وجهة نظر

من أجل تشكيل جبهة وطنية لمقاومة الاغتراب الثقافي

في 18 من دجنبر الجاري، خلدت الأمم المتحدة اليوم العالمي للغة العربية، وهي اعتراف جاء بعد نضال طويل وجهود حثيثة انطلقت منذ الخمسينيات، طرف بعض الدول العربية وعلى رأسها المغرب، وفي أكتوبر 2012 عند انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لليونسكو، تقرر جعل يوم 18 ديسمبر يوما عالميا للغة العربية، واحتفلت اليونيسكو في تلك السنة للمرة الأولى بهذا اليوم. وفي 23 أكتوبر 2013 قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) التابعة لليونسكو، اعتماد اليوم العالمي للغة العربية كأحد العناصر الأساسية في برنامج عملها لكل سنة.

وهذا اليوم العالمي اعتراف دولي بأهمية اللغة العربية باعتبارها من أقدم اللغات السامية، وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة ويتوزع متحدثوها في المنطقة العربية، بالإضافة إلى كثير من المناطق المجاورة، وهي من بين اللغات الأربع الأكثر استخدامًا على الإنترنت، وكذلك الأكثر انتشارًا ونموًامتفوقةً على الفرنسية والروسية، وتحتل مكانة خاصة في الدول الإسلامية، لأنها لغة القرآن، ولا تتم العبادات إلا بها.

وقد عرفت اللغة العربية تراجعات خطيرة، على عدة مستويات التواصلية والتعليمية والعملية، لعدة أسباب ذاتية وموضوعية، لا يتسع المقام للتفصيل فيها، لكن الملاحظ أن الحملات الاستعمارية على البلاد العربية بداية القرن الماضي، وهيمنة الدول الاستعمارية على سلطة القرار في معظم الدول العربية، كان له تأثير كبير في هذه التراجعات، وإن كانت تلك الفترة، قد شهدت مقاومة شديدة، من طرف النخب العربية السياسية والثقافية للمشروع الثقافي الكولياني، من خلال النضال والدفاع عن سيادة اللغة العربية في المؤسسات التعليمية والتربوية والإعلامية والإدارية، لكن، هذه المقاومة للمخطط الاستعماري الثقافي، الذي يستهدف الإجهاز النهائي على حضور اللغة العربية في المجتمعات العربية، سواء على مستوى التعليم والتكوين والإنتاج الفكري، أو على مستوى التسيير والتدبير والإدارة، شهدت في الفترة اللاحقة على الاستعمار المباشر تراجعا وضعفا، لكون النخب التي كانت تعتز وتدافع عن الثقافة العربية، أصبحت تشكل أقلية، في مقابل تكون نخبة متغربة، درست في البعثات الأجنبية، وتشربت لغاتها وثقافتها، مع وجود الفارق المعتبر بين دول المشرق والمغرب العربي.

والمغرب ضمن الدول العربية، الذي تعرض لمخطط استعماري فرنسي لإبعاده عن تاريخه وثقافته وهويته العربية، وكان ذلك بفرض تعلم اللغة الفرنسية في المدارس التعليمية المغربية، وتأسيس بعثات فرنسية خاصة بالتعليم الفرنسي، من أجل تكوين نخبة مغربية فرونكوفونية، منفصلة فكريا وثقافيا وسلوكيا ونفسيا، عن الثقافة العربية، ومدافعة عن الثقافة واللغة الفرنسيين، وها هي فرنسا اليوم جد سعيدة ومطمئنة على مستقبل ثقافتها ولغتها بالمغرب، بعدما استطاعتتكوين نخبة من المغاربة لا علاقة لهم بتاريخ وجغرافية وثقافة هذا البلد العربي، ومنهم من أصبح يدافع عن الثقافة الفرنسية أكثر من الفرنسيين، ومنهم من أصبح يعادياللغة والثقافة العربية باسم الدفاع عن الأمازيغية، ومنهم من اختار طريقا ثالثا، وهو محاربة العربية، من خلال الدفاع عن التدريس باللغة العامية أو الدارجة، وهؤلاء كلهم من النخب التي تعيش حالة من الاغتراب الثقافي داخل وطنها، فهي تعتقد أن الطريق إلى الحداثة يمر عبر إحداث قطيعة مع الثقافة العربية، وتبني الثقافة الغربية بكل ما لها وما عليها، هذا الاستلاب الثقافي، كان له تداعيات اجتماعية خطيرة على صعيد المؤسسات التعليمية والإدارية والثقافية، وأصبحت جميع طبقات المجتمع، مجبرة على تعليم أبنائها في المدارس الخاصة، من أجل إتقان اللغة الفرنسية وآدابها، حتى تشكلت لدينا أجيال مغتربة ثقافيا، لا تحسن التحدث إلا بالفرنسية، ليس فقط داخل الفصول الدراسية، بل حتى في تواصلي اليومي، وهذا هو الخطر الكبير الذي يهدد الهوية العربية الإسلامية، التي أصبحت تتعرض للتدمير والتخريب.

لذلك، أصبحت الحاجة ملحة، أكثر من أي وقت مضى، لتأسيس جبهة وطنية واسعة، تضم جميع الغيورين على الهوية المغربية العربية، من كل ألوان الطيف الثقافي والفكري والسياسي، للدفاع عن اللغة والثقافة العربية، وإذكاء روح المقاومة داخل مؤسسات المجتمع، لمواجهة المخطط الاستعماري الفرونكوفوني، الذي يسعى بكل ما أوتي من نفوذ وموارد مالية وبشرية ولوجستيكية، إلى تكريس تفوق وسيادة الثقافة الاستعمارية في جميع المؤسسات العامة والخاصة، وإلا سنتحول إلى بلد فاقد لهويته الحضارية ولسيادته واستقلاليته الثقافية.

وإذا كان هناك لوبي فرونكوفوني قوي يدافع عن الثقافة الفرونكوفونية، ولوبي آخر يدافع عن الثقافة الأمازيغية، فإن الثقافة العربية هي الوحيدةالتي تعاني ببلادنا، من غياب لوبي وطني، يجعل قضيته الأولى هي مواجهة المخططات المعادية للثقافة العربية، ورد الاعتبار للغة العربية داخل المجتمع، حفاظا على الذاكرة الجماعية للمغاربة، التي تشكل فيها اللغة والثقافة العربية، أهم مقوماتها التاريخية.