وجهة نظر

اللغة العربية ومدرس اللغة العربية

تعتبر اللغة العربية هوية المغاربة، فهي اللغة الرسمية للبلاد ومقوّم أساسي من مقومات الهوية المغربية، كما أنها لغة الدين الإسلامي. ويمثل مدرّس اللغة العربية ذلك الشخص الذي يقدم المادة بقواعدها و نحوها وبلاغتها وصرفها للمتعلم، فهل يكفي ذلك ؟

كثيرا ما نجد بأن مدرس اللغة العربية هو ذلك الأستاذ الذي يهدف إلى ترسيخ قواعد النحو والصرف والبلاغة في ذهن المتعلم، والذي يسعى إلى تمكين المتعلم من إتقان القراءة والكتابة و التعبير دون أخطاء إملائية، لكن يبقى السؤال المطروح الذي يغفل عنه الكثيرون، هل الأمر كافٍ؟ هل هذا هو الدور الذي من أجله يدرس المتعلم مادة تمثل دينه ولغته وهويته ؟

الإجابة على السؤال هي “لا”، فتدريس مادة كهذه يجب أن يحمل أبعادا أخرى، كتحسيس المتعلم بأهمية هذه اللغة ودورها ومكانتها، وتحبيبه للمادة وعدم تدريسها بطريقة جافة تجعل المتعلم يهرب منها قائلا بأنها لا تمثل لغة عصره، فيهتم بباقي اللغات الأجنبية على حسابها و التي يتعلمها عن طريق حبه لأنشطتها و مجالاتها وليس لنحوها. نعم إن تدريس القواعد أمر مهم يمكّننا من الابتعاد عن اللحن والحفاظ على سلامة اللغة، لكن يمكن للأستاذ أن يجعل من تدريس هذه القواعد فنّاً ومتعة لذا الطالب، و أن يربطها بهوية المتعلم ووطنيته و تقدمه واستمراريته، فما معنى الاستمرار دون هوية ؟ لا يمكن لشخص إتقان لغة مجاورة دون التمكن من لغته الأصلية، الأمر شبيه بالتعرف على أغراض وزوايا منزل الجار، وجهل ما يوجد في دارك، بل المشكل الأكثر خطورة عندما تجد صاحب المهنة غير مهتم بلغته، و يدرسها فقط كمهنة، لا تحيي فيه لا الروح ولا الحب ولا المتعة، ولا يملك حتى صفة الإعجاب بها، فكيف لمدرس مثل هذا أن يجعل من جيلنا الصاعد محبّاً للغته ومحافظا عليها ؟ لغة دينه، ووطنه، وذاته، لذلك يجب على المدرس تبسيطها وتجديدها وربطها بالواقع الذي يعيشه المتعلم، فلا يكفي مثلا إعطاء أمثلة مرتبطة بالقرون والعصور القديمة أثناء تدريس الدرس اللغوي و الذي يعد المكوّن الأصعب استجابة من طرف المتعلمين – وهذا موضوع آخر- بل يجب وضع أمثلة تلامس واقعهم التكنولوجي و الحالي حتى يتمكنوا من لمس الظاهرة و التعرف عليها بشكل أقرب، لا بأس بالاستعانة بالتراث، لكن دون إغفال الجانب الاجتماعي و الزمني الذي يعنى به المتعلم بالضرورة.

تتعدد الاقتراحات والنماذج التي قد يستخدمها المدرس أثناء تدريسه لمادة اللغة العربية، نذكر من بينها: الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في 18 دجنبر من كل سنة و عدم تجاهل هذا اليوم، ومساعدة المتعلمين على إنجاز مختلف الأنشطة التي يجب أن تتميز بلمسة خاصة بهم، وذلك بعدم حصرهم بأشكال معينة من البحوث أو المواضيع و تقيديهم في البحث عن قواعد اللغة فقط، بل يمكن للتلميذ أن يعبر عن حبه للغته بلوحة فنية أو كلمات أو جمل أو مسرحية أو نشيد أو كما يحب، حينها ستجد المتعلم يبدع ويخلق الكثير من الأفكار التي قد لا تأتي في ذهنك كمدرس، وعندما يبدع التلميذ تلقائيا سيحب الشيء الذي أبدع فيه، فلن ينسى إبداعه و سبب إبداعه واليوم الذي أبدع فيه. أيضا يمكن تخصيص بعض الأوقات التي تجعلهم يعبرون فيها بأسلوبهم الخاص باللغة العربية، كأن تقدم لهم صور خالية من الكتابة و تجعلهم يتخيلون و يخلقون قصصا مختلفة، أثناء تقويمك لجملهم وعباراتهم، ستجدهم يتقدمون في المجال النحوي و الصرفي دون أن يشعروا بضغط القواعد وصعوبتها، أيضا سيتعلمون من قواعد البلاغة التشبيه و الإستعارة وغيرها، وعند تقديمك للدرس ستقدمه بربط الأمثلة بالجمل التي قاموا بصياغتهتا من قبل، وهكذا ستثير اهتمامهم أكثر، فيشعرون بالتقدم وبالإنجاز الذي حققوه أثناء المتعة، وهكذا سيتخلون عن فكرة ملل حصص اللغة العربية وثقلها وجفافها، ومن الأمثلة و النماذج الكثير …

يجب علينا كمدرسي لمادة اللغة العربية، اللغة السامية و الجميلة، أن نضع بصمتها في قلب كل متعلم قمنا بتدريسه، لأن القواعد تنسى بعد إغلاق الدفاتر و المقررات و اجتياز الامتحان، لكن حب الشيء والتعلق به يبقى دائما راسخا في الذهن.

*هاجر الصبيري، مغربية، باحثة لسانية حاصلة على شهادة الماستر في اللسانيات التطبيقية، وأستاذة اللغة العربية بالسلك الثانوي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *