وجهة نظر

حتى لا تتحول “البلطجة” إلى أداة لإفساد المناخ السياسيي..

عاد الحديث مجددا، على اثر ما عرفته مدينة الناظور خلال هذا الأسبوع من أحداث وتطورات مطبوعة بالعنف، عن ظاهرة البلطجة كمنتوج غوغائي فاسد، موجه بالأساس لقمع المظاهرات الشعبية ونسفها، وقيام السلطة عبرها بتصريف مواقف وقرارات، لا تخدم لا السلم الإجتماعي ولا هيبة الدولة.

فقد شهدت ساحة التحرير بمدينة الناظور يوم الأحد الفارط 25/12/2016 تنظيم مظاهرة احتجاجية، أطرها نشطاء الحراك الشعبي من مدينتي الناظور والحسيمة. طالبت بالكشف عن نتائج التحقيق في مقتل المرحوم محسن فكري، الذي قتل طحنا في حاوية شاحنة نفايات. كما رفعت مطالب تدعو إلى تنمية أقاليم الشمال، والحد من التدخلات الأمنية في المنطقة. وقد عرفت المظاهرة بالمناسبة، تنظيم مهرجان خطابي، قام خلاله النشطاء بشرح دواعي خروجهم للتظاهر، والقيام بالتعبئة لأجل تحقيق مطالبهم.

وفي الوقت الذي كان فيه المتظاهرون يتفاعلون مع الخطابات الملقاة، ويرددون شعاراتهم المعلنة عن مطالبهم. كانت في الجوار مظاهرة ثانية مناهضة للأولى، موجودة في نفس الزمان والمكان، يُعتقد أن السلطة كانت من وراء تنظيمها. وكان هدفها واحد أوحد، هو التشويش على تظاهرة النشطاء، والعمل على إزعاج المشاركين فيها. بهدف نسفها وتفريقها وتفريغها من أهدافها. وقد عمد المشاركون فيها إلى ترديد شعارات مناوئة للأولى، بحمولات مليئة بالإتهامات متعددة الأشكال. وقد أبدى نشطاء الحراك رباطة جأش عالية، في مواجهة هذه الإستفزازات، واستمروا في التظاهر السلمي، واستكمال مهرجانهم الخطابي.

غير أن المفاجأة غير المتوقعة، هي أن المشاركين في المظاهرة المناوئة، وبعد إدراكهم لفشل أسلوب الإستفزاز والتشويش والتحرش، في تحقيق أهدافهم بفض مظاهرة الحراك الشعبي، سرعان ما تقمصوا هويتهم البلطجية الحقيقية، وانتقلوا إلى أسلوب استخدام العنف ضد المتظاهرين، مستعملين في هجومهم ومطاردتهم وتفريقهم سيوفا وسواطير وسكاكين. نجم عنها إصابة العديد من المتظاهرين بجروح متفاوتة الخطورة.

حدث كل هذا أمام مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية، من دون أن يحرك الأمر ساكنا، وهو ما يمثل صك إدانة صريح لتورط السلطة في إشعال فتيل هذه المواجهة المنافية، لطموحات هذا الشعب في إقرار الديموقراطية ودولة الحق والقانون. إن لم يكن بالتورط الكامل الأركان في ذلك، فبالسماح بتنظيم مظاهرتين متناقضتي الأهداف في نفس المكان والزمان. وكذا بالتفرج على ترهيب المواطنين وترويعهم، من طرف جماعة بلطجية خارجة عن القانون.

لعل أهم ما أثارته نازلة الناظور هذه، هي عودة موضوع “البلطجة” إلى واجهة الإهتمام والنقاش والمساءلة. ومسؤولية الدولة وتورطها، في تنامي هذه الظاهرة، وتوظيفها في حسم الصراعات الإجتماعية، وقمع المظاهرات والإحتجاجات الشعبية. إن لم يكن بالتورط والتحريض المباشر، فبالسلبية والحياد والتفرج على انتهاك قوانين البلاد.

ولا يخفى على أحد ما فعلته “البلطجة والبلاطجة” إبان ثورات الربيع العربي، من بلاء سيء في قمع المظاهرات ونشطائها والمشاركين فيها. وكيف تسابقت الأنظمة القمعية وقتذاك، من أجل بناء “أجهزتها البلطجية”، الموازية لأجهزتها الأمنية، التي أثبتت قدرتها الكبيرة، على ضرب وشق صفوف المتظاهرين، اعتمادا على توظيف العنف والتهديد والتخويف والترويع بكل الوسائل المتاحة، بل وحتى التعذيب والتصفية الجسدية.

فمنذ قيام ثورات الربيع العربي 2011، وما عرفته من حراك شعبي هادر، وما ولدته من تبديد لأوهام الخوف والإستكانة والإنصياع من نفوس المواطنين. وأمام عجز أجهزة القمع للأنظمة المستبدة، في ظل هذا الواقع الجديد، على ترويض هذا الغضب وتركيعه، والتحكم في حراكه ومداه. اهتدت هذه الأنظمة إلى أسلوب جديد، غاية في المكر والدهاء والفعالية، يستند إلى منطق العنف والترويع، والدوس على القوانين الجاري بها العمل. استدعته من دهاليز وسراديب التاريخ، وروضته وكيفته مع مستجدات صيرورة واقعها السياسي. مع أنه كان موجودا في السابق، وتم استخدامه خلال المواعيد الإنتخابية، ولأغراض مصلحية أخرى.

يتمثل هذا الأسلوب في مواجهة الحراك والتظاهر الشعبي المشروع، “بحراك بلطجي” مُواز ومتناغم مع دوْر أجهزة الأمن. يهدف من جهة، إلى الحفاظ على بصيص وقسط من المشروعية للأنظمة القائمة. ومن جهة أخرى، إلى نسف المساعي والمطالب الشعبية المشروعة. وهو يعتمد في ذلك ويستعمل، كل أساليب العنف والقمع والتهديد والترويع والهمجية ضد المواطنين. تحت حماية وغطاء قوات الأمن. رغبة منه في إعادة زرع الخوف، وزعزعة الثقة لديهم. وثنيهم عن الإستمرار في الإنخراط في مسلسل المعارك الشعبية، وبالتالي مصادرة حقهم في التظاهر والإحتجاج والرفض. وعليه تكون البلطجة، بحلتها وحمولتها السياسية الجديدة، منتوجا فاسدا أبدعته الأنظمة العربية المستبدة، موجهاً لقمع المظاهرات والإحتجاجات الشعبية وإسكاتها.!

وقد تلون هذا “الحراك البلطجي” المتنامي، وتباينت صوره وأسماؤه من بلد لآخر، ومن نظام لآخر. ولكن أهدافه ظلت هي هي مشتركة، برغم اختلاف الجغرافيا وتباين الظروف، تستهدف توفير المدد والسند للأنظمة المستبدة لقمع الإحتجاجات، وإضفاء المشروعية على وجودها وبقائها في السلطة، وحتى حمايتها من السقوط. عبر زرع أسباب وعوامل الفشل والخمود، في أي هَـبة شعبية تطمح إلى التغيير.

ففي مصر يتذكر الجميع كيف تحرش بلطجية النظام، المشكلون من ذوي سوابق، وسجناء، وعصابات خارجة عن القانون، وقطاع طرق.. المستخدمون من قبل أجهزة الأمن، بالمواطنين المتظاهرين المطالبين برحيل النظام. وحاولوا تفريق تجمعاتهم الشعبية الحاشدة وقتذاك، اعتمادا على تصريف العنف بكل أشكاله، وإشاعة الخوف والتردد والإرتباك في صفوفهم. وتُمثل موقعة الجمل سيئة الذكر، حدثا بارزا بائسا، يؤرخ لبشاعة الأسلوب الذي اعتمده نظام مبارك، في ضرب مواطنيه المتظاهرين سلميا، بمواطنين آخرين مهيئين للعنف والترويع.

وفي تونس شاهد العالم أجمع، يوم كان نظام بنعلي يتداعى، الدور الذي لعبته “مليشياته” غير الأمنية، في التنكيل بالمواطنين المتظاهرين في الشارع العام، وقمعهم واعتقال زعمائهم، في محاولة لثنيهم عن التظاهر والإحتجاج، بينما كانت عجلة التاريخ تدور مسرعة، للرمي بهذا النظام إلى مزبلة التاريخ.

ونفس السيناريو، وبقسوة أشد وأبشع، لعبه بلاطجة “الشبيحة” العلويين في سوريا، دفاعا عن بقاء نظام الأسد. يوم خرج الشعب السوري مطالبا برحيل هذا الأخير. حيث لعبوا دورا بارزا في محاولة إسكات المظاهرات، عن طريق الإختطاف والتعذيب، بل وحتى التصفية الجسدية، لزعماء الحراك والمعارضين للنظام. وقد كان لهم دور بارز في إطالة عمر النظام، إلى الحد بات يأتيه المدد من خارج تراب البلاد.

وفي اليمن وأمام المظاهرات العارمة والطويلة النفس، التي احتلت شوارع وساحات وفضاءات العاصمة وقتها، لمدة شهور طويلة، من دون كلل أو ملل. مطالبة برحيل النظام ودمقرطة البلاد. لم يتردد نظام صالح في بث بلاطجته في الشارع العام، لتنظيم مظاهرات مضادة تدعم نظامه المتداعي، وتتحرش بالمتظاهرين السلميين. بهدف إفساد تنظيمهم وإبطال مطالبهم. وإعطاء مبررات لتدخل قوات القمع لتفريقهم. واليوم وبعد التطورات الدراماتيكية التي شهدتها البلاد، وانزلاقها المفجع إلى أتون الحرب الأهلية، يمثل هؤلاء البلاطجة جزءا من قوات صالح التي تعمل إلى جانب الحوثيين، على دك البلاد وتخريبها وهدمها بلا هوادة، مدعومين في ذلك بدورهم بقوى خارجية.

وفي ليبيا تَشكل بلطجية القذافي من “المرتزقة” مدفوعي الأجر، المنتمين إلى جنسيات متعددة، من المتمردين في كل من نيجيريا ومالي وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان، ومرتزقة البوليساريو، بل وحتى من آسيا وأوروبا الشرقية. تم استئجارهم ووضعهم في جبهة المواجهة مع الثوار، الذين كانوا قد خرجوا في مظاهرات حاشدة مطالبة بإسقاط النظام. وبعد انزلاق البلاد إلى حافة المواجهة المسلحة، شكلوا أداة مسخرة في حرب القذافي على المتظاهرين، حيث قاتلوا إلى جانبه ضد معارضي النظام. قبل أن ينفضوا عنه بعد سقوط هذا الأخير ومقتل زعيمه شر قتلة.

والمغرب بدوره، شهد بروز البدايات الأولى “لجهازه البلطجي” الموظف سياسيا. وعرف تنامي هذه الظاهرة، موازاة مع انطلاق المظاهرات الشعبية الإحتجاجية المؤطرة من طرف حركة 20 فبراير. علما أن هذه الظاهرة كانت معروفة، وتوظف من طرف بعض السياسيين إبان المواعيد الإنتخابية مثلا، في إطار “البلطجة الإنتخابية”. وقد كانت تطلق عليها تسميات متعددة، منها “الشمكارة”، و”الشومارة” و”التشرميل”.

وخلال حراك فبراير 2011 حملت، وخاصة بعد الخطاب الملكي المتعلق بالإصلاح الدستوري، تسميات أخرى، منها “الشباب الملكي”. وقد عملت على تهديد وترهيب نشطاء الحركة، ومجموع المشاركين في المظاهرات. بل وقامت باعتداءات فعلية عديدة في كثير من المدن، على نشطاء الحركة وتجمعاتها الإحتجاجية. مستعملة عدة طرق وأساليب منها: تنظيم مظاهرات موازية ومتزامنة في المكان والزمان مع مظاهرات حركة 20 فبراير، بهدف استفزازها ونسفها. وكذا احتلال الساحات والأماكن المقرر تنظيم مظاهرات الحركة فيها، مستعينين بفرق فولكلورية وسائقي طاكسيات الأجرة، وكثير من العناصر الخارجة عن القانون بهدف التشويش عليها وإلغائها. وأيضا تصريف إشاعات تتهم المتظاهرين بأنهم “ملاحدة” و”وكالين رمضان” وأعداء للوطن والملك.

ولذلك رَفعت شعارات متعددة ضدهم، من قبيل “الشعب يريد إسقاط 20 فبراير”، و”الشعب يقول نعم للدستور”. ناهيك عن نشرها تسجيلات على شبكة الأنترنت، مليئة بالتهديد والوعيد، للنشطاء والمواطنين المشاركين في المظاهرات، يظهر فيها عناصرها من من ذوي السوابق الأمنية أو ممن يُعرَفون بعنفهم ولامبالاتهم بالقانون، مدججين بالسواطير والسيوف ومختلف الأسلحة البيضاء..

وقد استهدفت هذه الجماعات البلطجية من “المتمخزنين” آنذاك، من قيامها بالتحرش بالمظاهرات الشعبية، العمل على تمييع وهجها النضالي، وإفساد صعودها وامتدادها المتعاظم. مدعومة ومحمية من طرف قوى الأمن، بدعوى الدفاع عن الملكية. مع أن حراك 2011 لم يرفع بتاتا مطلب الإطاحة بالملكية ولا برحيلها. ولكنه أصر على الإطاحة بالفساد والمفسدين، ومباشرة الإصلاحات الفعلية.

ظلت هذه “الأداة البلطجية” المستخدمة سياسيا منذئذ، تُطل بين الفينة والأخرى برأسها، خلال مناسبات تنامي الحراك الشعبي هنا أو هناك. أو عندما ترغب السلطة في تصريف قرارات ومواقف معينة، وإضفاء طابع “الشعبية” و”المشروعية” عليها. كما حدث عند تنظيم مسيرة البيضاء الإحتجاجية ضد الأمين العام الأممي بان كيمون، بسبب تحيزه لأطروحة البوليساريو. حيث أغرقت السلطة المسيرة آنذاك بمثل هؤلاء البلطجية، إلى جانب باقي المواطنين.

ومن سخرية الأمور، أنه عندما كانوا يُسألون عن دواعي مشاركتهم في المسيرة، كانوا يجيبون بأنهم جاؤوا للإحتجاج ضد “بنكيران”.! فقد اختلط لديهم الحابل بالنابل. من جهة، لأن أغلبهم استقدموا من طرف أجهزة وزارة الداخلية، من دون أن يكون لهم أدنى علم بهدف التظاهر، ودواعي المشاركة في المسيرة. ومن جهة أخرى، جراء التشابه بين إسمي “بان كيمون” و”بنكيران”.! أو كما حدث عند تنظيم مسيرة 18 شتنبر البائسة، المناهضة “لأخونة الدولة”، والمعادية لبنكيران وحزبه، أياما قليلة قبل انتخابات 07 أكتوبر التشريعية، والتي أغرقت بالبلطجية. وتورطت السلطة في تنظيمها بشكل فاضح، برغم تبرؤ وزارة الداخلية من مسؤوليتها فيها.

ولعل من الأمور المثيرة للإستغراب، هو احتضان هذا “الجهاز البلطجي” وتحريكه أحيانا من طرف فعاليات مدنية، ورموز محلية متواطئة مع السلطة. أكدت عداءها المستمر، لكل ما هو مندرج ضمن المطالب الشعبية. وذلك بهدف إفساد أجواء أي مظاهرة أو أحتجاج، يقض مضجع القائمين على الأمور، والتحرك والعمل بإصرار على إبطال تأثيره ومفعوله.

ولعل آخر خروج لهذا “الجهاز الإرهابي”، بهذا الشكل واللون، هو ما عرفته مدينة الناظور، في سياق المظاهرة التي نظمها نشطاء الحراك الشعبي. حيث أثخنت عناصر هذا “الجهاز البلطجي” المدعوم من طرف بعض الفعاليات المحلية، والمدجج بأنواع الأسلحة البيضاء المرعبة في المتظاهرين، ضرباً وسباً وطعناً وجرحاً ومطاردة.. وكأني بهذا الإعتداء الوحشي، يقع في أرض “سيبة” خارجة عن القانون. والحال أن ساحة التحرير موقع هذه الأحداث الخطيرة، توجد في قلب المدينة، وهي لا تخلو أبدا من تواجد عناصر الأجهزة الأمنية. بل ولا تبعد بعض المقرات الأمنية عن المكان سوى بمسافة قصيرة.

إن تورط السلطة في مثل هذه الأساليب الفوضوية العنيفة، في فض الإحتجاجات والمظاهرات الإجتماعية والشعبية، بمنأى عن تفعيل سلطة القانون. أو على الأقل سلبيتها في التعاطي مع مثل هذه العناصر البلطجية التخريبية. والتفرج عليها وهي تصول وتجول، وتدوس قوانين البلاد دوساً، وتعبث بالأمن العام. ناشرة الخوف والرعب والإرهاب في صفوف المواطنين. ومُخلفة فوضى عارمة وضحايا أبرياء. إنها بهذا الشكل تؤسس لدولة الفوضى، وتمنح صك ترخيص لاعتماد هذا الأسلوب منهجا معتمدا ومرغوبا، من طرف جهات وأطراف عديدة، وربما حتى أحزابا ومنظمات لإفساد الحياة العامة. وخاصة في شقها السياسي والإجتماعي. وإن هذا ليضعها أمام مسؤولياتها السياسية والقانونية والأخلاقية، في حماية المواطنين وتوفير الطمأنينة لهم. وحماية سريان الأمن العام، وإنفاذ قوة القانون وحده.

إن إطلاق العنان لسريان “قانون البلطجة” في البلاد، واحتضانه وتوظيفه لإسكات اصوات المواطنين وقمعهم، اعتمادا على تصريف قوة وجبروت العنف، وليس إنفاذ سلطة القوانين، والجنوح إلى منطق العقل والحوار والتفاوض البناء. يهدد بتفكيك لحمة الوحدة الوطنية، وتكريس منطق الفرقة وشق الصف، وإثارة الفتن وإشعال الحرائق، في مجتمع مثخن بالمشاكل الإجتماعية، ينام على برميل بارود اجتماعي مزلزل، ولكنه خامد. وبالتالي تدمير كل محاولات البناء الديموقراطي المحتشمة في بلادنا.

فالديموقراطية ودولة الحق والقانون كما هو معروف، هو بناء واختيار شعبي، يُؤخذ كله أو يُطرح كله. فلا يمكن على المستوى النظري تصريف خطاب الإختيار الديموقراطي ودولة الحق والقانون، وعلى مستوى الممارسة تطبيق وتنفيذ منهج “الإختيار البلطجي”.

كما لا يمكن البتة القبول بهذه الإزدواجية الفجة، المتمثلة من جهة، في محاربة الإرهاب والتنديد به، متى ما كان يهدد ويمس بأمن النظام والدولة. ومن جهة أخرى، حمايته ورعايته وحتى احتضانه وتوظيفه، متى ما كان يمثل أداة لقمع وإسكات وإطفاء المظاهرات الإحتجاجية الشعبية والإجتماعية.

فللإرهاب وجه واحد ولون واحد(علما أن البلطجة هي وجه من أقبح وجوه الإرهاب)، ولذلك على الدولة إما أن تحاربه وتجتثه بالكامل. وإما أن تتعايش معه، وتتحمل بعدئذ النتائج والتداعيات الخطيرة لا قدر الله لذلك، على الأمن والإستقرار العام للبلاد.

وينبغي ختاما الجزم والتأكيد على أن وطننا، هو في أمس الحاجة إلى إصلاحات فعلية، من أجل دمقرطة حقيقية للبلاد، تتجاوز سياسة الجرعات، وتساهم في ترسيخ الأمن والرفاه الإجتماعي للمواطنين. فالدول وُجدت للترفيه عن مواطنيها، وليس لقمعهم وترويضهم، وتسخير كائنات خارجة عن القانون، من أجل إخضاعهم وتركيعهم. فإنه لم يحصل أن حققت المقاربات الأمنية في بلد من البلدان، سِلماً إجتماعية، ولا تقدما أو استقرارا سياسيا أو اجتماعيا. غير أنها أنتجت براميل بارود اجتماعية وشعبية، قابلة للإشتعال والإنفجار.

وعليه، ما أحوج وطننا ومواطنينا إلى مناعة ديموقراطية حقيقية، قادرة على أن تبلسم الكثير من الأزمات والمشاكل التي تؤرق مواطنينا. وتبعد كل التحديات والأخطار التي تحدق ببلادنا.