وجهة نظر

الحرب واللاحرب أو عندما يكون السلم مدخلا للتنمية (2/2)

اللاحرب والإمكان التنموي

انتهت الحرب العالمية الثانية يوم 2 سبتمر 1945م، فوجدت أوربا نفسها أمام إنهيار إقتصادي وسياسي واجتماعي شامل،لكن “حكماء أوربا ” ستكون لهم كلمة الفصل في توجيه بوصلة الساسة الأوربيين من فكرة تأسيس التحالفات العسكرية إلى بناء تحالفات اقتصادية بأبعاد تنموية، باعتبارها رادعا واقعيا لمنع نشوب حرب لا طاقة لأوربا بها بعد حربين مدمرتين حوّلتا أوربا إلى أطلال. على رأس هؤلاء الحكماء؛ الفرنسي  “روبير شومان” (1886–1963م) الذي توّجت خطته بإعلان قيام أول تحالف اقتصادي أوربي بعد الحرب العالمية الثانية،  تحت إسم ” المجموعة الأوربية للفحم والصلب (ECSC )” يوم 18 أبريل 1951م  ودخل حيز التنفيذ يوم 23 يولوز 1952، ضمت عضوية كل من فرنسا وألمانيا الغربية وإيطاليا ودول البينولوكس Benelux. لتتحول أوربا من حلبة الصراع العسكري إلى حلبة الصراع الإقتصادي، مكّنها، في ظرف وجيز،  من تحقيق معدلات نمو اقتصادي ملفتة للإنتباه، الأمر الذي انعكس على هذه المجموعة كمّا ونوعا؛  فقد اتسع إسم المجموعة  ليشمل بقية القطاعات الاقتصادية بموجب اتفاقية روما 1957م ويصبح الإسم “المجموعة الأقتصادية الأوربية” (EEC) التي سيتأسس بموجبها “سوق أوربي مشترك” لم يعد فيه للحدود الجغرافية أي معنى، فتوّج كل ذلك بتأسيس كيان أوربي موحد بموجب معاهدة “ماستريخت في فبراير 1992م  تحت إسم “الإتحاد الأوربي” الذي يضم حاليا 27 دولة بعد انسحاب ابريطانيا (المملكة المتحدة).

لم يكن تأسيس المجموعة الأوربية للفحم والصلب أمرا عاديا، بل كان نقطة تغيّر استراتجي ليس بالنسبة لأوربا فقط، بل بالنسبة للعالم أيضا؛ فقد ضمت هذه المجموعة رأسي الحربة اللذان بسببهما أجبر العالم على تحمّل ويلات حربين كونيتين مدمرتين، يتعلق الأمر بكل من ألمانيا وفرنسا اللتان تعتبران اليوم القوتين الاقتصاديتين الأولتين داخل الاتحاد الأوربي على التوالي، كنتيجة حتمية لمنطق السلم وبناء التحالفات على أساس مصالح الشعوب الاقتصادية وفق قاعدة رابح رابح ( WIN WIN ).

بعد هذه السردية المركزة، يمكن الإشارة إلى مجموعة من الأرقام الاقتصادية والتنموية التي حققتها الدول الأوربية في ظل التحالفات واللاحرب. فالاتحاد الأوربي يعتبرأكبرقوة تجارية في العالم من حيث السلع،  ويمثل حوالي  20% من الوزن التجاري العالمي، وثالث سوق استهلاكي في العالم بأزيد من نصف مليار نسمة، كما أنه ثاني قوة من حيث الناتج الإجمالي المحلي بعد الولايات المتحدة الامريكية؛ فالمانيا اقتربت سنة 2020 من حاجز 4 تريليون دولار من حيث الناتج الاجمالي المحلي (الرتبة الرابعة عالميا)، وتوجد ضمن المستوى الجيد جدا على مستوى مؤشر التنمية البشرية بمعدل0.94 ، في حين تجاوزت فرنسا 2.5 تريليون دولار(الرتبة السابعة عالميا) ومعدل تنموي عالي بمعدل O.90، أما الناتج الاجمالي المحلي بابريطانيا فتجاوز  2.6تريليون دولار (الرتبة السادسة عالميا) ومعدل تنموي يتجاوز  0.93، وتأتي إيطاليا في الرتبة التاسعة عالميا بناتج إجمالي محلي يقترب من 2 تريليون دولار.

هذا التتبع المقتضب والسريع للتجربة الأوربية،إنما نريد من خلاله إثارة الانتباه إلى أهمية استلهام هذه التجربة والعمل على اختصار المراحل بمنطقنا المغاربية، بناء على ذلك، وبالنظر إلى الإمكانات التنموية التي تتوفر عليها المنطقة المغاربية ، يمكن طرح عدة أسئلة نؤسس عليها لاستشراف مستقبل مشرق للمغرب الكبير، من جملة هذه الأسئلة:

ألا يمكن إستعمال أليات الضغط لإجبار النظام الجزائري على العودة إلى جادة الصواب والتخلي عن منطق الحرب وتسليح المليشيات لفتح الأفاق التنموية لشعوب المنطقة ؟  هل يحق لنظام قائم على عقيدة عسكرية تنهل من قاموس الحرب الباردة أن يفرمل طموح الشعوب المغاربية  برمتها في تحقيق الرفاهية ؟ ما هي الإمكانات المتاحة أمام الدول المغاربية في حالة تعنث النظام الجزائري على الاستمرار في العزف على أوثار عرقلة مشروع المغرب الكبير؟ وغيرها من الأسئلة المشروعة.

مساهمة منا في فتح أفاق النقاش على ضوء الأسئلة السابقة، نرصد بعض أرقام الواقع الاقتصادي والتنموي الحالي لدول المنطقة المغاربية مركزين على المغرب والجزائر وفق منهجية مقارنة  لتكوين رؤية عامة تمكننا من استنتاج المسارات الممكنة للوصول إلى التنمية المنشودة.

بالعودة إلى تقرير التنمية البشرية الذي يصدر عن الأمم المتحدة، نجد أن المغرب والجزائر يندرجان ضمن المستوى التنموي المتوسط بمعدل  0.68 و O.74على التوالي، علما أن هذا المعدل مرتبط بموضوعية المعايير الثلاث المعتمدة من جهة، وبصدقية الارقام المقدمة وشفافيتها من جهة ثانية. أما الناتج الاجمالي بالجزائر فلا يتجاوز 184مليار دولار أمريكي جله متمركز حول الامكانات النفطية، مع توقع معدل نمو لا يتجاوز 2%، بينما  يصل الناتج الاجمالي في المغرب إلى حوالي 121 مليار دولار أمريكي بفضل انتعاش قطاع السيارات وصناعة الطيران والتعدين، مع توقع معدل نمو في حدود 3.4%  . هذه الأرقام تبرز أمرين :

الأول: وجود إمكانات حقيقية للترقي التنموي والاقتصادي، فالمغرب يضاهي الأرقام التي تحققها الجزائر رغم ضعف إمكاناته الطبيعية وصغر مساحته قياسا بها (الجزائر)؛ مما يعني وجود فرص كبيرة لمضاعفة هذه الأرقام ورفع الناتج الاإجمالي ورفع حجم القيمة المضافة على أساس فرضية الاستقرار والتكامل الاقتصادي بين دول المنطقة المغاربية.

الثاني:  المستوى الضعيف لاقتصاد كل المغرب والجزائر قياسا بدول الشمال المجاورة، فإذا كان الدخل الفردي في إسبانيا على سبيل المثال يتجاوز 42ألف دولار أمريكي، فإنه يقلّ على 5 ألاف دولار أمريكي في المغرب والجزائر، رغم التحسن الذي يسجله المغرب في ظل الارتهان التدريجي إلى منطق اقتصاد السوق المؤطر بالروح الليبرالية الاقتصادية، عكس الجزائر التي ترتهن إلى الريع النفطي المؤطر بالخلفية الاشتراكية الاحترازية.

إن الوضعية الحالية للواقع التنموي والاقتصادي للمنطقة المغاربية برمتها، يطرح إلحاحية واستعجالية سؤال التنمية اليوم قبل الغد، الأمر الذي يضع الجزائر امام مسؤولية تاريخية كبرى قد يصعب تدارك ما سيتم فقده خلالها؛ نقول الجزائر كونها البلد الأكثر تعنّثا والأكثر راديكالية في التعامل مع الإشكاليات التي تواجهها المنطقة. لقد حان الوقت للنهل من الدرس الأوربي عامة والدرس الفرنسي الألماني على وجه الخصوص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ سنتين

    جميل جداً بصراحة موضوع مهم جداً تحياتي لك الأخ عز الدين الخطير في الأمر هوا انا المسؤولين الجزائريين لن ولن يفهمون معنا الفرق بين التنمية الاجتماعية والحضارة والتقدم والازدهار وبين السياسة وكما قلت نأخذ العبره من الإتحاد الأوروبي رغم الحروب والاختلاف ولكن لغة الحوار ومصلحة شعبهم هي الأولى لكن مع الأسف نحن في المغرب العربي نغدي التفرقة والفتنه وهنا اقول كلمة في حق بلادي المغرب لقد حاول عدة مرات لكي يجمع بين الإخوان المغرب العربي لكن مع الأسف الشديد الجزائر وبشكل واضح تستعمل كل الطرق لي الطفرقة وتجند كل الإعلام والسياسين ضد الوحده الترابية للمغرب لكن هيهات تم هيهات المغرب على أرضه رغماً عنهم حلمي الوحيد أن يستخلص المغاربة الدروس من الماضي لأن الرؤية بدأت تتضح أكثر فا أكثر تحياتي لك