وجهة نظر

“الحرب واللاحرب”.. أو عندما يكون السلم مدخلا للتنمية (1/2)

المغرب الجزائر

محاولة لاستشراف مستقبل العلاقات المغربية الجزائرية في ظل التطورات الأخيرة 

طالما شكل العنف الطريق الأسهل لمواجهة العدو؛ وهي صفة ميزت المجتمعات البشرية والحيوانية على السواء، لكن تميز الإنسان باستعمال عقله، مكن جزء مهم من المجتمعات الانسانية  عبر التاريخ من تشكيل وعي بأهمية اللاعنف في حل النزاعات؛ باعتبار” قيمة السلم أو اللاعنف” قيمة لا يتصف بها إلا القوي. فقد  برزت الكثير من الكتابات الفكرية التي نظّرت لهذا المنطق الفريد، ففي المجتمعات العربية والاسلامية، استندت هذه الكتابات على قوله تعالى ” لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ” (سورة المائدة ،  28)؛ حيث جسدت هذه الأية سمو اللاعنف في التعامل مع الخصم.

يستوقفنا سؤال الحرب كفرضية قائمة في ظل ثوتر العلاقات المغربية الجزائرية، وتواثر الفيديوهات والفيديوهات المضادة عبر وسائط التواصل الاجتماعي وعبر القنوات التلفزية؛ حول امكانات التسلح التي يتوفر عليها المغرب والجزائر، مع تسريب مجموعة من الارقام التي تتعلق بميزانيات التسلح وترتيب القوى العسكرية؛ مما يذكرنا بتوازن الرعب خلال مرحلة الحرب الباردة ( 1947 – 1989) . فهل الحرب ستحسم  الصراع القائم بين القوتين منذ سنة عن  تأسيس الجمهورية الجزائرية سنة 1962؟.

يعرّف التاريخ بكونه علم يقوم بدراسة الماضي لفهم الحاضر وبناء المستقبل، مما يدفعنا الى التأمل في مجموعة من التجارب السابقة التي اختارت الحرب كوسيلة لحل النزاعات، قبل أن تنحو نحو الحوار كوسيلة أنجع؛ تمكّن من حسم الخلافات وتمكن من توجيه الجهود نحو التنمية. لاختصار كل هذه المسافات.

بالعودة إلى الخطاب الرسمي لكل من المغرب والجزائر ، نعتقد بكل تجرد؛ أن النظام الجزائري ملزم بالتفاعل الايجابي مع دعوات المغرب للحوار، دون السقوط في منطق التأويل القائم على سوء النيات ومنطق المؤامرة، فلا يمكن تصور نجاح الحوار دون تأسيسه على الثقة المتبادلة. هذه الثقة؛ لن تبنى إلا باتخاذ قرارات شجاعة وقوية قابلة للتطبيق وتنطلق من أصل الصراع دون الانتباه إلى أعراضه.

تنطلق فرضيتنا من أجل التأسيس لحوار حقيقي بين المغرب والجزائر من مسألتين أساسيتين:

الأولى: التزام الجزائر فعليا بقرارات الأمم المتحدة والتزامها الحرفي بالقوانين التي تنظم مسألة اللاجئين في تعاملها مع ملف اللاجئين بتندوف، مع التخلي فعليا عن الدعم العسكري والسياسي لجبهة البوليزاريو المصطنعة.

الثانية: توضيح المغرب لسياق تصريح السفير المغربي عمر هلال في قمة منظمة عدم الانجياز، وسحبه بعد ذلك؛ من منطق القيام بالفعل دون الانجرار الى رد الفعل.

قد تبدو هذه الفرضية بعيدة عن الواقعية السياسية؛ نظرا لما تم بنائه عبر عقود من الزمن، من تقاطبات وتكثلات ولوبيات؛ لكن البرغماتية السياسية تقتضي اتخاذ قرارات قد تكون مؤلمة، علما أن  وقعها التنموي كفيل بتمكين الشعبين المغربي والجزائري من نسيان كل هذه العقود الضائعة في مسار التنمية من أجل صراع وهمي مصطنع. فطموح الدول في أن تصبح قوى إقليمية مؤثرة هو طموح مشروع لكل الأقطار؛  فإذا كانت الجزائر تطمح وتسوق لنفسها كقوة إقليمية، فإن من حق المغرب أن يكون له هذا الطموح وهو البلد المتجدر في التاريخ حيث كانت له تجارب تسيّد فيها منطقة شمال افريقيا، بل تسيّدالمنطقة المتوسطية وصولا إلى ما كان يعرف سابقا ببلاد السودان. بناءا على هذه القاعدة، يمكن أن نصل إلى قوى إقليمية ذات التأثير السياسي المدعوم بالقوة التنموية والاقتصادية، هذه الغاية لا يمكن ملامستها في ظل دق طبول الحرب والتباهي بالسلاح، بل تتحقق في ظروف يكون السلم والحوار لبنة أساسية في انتاج التصورات وبناء الاستراتجيات، لتأكيد هذا الزعم سنقوم بمقارنة سريعة بين واقع التنمية في أوربا لما رجّح فيها منطق الحرب على السلم وواقع التنمية فيها لما رجّح فيها منطق الحوار .

الحروب مقابل التقهقر التنموي:

مرت أوربا من مراحل شديدة التعقيد ؛ سياسيا واقتصاديا،خلال فترات تاريخية طويلة، لكن هذا الصراع سينتقل من الصراع حول الهيمنة السياسية الى الهيمنة الاقتصادية منذ أواخر القرن 18م  ومطلع القرن  19؛ فقد برزت بريطانيا متسيدة العالم كونها مهدا للثورات الاقتصادية؛ الفلاحية والصناعية، هذا التغير الاستراتجي سيحول عقيدة العلاقات الدولية من العمق السياسي إلى العمق الاقتصادي ؛فقد أخذت التحالفات تتشكل على ضوء المؤشرات الإقتصادية التي غالبا ما يتم تغليفها بأبعاد سياسية،الأمر الذي أدخل العالم في مرحلة من التعقيد في ظل التنافس حول الأسواق بغرض تصريف الفائض من الانتاج وتحصيل المواد الأولية الضرورية لاستمرار الانتاج الصناعي  في أفق وضع حد لمراحل الإنكماش الاقتصادية المتعاقبة منذ أواخر القرن التاسع عشر مطلع القرن العشرين.  نتج عن ذلك اندلاع حربين عالميتين؛  الأولى امتدت من سنة  1914إلى سنة  1918م  والثانية امتدت من سنة  1939إلى سنة  1945م، ترتب عنهما فقدان قوة العمل من خلال ارتفاع  عدد القتلى والجرحى والمعطوبين إلى أزيد من  60مليون شخص ، كما ارتفعت معدلات التضخم نتج عنها اندلاع اكبر ازمة اقتصادية في تاريخ البشرية (الأزمة الاقتصادية الكبرى لسنة  1929 م) وبرزت أزمة مالية خانقة بسبب نفقات الحرب الباهظة؛فقد تجاوزت تكلفة السلاح البحري ببريطانيا قبيل الحرب  الأولى أكثر من مائة مليون جنيه استرليني و تجاوزت الديون المتراكمة اكثر من بليوني جنيه استرليني.

من خلال الأرقام التي رصذناها إذا، يتبين ان منطق الحرب كخيار لحسم الصراعات يهوي بالأمم ويعود بها عقودا تنموية إلى الوراء، ما يعني أن العالم (الدول المتحكمة كبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والمانيا وفرنسا…)  أضاع حوالي نصف قرن من التنمية، وتقهقر سنوات.  فهل منطق السلم والحوار سيحقق عكس ذلك؟.

(يتبع)

* عز الدين أبرجي، باحث مهتم بقضايا التنمية، أكادير. [email protected]

ـــــــــــــ

2 انظر مقالنا السابق في الرابط الأتي: https://al3omk.com/696913.html 

3 خلال الرحلة المرابطية وصل الحكم المغربي وفي العهد الموحدي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *