وجهة نظر

حمورو يكتب: الحكومة.. الدخان وجزء من حقيقة الصورة

فيما يبدو هناك دخان كثيف يتم ضخه في المشهد السياسي، من خلال اثارة نقاشات وعقد لقاءات واطلاق تصريحات، ظاهرها تأطير حالة الانتظار التي تعيش البلاد على ايقاعها بسبب تأخر أو بمعنى أدق تعطيل تشكيل الحكومة، وباطنها محاولات للتمويه والتغطية على أشياء أخرى يتم تنزيلها على الأرض أو يتم التخطيط لها، لها علاقة أساسا بمستقبل المغرب في سياق معارك النفوذ الدولي الطاقي وغيره.

بمنطق الأشياء، لم يعد هناك أي مبرر مقبول لهذا التأخر وهذا التعطيل المقصود لا شك في ذلك، سوى أن يكون مرتبطا بالأفق الديمقراطي المسموح به، باعتبار الديمقراطية في المغرب ديمقراطية ليبرالية، وبالتالي يسري عليه ما يسري على كل الدول التي تبنت هذا النوع من الاختيارات السياسية.

يقينا حجم الطلب على الديمقراطية في البلاد ارتفع خلال السنوات الخمس الماضية، نتيجة التراكم النضالي، لكن نتيجة الحراك الاجتماعي لسنة 2011 أيضا، وزاد من “عقلنته” وتوضيح أفقه ترؤس حزب العدالة والتنمية وأمينه العام الاستاذ عبد الاله بنكيران للحكومة خلال هذه الفترة، بما سمح به من خلق تعبئة مجتمعية وتسريعها في اتجاه إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتحفيز مختلف المعنيين سواء من هم مع أو ضد على الانخراط والتفاعل.

لقد كانت الولاية المنتهية فترة مخاض ديمقراطي اضطرت فيها الدولة إلى التعايش بصعوبة مع الطلب المتزايد للشعب على الديمقراطية بمختلف مخرجاتها وامتدادتها، في وقت كانت تسير فيه الاختيارات الاقتصادية للدولة وفق منطقها المتوافق مع قواعد اللبرالية الجديدة من انفتاح على رأس المال الأجنبي، وتنويع مصادر انتاج الثروة، موظفة الموقع الجغرافي الاستراتيجي، وتقديم عروض للعب دور صلة الوصل مع افريقيا لكل القوى الدولية المعنية مصالحيا بالقارة السمراء، وبطبيعة الحال هذا التوجه الاقتصادي يفرض هامشا محسوبا وربما دقيقا في العلاقة مع المجتمع، ولا يسمح بالتقدم في دمقرطة القرار العمومي وربطه بالاختيار الشعبي، وإنما يلجأ إلى محاولة إفراغ المؤسسات المنتخبة مضامينها، مقابل تمرير صلاحيات اتخاذ القرارات الى مؤسسات غير خاضعة للرقابة والمساءلة الشعبية.

هذا الهامش سيظل غير متحكم فيه ما دام هناك من يحمل همّ تمثيل الشعب تمثيلا حقيقيا لا شكلا فقط، عاكسا للطموح المشروع في تحقيق غاية العدالة الاجتماعية كمُخرَج للعملية الديمقراطية، وهذا هو أهم مشكل عند عبد الاله بنكيران مع بعض الأطراف في الدولة.

إن استمرار بنكيران على رأس الحكومة لولاية جديدة، لا يعني سوى مزيد من التعبئة داخل المجتمع وبالتالي ترسيم ما تحقق على مسار ربط التمثيلية داخل المؤسسات المنتخبة بنتائج الانتخابات، وعلى مسار “حق” المجتمع على الدولة المعبر عنه بالالتفات إلى فئاته الهشة والفقيرة والسير نحو تحقيق التوازن بين كل فئاته، وهذا جوهر الاختلاف معه على الرغم من كونه أبدى الإصرار على إشراك عزيز أخنوش وحزب الأحرار، لما يمثله من امتداد داخل أوساط رأس المال الفاعلة في الاختيارات الاقتصادية للدولة.

الاشكال إذن بعيد عن دخان نقاشات التأويلات الدستورية المتعسفة والقراءات السياسية المغرضة، الحاجبة لحقيقة الصورة، والتي تنخرط فيها جهات تُبقي على صراعها مع بنكيران في مساحة الايديولوجيا فقط، ومساحة “الثأر الانتخابي”.

في الختام علينا إن ننتبه إلى علاقة المشاريع الاقتصادية الكبرى التي ينخرط فيها المغرب هذه الأيام، بمسار تشكيل الحكومة، ربما قد يكون تأمين وضع هذه المشاريع على السكة، عاملا مساعدا على استئناف المشاورات وانطلاق المفاوضات التي سيكون أحد أطرافها مدافعا عن الفئات الشعبية المحرومة، وطرف آخر سيكون حارسا للمصالح، وليسا في ذلك عيب ما دامت السفينة التي تقل الجميع ستبحر بسلام!