وجهة نظر

ميكانيزم السياسة الإسبانية إزاء المغرب

1 – يقوم النسق السياسي الإسباني حيال “الجار الجنوبي” المغرب، منذ أن بدأنا ندرك مضامين أدبيات الفعل السياسي الإقليمي والدولي على ثنائية مختلفة ظاهريا مؤتلفة داخليا، حيث لا تفوت الحكومات المتعاقبة أي فرصة للتعبير عن “المواقف الثابتة” غير المتحركة المتمثلة في “احترام” المملكة المغربية و”تقدير” مستلزمات حسن الجوار والتعاون المشترك، بل إن هذه الحكومات الإسبانية اليمينية واليسارية (وهل هناك فرق؟) لا تترد في “تهنئة” المغرب بمجهوداته غير المحدودة في موضوع محاربة إشكالات الوضع السياسي العالمي الجديدة و المتفاقمة من قبيل الإرهاب والهجرة ، وهي القضايا التي تشغل بال المعنيين بالشأن السياسي الغربي، وفي هذا السياق تنظم إسبانيا قصائد المدح والغزل في حق المغرب الذي يبدو هنا بلدا متقدما محترما للمواثيق والقوانين الدولية ..

2 – لكن على صعيد آخر يظهر شق الثنائية الآخر أكثرَ غطرسةً وعداء واستكبارا، يتمظهر في البنية الإعلامية الجهنمية التي يُؤذَن لها باستهداف المصالح الحيوية والاستراتيجية للمملكة المغربية وعلى رأسها الوحدة الترابية : الصحراء الغربية المغربية وسبتة ومليلية والجزر التابعة لهما. لقد أضحت وسائل إعلام شبه الجزيرة الأيبيرية في شكلها التقليدي والإلكتروني وفي لونها الرسمي والخاص، منصاتِ لقصف المغرب و اختلاق الأراجيف والتنسيق مع عدوه الكلاسيكي ( جبهة البوليساريو الانفصالية و محتضنيها ومموليها وداعميها .. ) للحيلولة دون بلورة حل سياسي توافقي نهائي يغلق قوس مغربية الصحراء، لأن هكذا مخرج لا يخدم تطلعات إسبانيا الاستعمارية، إن هذه الأخيرة تسعى سعيا إلى الوقوف في وجه أولويات المغرب حتى لا يصبح عضوا فعالا ومستقلا ومنتجا في السياق الإقليمي، وحينما يُسأل الإسبانُ عن دواعي اصطفاف إعلامهم المرئي والمسموع الإلكتروني والورقي .. وراء جمهورية الوهم، يكون الجواب : إن إسبانيا دولة ديمقراطية تكفل حق التعبير عن “الرأي والموقف” ! وكأن الرأي لا يكون رأيا إلا إذا تعارض مع التطلعات المغربية المشروعة نحو التنمية والوحدة والتقدم !

3 – وكمثال من ضمن عشرات الأمثلة التي يمكن الاستعانة بها في هذا السياق، استجابة أعداد هائلة من “الإعلاميين” الإسبان بشكل ارتزاقي وبحماس استثنائي للدعوة التي وجهتها لهم جبهة البوليساريو الانفصالية مؤخرا، لزيارة مخيمات تندوف في إطار ما يسمى “بالوحدة الوطنية الصحراوية”، والوقوف عن كثب أمام “الهجومات العسكرية النوعية” التي تنفذها الجبهة ضد “المحتل المغربي” في إخراج مسرحي جزائري مفضوح ورديئ، حتى ينبري هؤلاء “الإعلاميون” للإشادة بالأعمال النضالية “العظيمة” من أجل “طرد المحتل الأجنبي وتحقيق الاستقلال” ! هذه هي إسبانيا التي عرفتُ شخصيا منذ عقود، حيث النزعة الإمبريالية التحكمية الاستئصالية، فالمغرب بالنسبة إليها حارس للحدود “الأوروبية”، ومحارب شرس لأي محاولة إرهابية قد “تُنجَز” في البلدان الغربية “المستقرة”، أما مغرب الأمل والقوة والنهضة التنموية الشاملة فإنه يقلق راحة الجار الشمالي المتعجرف ويبعد النوم عن عيونه.

4 – وفي المحصلة على الفاعلين السياسيين المغاربة أن يدركوا وهم يدركون على كل حال، أنه إذا كانت إسبانيا تعاني حالة مرضية إزاء الهجرة والإرهاب، وتعتبر وحدتها الترابية خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه، فإن للمغرب أيضا خطوطه الحمراء وقضاياه الحيوية غير القابلة للنقاش أو التوظيف العدواني، فإذا كانت إسبانيا أو غيرها من الدول الغربية وحتى “العربية” ترغب في تمتين العلاقة مع الرباط والدفع بها نحو الأمام، فإنه يتوجب عليها الاحترام الكلي والمطلق لثوابتها المقدسة وفي صدارتها مغربية الصحراء، وإلا فإن للمغرب خيارات وتحالفات واستراتيجيات مخصوصة ومتعددة وواعدة !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *