وجهة نظر

حوار هادئ مع محمد الشرقاوي (2)

مواطنة التزييف وتزييف المواطنة

1 – سبق لي أن نشرت مقالا صحفيا في شكل رسالة منذ أكثر من ستة أشهر، وجهتها إلى الكاتب المغربي الدكتور محمد الشرقاوي أستاذ تسوية الصراعات الدولية وعضو لجنة خبراء الأمم المتحدة سابقا، في سياق الأزمة الكبيرة بين المغرب وإسبانيا إثر تستر هذه الأخيرة على زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، الذي جيء به “ليلا” في تكتم منقطع النظير حاملا جواز سفر مزور، و بهوية غير حقيقية “لتلقي العلاج”، وكان المسعى من هذا المقال / الرسالة هو بلورة قدر من التفاعل السياسي والثقافي حول موضوع وحدة التراب الوطني من منظور واقعي عقلاني بعيدا عن الحماس الزائد والحياد غير الراجح، غير أن انشغالات السيد الشرقاوي الكثيرة لم تسمح له ربما بقراءتها والتعاطي معها .. واليوم أعود مجددا لإتمام ما سبق لي أن عبرت عنه، لكن في إطار مغاير مع الاحتفاظ بتقديري الكبير للسيد الشرقاوي و احترامي لوجهات نظره حول قضايا المغرب والعالم.

2 – إذ أنه وفي سياق برنامج حواري أجرته فضائية تلفزيونية ألمانية مؤخرا، جمع كلا من الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي المغربي عبد الفتاح نعوم و الكاتب والمثقف المغربي من واشنطن محمد الشرقاوي فضلا عن أستاذ جامعي جزائري السيد إسماعيل دبش، لنقاش “مجريات الصراع بين الجزائر وجبهة البوليساريو الانفصالية وبين المغرب”. ولدواعي منهجية صرفة سأغض الطرف عن “دفوعات” الأستاذ الجزائري التي يكررها بنفس المفردات والجمل والفواصل .. بمناسبة وبدون مناسبة “إعلاميو ومثقفو” الدولة الشرقية الشقيقة، و أقتصر على ما تقدم به الأستاذ محمد الشرقاوي جوابا على الأسئلة التي عرضها عليه مسير هذا الحوار المشار إليه سابقا. وهكذا بدا لي السيد الشرقاوي يتحدث “بهدوء واتزان وروية” وهذا من حقه كباحث ومختص في “تسوية الصراعات الدولية”، ولو أن الأمر ذكرني بالمستشرقين الذين انكبوا على “دراسة وتحليل” الثقافة العربية بقدر كبير من الأستاذوية و”الحياد العلمي”، والحال أن قضية الصحراء المغربية أقدس مقدسات الأمة المغربية، أنا لا أدعو السيد الشرقاوي أن يجيش المشاعر الوطنية ويزبد ويرعد ويهدد ويندد بالأمم المتحدة والمجتمع الدولي أبدا، لكن لا يجمل به أن يساير “بموضوعية وعلمية” المواقف العدائية الممنهجة الصادرة عن الخصوم الدائمين للوحدة الترابية للمغرب: الجزائر وجبهة البوليساريو الانفصالية وإسبانيا وبعض الدول الغربية التي لا يهمها حق المغرب المشروع في الوحدة والاستقرار والتنمية، من حق السيد الشرقاوي أن ينطلق من “مرجعية حقوقية وسياسية أممية” ومن المشترك الثقافي الكوني لمعالجة قضايا الإنسان والحياة والدول، لكن لا يحسن به أن يمنح الهدايا بدم بارد لخصومنا الأبديين، إلى درجة أضحى الأستاذ محمد الشرقاوي نموذجا للمثقف المنفتح والمتحضر لعبدة الإعلام الجزائري العسكري .

3 – صحيح لم يصدر عن الرئيس الأمريكي جو بيدن ولا عن وزير خارجيته أنتوني بلينكن ما يشير بوضوح إلى تبني قرار ترامب بمغربية الصحراء، لكن لم يصدر عنهما ما يحيل على إهماله ورفضه والتخلي عنه، إن المسؤولين السياسيين الأمريكيين لا يتوقفون عن الإشادة بالحكم الذاتي الواقعي والعملي والقابل للأجرأة والتنفيذ. لكل حكومة أسلوبها وآلياتها ورؤيتها ومنهجيتها في معالجة القضايا السياسية المختلفة والمتضاربة، لماذا لا يكون منحى الحكومة الأمريكية الجديدة أكثر جدوى، مادامت الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية والتنسيق متعدد الأبعاد في تواصل بالغ الوضوح؟ لماذا لا يكون عدم تبني القرار الأمريكي بمغربية الصحراء من قبل بيدن لفظا ومضمونا عائدا إلى الإكراهات الجيوستراتيجية بالغة التعقيد، والمتمثلة في الضغوط اللامتناهية للنظام الجزائري العسكري وإسبانيا.. وبعض “حلفاء” المغرب غير الراضين عن إقلاعه التنموي الممكن والواعد؟ أتفهم مستلزمات الحوار الهادئ والبناء كأسلوب عالي الجودة في استقراء قضايا سياسية أممية ، لكنني لا أتفهم أن ألتزم الصمت ولا أرد على طرف جزائري مشارك في الحوار و مصر على التشهير ببلدي بعنجهية وغوغائية بلا حدود، وأتهم الطرف المغربي (عبد الفتاح نعوم) بأنه شبه مثقف وصاحب “وطنية مزيفة” ! لقد أعلن الأستاذ الجزائري عن موقف بالغ الغرابة والتطاول والبلطجة وهو يصرح في هذا البرنامج بأن “الشعب الصحراوي” لا ولن يقبل إلا بالاستفتاء ، من هو حتى يسمح لنفسه بالحديث بلسان “الآخر” وبهذه الكيفية الحدية المتشنجة؟ أليست الجزائر هي التي ملأت الدنيا وشغلت الناس بكونها ليست طرفا في موضوع الصحراء المغربية؟ فلماذا هذا التغول السياسوي البائد؟ ولماذا عرض السيد الشرقاوي عن مثل هذه الترهات والادعاءات منتهية الصلاحية، وانبرى لمواجهة أستاذ مغربي يدافع بحب وصدق وانفعال أيضا عن الوحدة الترابية للمملكة؟ نعم إننا بالتأكيد نرفض المواطنة المزيفة إن كانت هناك أصلا، لكننا وفي الآن عينه نرفض وبكل المقاييس وعبارات التنديد والشجب تزييف المواطنة !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *