وجهة نظر

أزمة حدود بين المغرب وموريتانيا لوأد الحكومة الوليدة

لم يعرف المغرب العربي ما عرفه مشرقه من تقسيم يعاني منه حتى اليوم مع بداية نسخة جديدة هذه الأيام فيما يعرف بسايكس بيكو الثانية أو (كيري – لافروف).

فقد نجا المغرب العربي من سايكس بيكو الأولى التي قسمت دول المشرق العربي تاركة قنابل موقوتة على حدودها أو حتى في داخلها.

ومع ذلك فإن المغرب العربي الذي استقر على التوافق على اعتبار الحدود الموروثة هي حدود كل دولة لم يسلم هو الآخر من مكايدات هذا الاستعمار، ومن أمثلة تلك المكايدات ترسيم الحدود بين المغرب وموريتانيا.

فمن المعروف أن موريتانيا ارتبطت دائما بالمغرب من خلال عقد البيعة، وقد كان اسمها في ذاك الوقت شنقيط، أما اسمها الحالي فقد أطلقه عليها المحتل الفرنسي سنة 1899، من أجل تكريس همجيته الاستعمارية، والشروع في تنفيذ مشروع من بين أهم مشاريعه، وهو عزل شنقيط عن المغرب.

وقد نجح في ذلك بعد ظهور أول حكومة موريتانية إلى الساحة سنة 1957، تحت رئاسة المختار ولد داداه، والتي اعترفت فرنسا بها في سنة 1960 لتعلن استقلالها في نفس العام، وما كان من المغرب إلا أن ردت برفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية، على اعتبار أن هذا الأمر يمس وحدة التراب المغربي، ووقتها أيدت الدول العربية الموقف المغربي.

ولما كانت موريتانيا أداة الاستعمار الفرنسي لاستنزاف قدرات المغرب وطاقاتها وهو ما فطن له المغرب، فاعترف باستقلال موريتانيا سنة 1969، حتى يتسنى له التفرغ لمشكلة الصحراء الأكثر تعقيدا، واستقرت الأمور من وقتها بين الجارتين الشقيقتين.

حتى استُحضرت هذه المشكلة من جديد في شكل تصريح أطلقه الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط والذي اعتبر فيها موريتانيا جزءًا من المغرب، في كلمه له خلال اجتماع لحزبه السبت الماضي.

حيث قال شباط إن حزب الاستقلال يؤمن بأن حدود المغرب تمتد من “سبتة المحتلة” إلى حدود نهر السنغال، أي أنها تشمل موريتانيا، وهو ما أثار ردودا غاضبة في موريتانيا.

وعلى الرغم من أن الخارجية المغربية أصدرت بيانًا تستهجن فيه تصريحات شباط وتأكد على احترامها لوحدة الأراضي الموريتانية لتطفئ نار الفتنة قبل أن تطال ثوب الدولة المغربية، إلا أن تضخيم تصريح شباط يبدو أنه لم يكن موجها للخارج بقدر ما هو موجه للداخل، إذ يرى مراقبون أن التصريح الذي تم تضخيمه، إنما أُريد به نسف محاولات رئيس الوزراء المكلف عبد الإله بن كيران لتشكيل الحكومة المتعثرة ولادتها.

ففي أول رد فعل بعد لقائه برئيس الوزراء المكلف عبد الإله بن كيران للسعي لتشكيل الحكومة الجديدة، قال رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش: “نريد مشاركة في حكومة منسجمة، ولا يمكن أن نكون فيها مع من يجلب المشاكل يقصد حميد شباط”.

الأزمة المفتعلة وإن كان جذوتها قد خبت سريعا بين الدولتين الجارتين إلا أن نارها تزيد مشاكل بن كيران الملاحق بمطالبات الملك بسرعة إنجاز حكومته، لتصبح أزمة تشكيل الحكومة صداع مزمن في رأس بن كيران.

ــــــــــــ

باحث سياسي وقيادي ي حزب الوسط المصري