مجتمع

“أوبالس” الرباط.. ملاذ عشرات المهاجرين الأفارقة للبحث عن علاج “الإيدز”

بمركز “المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا” فرع الرباط، في ثاني جمعة من أكتوبر، حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحا، ﻛﺎﻥ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻫﺎﺩﺋﺎ، السكون يعم كل الحي، تكسره بعض النظرات لمن يتملكه بعض الفضول.

في إحدى زوايا المركز، تقف سيدة من مهاجري دول جنوب الصحراء تنتظر دورها، اقتربنا منها في محاولة للوقوف على قصة سيدة تأكد فيما بعد أنها دأبت على زيارة المركز.

كريستين، وهي مهاجرة من جمهورية الكونغو الديمقراطية، تحكي قصتها بكثير من الأمل الممزوج بالألم، ألم المرض الذي يعمقه ألم فراق أهلها وأطفالها.

تقول كريستين “يسكنني شوق جارف للعودة إلى وطني، هناك تركت والدتي وثمانية من أطفالي، منذ قدومي إلى هنا ﻭﺃﻧﺎ ﺩﺍﺧﻞ دﻭﺍﻣﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ أحاوﻝ ﺻﻨﻊ ﺃﻱ ﺷﻲء ﻷملأ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺮﺍﻍ ﺍﻟﻤﻔﺎﺟﻰء”.

يرافق كريستين زوجها الذي أثخنه المرض أيضا، قصة كفاح زوجين حملا معهما مرضهما إلى المغرب بحثا عن طوق نجاة، وأملا في صنع غد أفضل لأبنائهما حين العودة إلى أرض وطنهم.

يعاني زوج كريستين من مرض السكري والكلي، وتعاني هي من مرض ضغط الدم وضعف البصر، ومشاكل صحية على مستوى الجهاز الهضمي.

كان باديا على كريستين أنها ترى بصعوبة، لكنها لا ترتدي نظارات، ربما لأنها لا تملك ثمنهم أو ثمن الفحص عند طبيب مختص.

تؤكد كريستين بأن منظومة الصحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ضعيفة ومتهالكة، وأنها وجدت الولوج إلى الخدمات الصحية بالمغرب، أفضل بكثير من وضعية الصحة ببلادها.

وجدت كريستين، كعدد من المهاجرين الأفارقة، يد المساعدة ممدودة في المركز الصحي للمنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا، بالعاصمة الرباط، حيث يسخر هذا المركز موارده البشرية، المتكونة من بعض أفارقة ومغاربة، لتقديم الإستشارات الصحية للمهاجرين.

عادت كريستين إلى رحلة قدومها رفقة زوجها إلى المغرب، تذكرت ﺍﻟﻤﺼﺎﻋﺐ ﺍﻟﺘﻲ واجهتهما ومازالت تواجههما ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﻻ يعرفان ﻓﻴﻪ ﺃﺣﺪﺍ ﻭﻻ يعرفان ﻋﻨﻪ الكثير.

خيم الحزن على اللقاء، وتنهدت بعمق “أريد رؤية أطفالي والعيش برفقتهم”، تحاول هذه الأربعينية أن تنهي العلاج بسرعة، وأن تنهي التكوين الذي تتلقاه في الطبخ المغربي، وتتعلم أي شيء أتيح لها هنا بالمغرب والعودة إلى موطنها الأصلي، إذ تقول “حلمي إنشاء مشروع بالكونغو الديموقراطية”، ثم تبسمت قائلة “لا حياة بدون حلم”.

تزور كريستين المركز باستمرار من أجل الاستفادة من الفحوصات والنصائح التي يوفرها، لأنها تخاف أن تصاب بمرض “السيدا”، إذ تحرص على القدوم للمركز لإجراء فحوصات دورية، وكذا للحصول على بضع أدوية رفقة زوجها لعلاج أمراضهما المزمنة.

وعن الإنجاب تقول كريستين، إن غالبية النساء بمنطقتها هناك في الكونغو، لا يعرفن شيئا عن الصحة الإنجابية، ومنهن من توفيت وهي بصدد وضع حملها.

وهي تحكي بكثير من المرارة عن واقع بلد بقدر ما يزخر بالموارد الطبيعية، بقدر ما يعاني شعبه من الأمراض ومعارك يروح ضحيتها في غالب الأحيان أبرياء.

“لم أجر فحص عند طبيب مختص في أمراض النساء والتوليد، أنجبت ثمانية أطفال بطرق تقليدية، أطفال لم يسعفهم الحظ، بالقدوم رفقتنا إلى المغرب”، تؤكد كريستين.

هز كريستين ما حدث معها من فراق فلذات كبدها، “ووجدتني أتساءل ما قيمة كل هذا الجهد الذي أبذله وأنا في نهاية الأمر قد لا أحقق ما أطمح إليه؟”، ثم استدركت قائلة “في نهاية الأمر ثمة حاجة لمواصلة الكفاح”، ثم أطلقت ابتسامة اختلطت بالدموع “سأعود رفقة زوجي يوما لنجتمع بأطفالنا”.

كريستين وزوجها من بين عدد كبير من المهاجرين الذين يستفيدون بصفة دورية، من فحوصات مختلفة بالمركز، منهم من يعاني متلازمة فقدان المناعة المكتسبة “السيدا”، ومنهم من يأتي لفحص دوري بسبب أمراض مختلفة، تتبع المهاجرات الوافدات على مراكز “أوبالس” حملهن، ويستفدن من حملات تحسيسية تروم التوعية بأهمية الصحة، خاصة الصحة الجنسية والإنجابية، والوقاية من مرض “الإيدز”.

وتشير الإحصائيات إلى أن 4000 مهاجرة ومهاجر من دول جنوب الصحراء، يزورون سنويا مركز المنظمة الافريقية لمكافحة السيدا بالرباط، 55 في المائة منهم ذكور، و87 في المائة منهم تتجاوز أعمارهم 25 سنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *