وجهة نظر

الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية: المعنى ومعنى المعنى!

1 – قررت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة إقرار العربية لغة رسمية ضمن باقي اللغات الرسمية الأخرى في أروقة وأشغال هذه المؤسسة الدولية الرفيعة، منذ الثامن عشر من دجنبر سنة1973، وقد أضحى هذا اليوم مناسبة دولية للاحتفال باللغة العربية وإبراز دورها التاريخي والحضاري طيلة قرون من الإبداع العلمي والثقافي والسياسي، ووظيفتها بالغة الأهمية في مد جسور التواصل بين الأمم والمجتمعات من أجل إرساء قيم التعايش والانفتاح واستتباب الأمن والسلام في العالم. و ما من شك في أن اللغة العربية باعتبارها بنية صوتية ومعجمية وتركيبية غاية في الانسجام والتناغم تمكنت، من أن تغدو في العصر الذهبي للحضارة العربية في العهدين العباسي والأندلسي على وجه الخصوص الوسيلة الرمزية الأولى علميا لإنتاج المضامين الفكرية متعددة التجليات والميادين، غير أنها الآن وجدت نفسها تواجه ألوانا من المعاناة والقصور والضعف بسبب تراجع دور الأمة العربية في الإبداع الحضاري.

2 – والواقع لسنا في حاجة هنا والآن إلى مواصلة نهج التغني بالأمجاد والنجاحات الاستثنائية للغة الضاد، بقدر حاجتنا إلى التأمل في راهنها ومآلها رغبة في اجتراح حلول واقعية عقلانية كفيلة بإنقاذها من مصير التلاشي والضياع، أمام لغات أجنبية تهيمن بشكل شبه تام على المنجز الفني والعلمي والثقافي.. وندرك تمام الإدراك أنه منذ أزيد من قرن والمثقفون العرب ينادون بأولوية العناية باللغة العربية، وتجديد طرق تعليمها وتدريسها بالكيفية اللائقة الملائمة لمستلزمات منطق العصر، الذي لا يتوقف عن التطور والتقدم بلا حدود، ومن المؤسف القول إنه ورغم عديد الاجتهادات والاقتراحات والدراسات الجادة التي اندرجت في هذا المنحى إلا أنها لم تنجح في علاج لغة تعاني من مرض مزمن مرتبط بسياق حضاري مخصوص، ومن تحصيل الحاصل القول إن إصلاح اللغة العربية من إصلاح المجتمعات والكيانات الناطقة بها سياسيا واقتصاديا وعلميا وثقافيا، لكننا ومن باب اليقين بقدرتها المتجددة على الدوام نحاول في هذا السياق لملمة الجراح لمرحلة تأهيلها لاستئناف رسالتها في التواصل الإنساني الراجح.

3 – وفي انتظار الذي يأتي ولا يأتي، يجوز القول بأن أفضل طريقة للاحتفال باليوم العالمي للغة العربية لا تكمن في تنظيم بعض الأنشطة الفنية التي قد تصل حد النزعة الفلكلورية الشعبوية الوجدانية، وإنما في إثارة الانتباه إلى ما يسندها ويقوي شوكتها، من قبيل ملحاحية ترسيمها قانونيا وعمليا في المؤسسات العمومية من مدارس وجامعات ومعاهد عليا، ومراكز الإعلام والاقتصاد والسياسة، ومحاسبة العابثين بمكانتها الاعتبارية .. كما أننا نعتقد أن تدريس اللغة العربية في المؤسسات التربوية ينحو منحى بالغ التقليد والتكرار والنمطية والبعد عن الواقع المجتمعي للمتعلمات والمتعلمين، كيف يمكن أن نحبب اللغة العربية للناشئة وجدت نفسها في محيط من العولمة والرقمنة والتمظهرات الفنية اللانهائية؟ كيف يمكن أن نساعد المتمدرسين و المتمدرسات على إتقان العربية في ظل طرق بيداغوجية متقادمة ومقررات تربوية غارقة في الماضي البعيد؟ إن نظرة موجزة في المقررات ذات الصلة باللغة العربية وفي مختلف الأسلاك التعليمية، تجعلنا نستنتج أنها بعيدة كل البعد عن عالم وتطلعات وانشغالات بناتنا وأبنائنا، الذين لا يجدون أية صعوبة في تعلم اللغات الأجنبية والتمكن منها ! إن جل هذه المقررات تعرض نصوصا شعرية ونثرية تنتمي إلى عصور خلت، وأنواعا تعبيرية شبه متجاوزة ومحتويات معرفية لا تحرك شهية المتعلم المنتمى إلى عام الحاضر الحافل بإحداثيات التكنولوجية والعلوم .

4 – إن واقعنا الإنساني الحي والملموس ينبض بقضايا الاقتصاد والمال والأعمال ، كما يرشح بالمطارحات السياسية والقانونية والفنية والرياضية .. فأين كل هذا وما يماثله في المضامين التربوية منتهية الصلاحية. إننا لا يمكن أن نخطو خطوة واحدة في سبيل الإقلاع باللغة العربية نحو الأفضل داخل المؤسسات التربوية على وجه التحديد، عبر عناوين و مسلكيات ماضوية تتعارض ومتطلبات المخاطبين، الذين ينظرون وعي أو من دون وعي منهم إلى أن التحصيل المعرفي عموما ينهض على إواليات التجديد والإبداع والتجاوز في شتى مناحي الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *