس به من هذه الفئة قد صوت على حزب الاستقلال، استحضارا منه لتاريخه في التعامل مع قطاع التعليم وقدرته على الاستجابة لتطلعاته، سيما فئة “أساتذة التعاقد” التي وعدها حزب الاستقلال بإدماجها في الوظيفة العمومية وإلغاء التعاقد، وفي حالة لم يتمكن هذا الحزب من الوفاء بوعده، فإن من شأن ذلك أن يسبب له بعض المشاكل التي لن تقل في حدتها أزمة “ضحايا شركة النجاة”، والتي أضعفت الحزب وقلصت من حضوره الجماهيري. وهنا سيكون الحزب في وضع لا يحسد عليه؛ فمن جهة لا يستطيع أن يتنصل من وعوده، ومن جهة أخرى، هو لا يرأس وزارة التربية الوطنية وحسب؛ وإنما تم تسليم تلك الوزارة لرئيس لجنة النموذج التنموي التي نص تقريرها على نظام أساس لمهن التدريس لا يعرف إن كان سيزيد من أزمة هذه المهنة أم سيحول الجميع إلى ما يشبه القطاع الخاص من خلال ما أسماه التقرير “تقويم المردودية”.

سابعا: تقريبا هذه أول حكومة منذ ما بعد “الربيع الديمقراطي”، لا تضم وزارة لحقوق الإنسان، وهذا أمر مستغرب فعلا، لأنه على الأقل هناك التزام دولي أخذه المغرب على عاتقه، بخصوص تنزيل “الخطة الوطنية لحقوق الإنسان”. بل إن عبارة المجتمع المدني التي كانت تلحق بتسمية وزارة العلاقات مع البرلمان، تم التخلي عنها أيضا، وكذلك عبارة “الحريات العامة” التي تلحق بوزارة العدل. وكأن الحكومة الحالية غير مهتمة بالجوانب الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، مما دفعها إلى تجاهل الإشارة إلى هذه القضايا ولو من باب رفع الحرج. فهل يعكس حذف هذه العبارات نوع السياسة التي ستنهجها الحكومة حيال قضايا حقوق الإنسان والحريات؟ أم أن الأمر مجرد اختصار لتسميات الوزارات؟ أم أن الحكومة لا تريد أن تشعر بأي إحراج فيما يتعلق بحقوق الانسان إذا ما تم انتهاكها؟

إنها ملاحظات قليلة، تم تسجيلها بخصوص حكومة ما بعد  8شتنبر 2021، التي رفعت الأحزاب المشكلة لها شعارات كثيرة أهمها “تستحق الأحسن”، وقطعت وعودا كبيرة، أهمها تشغيل ربع مليون مواطن كل سنة، وزيادة أجور الموظفين، وإلغاء التعاقد، وتطوير الوضع الصحي…إلخ. وهي الوعود التي يمنّي المغاربة أنفسهم بأن يتم تطبيق الجزء الأكبر منها خلال المائة اليوم الأولى، وإلا فإن الانتظارات الكبيرة قد تنقلب إلى إحباطات، ومن شأن الإحباط أن يخلق اليأس. فهل تنج هذه الحكومة التي تم تشكيلها في ظل الأزمة الوبائية وما يستتبعها من تحديات، في الاستجابة إلى التطلعات؟ 

ولئن كانت النصيحة السياسية المشهورة التي تُحرّض الحكومات على اتخاذ القرارات الأقل شعبية في سنتها الأولى، لأنها تكون في وضع يسمح لها بمعاكسة رغبات الجمهور من حيث شعبيتها الانتخابية، ورصيدها المجتمعي، ثم فيما بعد، يمكن للحكومة أن تبحث عن السياسات التي تجلب لها الرضى الشعبي، مما يمكّنها من الحصول على أصوات الناخبين مرة أخرى، فإن عكس هذه المقولة هو الذي يمكن أن يؤشر على قدرة الحكومة على الاستمرارية أو ينبئ ببداية نهايتها؛ فقياسا للوعود التي قطعتها الأحزاب المشكلة لها، لا يمكنها أن تحصد التأييد الشعبي إلا إذا باشرت، خلال المائة اليوم الأولى، أكثر السياسات شعبية، وهذا ما قد يجلب عليها مشاكل أخرى، لأن المواطن لا ينتبه للأثقال التي أزيحت عن كاهله، وإنما ينظر إلا الأثقال التي لا زالت فوق ظهره، وبالتالي فهو سيطلب دائما المزيد، على حد تعبير عالم السياسة “ألكسس دي توكفيل”، أخذا بعين الاعتبار أنه لم يشارك في الانتخابات 8  شتنبر إلا حوالي 8 ملاينن مواطن من أصل 25 مليون مغربي ممّن يحق لهم التصويت، إذ أن أغلبية الذين لم يتوجهوا للتصويت يقطنون بالمدن التي تحتضن عادة الطبقة المتوسطة، والجزء الأكبر من الحركات الاحتجاجية والثقل النقابي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *