وجهة نظر

من مواطن مغربي إلى فخامة رئيس الجمهورية الجزائرية الشقيقة

إلى رئيس الجمهورية الجزائرية الشقيقة السيد عبد المجيد تبون

تحية واحتراما وبعد،

1 – يسعدني غاية السعادة أن أكتب إليكم هذه الرسالة المقتضبة – أنا المواطن المغربي الأستاذ والباحث في قضايا الفكر والسياسة – داعيا العلي القدير أن يمتعكم بالصحة والهناء وطول العمر. ندرك تمام الإدراك الوضع الصعب غير المحتمل الذي وُجِدَ فيه شعبانا المغربي والجزائري، وهو وضع بالغ الأسى لا يعكس بالمرة ما أنجزناه معا من ملاحم ونضالات وتضامن أثناء الاستعمار الأجنبي ، بحيث لم يكن هناك حديث عن الحدود والهوية والوطن .. بيننا جميعا ، بقدر ما كنا نسعى سعيا لتحقيق الاستقلال والحرية والعمل المشترك بهدف إنجاز نهضة تنموية شاملة نقدمها هدية لشهدائنا الأبرار، ولكل من قدم الغالي والنفيس لبلورة اتحاد مغاربي عزيز يضمن المساواة والعدالة والعيش الكريم للمواطنين جمعاء..

2 – وبعد أن جرت مياه غزيرة تحت الجسر وجدنا أنفسنا في سياق جيوستراتيجي بالغ التعقيد، وطفت على وجه العلاقة الثنائية نتوءات وحساسيات وخلافات، وهو الأمر الذي حدث في أكثر من مناطق جغرافية عالمية، ولعل من أبرز هذه الخلافات موضوع الصحراء، التي استرجعها المغرب إثر حدث المسيرة الخضراء ، وانبرى في تعميرها وزرع الحياة فيها حسب إمكانياته وقدراته المخصوصة، لكن الجزائر كان لها رأي مخالف ، واعتبرت الصحراء منطقة غير منتمية لتراب المملكة المغربية، وأنها وانطلاقا من مبادئها وقيمها لن تعترف بمغربية الصحراء إلا إذا أقر المجتمع الدولي ذلك عبر استفتاء تقرير المصير، وانطلاقا من إيماننا المطلق بمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، فإننا لا نطالبكم السيد الرئيس المحترم بتغيير موقفكم حيال الموضوع، إذ لكم كامل الحق في الدفاع عما ترونه صائبا ومشروعا ، بقدر ما نطالبكم بترك موضوع الصحراء في أيدي الأمم المتحدة ، فهي المسؤولة الوحيدة على ملف النزاعات الدولية وما أكثرها ، ووضعه جانبا ، لنتفرغ لما هو هام وأساسي بالنسبة لبلدينا التوأمين، لقد ضيعنا فرصا كثيرة وأخلفنا مواعيد جمة، ولا نريد السيد الرئيس أن نستمر في هكذا ظرفية قد تنذر بالشر ونحن نطمح إلى الخير والبناء والرقي.

3 – فخامة الرئيس المحترم ، إن ما يجمع بين الجزائريين والمغاربة أكثر مما يفرق، وما يوحد بينهم أكثر مما يمزق، إن المحبة الصادقة التي يكنها الشعب المغربي لشقيقه الجزائري تتجاوز أي يوصف ، ولا أشك إطلاقا في المودة الصادرة عن الجزائريين إزاء المغاربة ، بل أكاد أقول ليس هناك شعبان جاران في العالم بهذا التآخي والتسامح والتآزر، فعلى الرغم من التشنجات والسلوكات غير السوية التي تصدر عن هذه الجهة أو تلك، إلا أن الشعبين العظيمين المغربي والجزائري لن تنطلي عليهما “لعبة الأمم” والاستدراج للمحظور، فدم المغاربة حرام على الجزائريين ودم الجزائريين حرام على المغاربة، هذا هو الدرس الذي تعلمناه من زعمائنا التاريخيين الخالدين، إن إضعاف المغرب إضعاف للجزائر وإضعاف الجزائر إضعاف للمغرب، وسنرتكب خطيئة بالغة الضرر إذا استسلمنا لقوى الشر هنا وهناك، و اقتفينا خطوات بائعي الأسلحة وتجار الموت ومنظري الخراب من سياسيين وعسكريين وإعلاميين ومغامرين بمصير الشعوب. فما أسهل الهدم والدمار وما أصعب البناء والتشييد ..

4 – فخامة الرئيس، ما أحوجنا إلى الهدود و ضبط النفس والطاقة الإيجابية في هذه اللحظة الحرجة التي يسعى البعض إلى أن يتخذها أداة شيطانية جهنمية، لتحقيق مآربه على حساب مصير بناتنا وأبنائنا وأجيالنا القادمة، ولست في حاجة إلى أن أذكركم بحديث نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يقول : “ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب” ، فالشدة حسب النبي الكريم، في الحِلم والرأي والمشورة وليس في شيء آخر نعلم ثمنه ومصيره .. وقد سبق لي أن نشرت مقالا في الجرائد المغربية والعربية دعوت فيه إلى عقد قمة القرن بين فخامة الرئيس الجزائري وجلالة الملك المغربي لما لهذا اللقاء المباشر والملموس من خير وأمل ونجاة، ، وكما هو في علمكم خصص العاهل المغربي جلالة الملك محمد السادس خطاب العرش الأخير للحديث عن العلاقة المغربية أكد فيه أن الشر لن يأتيكم من المغرب، ودعا إلى العمل سويا في أقرب وقت ترونه مناسبا، للعمل على تطوير العلاقات الأخوية الثابتة في الماضي والحاضر. لهذه الحيثيات أناشدكم السيد الرئيس بالتعاطي الإيجابي مع سياسة اليد المغربية الممدودة، بعيدا عن “الشروط والاعتذارات” فالشعوب المغاربية تنتظر على أحر من الجمر إحياء اتحادها لوضع القطار على سكته، والتوجه قدما نحو بلورة مشاريع مفصلية في ميادين التنمية الشاملة، واللحاق بركب الدول المتقدمة وما ذلك على الله بعزيز.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *