وجهة نظر

الدب الأمريكي “تيدي” يعشق طبيعة إفريقيا

لم تكن تفصل سوى بضع سنوات بين صدور قانون مارتين الذي يجرم الاعتداء على الحيوان في انجلترا وبين تأسيس هنري برج لجمعية رعاية الحيوانات في أمريكا سنة 1849.

لقد شكلت هذه القوانين قفزة نوعية و سبقا حقوقيا في العالم الغربي في تعاطيه مع الحيوانات سواء الأليفة أو المتوحشة، حيث تعدت هذه القوانين من مجرد الرفق إلى مستوى توفير الصحة والرعاية الإجبارية للحيوانات كالماشية.

وتفعيلا لقانون مارتين سيكون أحد الفلاحين الانجليز هو أول إنسان غربي يعاقب بسبب ضربه لحماره. وعقدت لهما محاكمة علنية حضر فيها كل من الحمار وصاحبه.

لقد دفعني الفضول وأنا أطلع على قانون مارتين أن أقرأ الدليل الأمريكي في كيفية تنشئة مؤسسة لحماية الحيوانات، ولقد هالني أن أرى كل هذا الاهتمام والدقة اللامتناهية في ضبط خريطة التعامل مع الحيوانات ككائنات حية تتقاسم معنا العيش في هذه الأرض.
فالقانون صارم إلى حد لا يمكنك تصوره، صارم إلى درجة أن الخطأ في حق الإنسان يبدو أهون من أن تخطئ فتعذب حيوانا أو تتسبب له في ألم أو عطب أو كسر.

ولكن وأنا أقرأ حياة الرئيس الأمريكي تيدي روزفلت أدركت أن هؤلاء الغربيين لا يتميزون بأي شيء عنا نحن العرب في تعاملنا مع الحيوان، فالرئيس روزفلت تعمد أن يلتقط صورة مع أنثى دب مريضة جرباء عجزت عن الفرار والهرب وهو يحمل بندقيته على أساس أنه رحيم بالحيوانات فانتشرت هذه الصورة كالنار في الهشيم، وبعد بضعة أيام من ذلك تم تخليد الحدث في رسم كاريكاتوري سياسي وقد أظهر الرسم رحمة روزفلت وأنثى الدب بنظرة كأنها تطلب الشفقة التي لقيتها في الرئيس الأمريكي، فكان هذا الحدث العظيم سبب صناعة شركات أمريكا للدمى دبا أسموه الدب تيدي على اسم الرئيس الأمريكي تيدي روزفلت الرفيق بالحيوانات.

ومما قرأته عن الرئيس الأمريكي السيد تيدي روزفلت أنه كان محبا للطبيعة، وأي إنسان مسلم مثلي سيقرأ حياة هذا الرئيس السادس والعشرين في أمريكا سيثير انتباهه أنه خلال حياته اعتبر مؤلفا ومشرعا وجنديا ودبلوماسيا، ولكن في نفس الوقت اعتبر صيادا. ولم أستطع أن أجمع بين معنيين هما أن يحب الإنسان الطبيعة وأن يكون صيادا مدمرا لها في نفس الوقت. فرحت أبحث عن الآثار التي تدل عليه كصياد تماما كما قد يبحث أي باحث عن آثار التشريعات التي خلفها روزفلت، أو عن حقيقة جنديته وتجنيده والحروب التي شارك فيها أوتجليات دبلوماسيته من خلال مناوراته السياسية مع الأعداء والخصوم في الخارج أو مع المعارضين في الداخل.

لقد عثرت على معلومة مهمة هي أن روزفلت سبق له وأن زار إفريقيا مرورا بمصر التي كان قد زارها وهو صبي مع ذويه عام 1872 وفي سنة 1909 قام بجولة صيد في إفريقيا مع بعض رجال المال والأعمال وعشاق الصيد البري، وسرعان ما تزول الحيرة من صعوبة الجمع بين حب الطبيعة وهواية الصيد، إذ وجدت أن الرجل رفقة هذه العصابة من الساديين قد قتلوا في تلك الرحلة الإفريقية أزيد من 11 ألف حيوان من أصغر الحيوانات إلى أضخمها وهي الفيلة الإفريقية ووحيد القرن المعرض للانقراض. والغريب في الأمر أن السيد الرئيس ظل يتفاخر بهذا النوع من الحب للطبيعة إذ التقط العديد من الصور التذكارية وسط هذه الحيوانات التي يجرم قانون بلاده قتلها والعبث بها.

ومن الغريب أن الآلاف من تلك الحيوانات ستشحن باسمه مباشرة من إفريقيا إلى المتحف الوطني الأمريكي ومتحف التاريخ الأمريكي حتى تحنط ويتمتع الإنسان الأمريكي بمشاهدته لحيوانات إفريقية محنطة قام بقنصها رئيسه الدب تيدي.

ونحن المسلمين، في حقيقة الأمر، يجب أن نفطن إلى أن هذا الأمر ينم عن سلوك أمريكي مألوف، ولا داعي للاستغراب والحيرة، حيث دائما أمريكا تفعل الشيء ونقيضه، فهي من يسن القوانين الدولية وهي من يخرقها، هي من ترعى السلام في العالم وهي من ترعى الإرهاب وتدعمه، وهي التي تسهر على رعاية معاهدات الصلح بين الدول وهي التي تزرع فتيل الفتنة بينهم حتى تبيع السلاح وتحضى بصفقات بترولية مجانا، وهي التي تطالب الدول بتطبيق الديموقراطية وحقوق الإنسان وهي نفسها من تنسف هذه الديموقراطية وتصنع الانقلابات، فهي التي تمنح جوائز السلام العالمي، وهي من تدخل في لائحة الإرهاب الساعين إلى السلام والمنادين به.

فلا يمكن أن يلام الذئب عن الافتراس لأن طبيعته هي الافتراس، ولكن يلام الراعي الذي لم يتخذ الإجراءات اللازمة لحماية غنمه، فها نحن أولاء مجرد رعاة أغنام ترعانا أمريكا بقانون غابها وفي كل مرة تجوع تأكل أحدنا البارحة العراق واليوم سوريا وليبيا وغدا يعلم الله دور من.