وجهة نظر

سلطات الجزائر وفقدان الحس الإنساني!

على إثر عزم المغرب العودة إلى أحضان الاتحاد الإفريقي، وفي غمرة الرحلات الملكية المكوكية الأخيرة، التي تندرج في إطار دينامية الانفتاح على بلدان إفريقيا، الهادفة إلى تكثيف الشراكات والاتفاقيات، وإعطاء المصداقية اللازمة لمبدأ التعاون جنوب-جنوب، ومواصلة تنزيل المقاربة المغربية القائمة على التنمية والتنافسية، خلافا للمقاربة الجزائرية المعتمدة على الريع.

وبالنظر إلى كم الصفعات الموجعة، التي ما فتئت تتوالى على جبهة البوليساريو الانفصالية وراعيتها الجزائر، سواء عبر سحب بعض الدول اعترافها ب”الجمهورية الصحراوية” الوهمية أو في أروقة البرلمان الأوربي، وفشل المناورات المكشوفة التي تستهدف وحدة المغرب الترابية، ومن بينها المحاولة اليائسة لتوسيع صلاحيات بعثة “المينورسو” حتى تشمل مراقبة حقوق الإنسان بالأقاليم الصحراوية. يبدو أن سلطات الجزائر أصيبت بحالة من السعار وفقدان جادة الصواب ولم تجد من وسيلة لتفجير غضبها وغلها، سوى الطرد التعسفي المهين لذوي البشرة السوداء من المهاجرين واللاجئين الأفارقة.

ومن مكر الصدف، أن هذا الحدث المؤلم الذي هز مشاعر المؤمنين بقضايا الإنسان في كل مكان، وتناقلته مختلف وسائل الإعلام الإفريقية والغربية، أتى متزامنا مع احتفاء سكان المعمورة بالذكرى الثامنة والستين لليوم العالمي لحقوق الإنسان، الذي يصادف العاشر دجنبر من كل عام، حيث أبت السلطات الجزائرية المتعطشة إلى اختلاق الأزمات وافتعال النزاعات، إلا أن تكشر عن أنيابها وتتأهب لتوديع السنة الميلادية 2016 على وقع اعتقال حوالي 1500 مهاجر إفريقي، وترحيلهم في اتجاه النيجر، ضاربة عرض الحائط بأبسط المقومات الدينية، وبكل الأعراف والمواثيق الدولية في احترام حقوق اللاجئين والمهاجرين والحفاظ على سلامتهم.

وبلا شفقة ولا رحمة، ولا أدنى مبالاة بالحالات الاجتماعية والنفسية والإنسانية لهذه الفئة من البشر المضطهدة، قامت بقذف العشرات من الأشخاص صغارا وكبارا في شاحنات لنقل الرمال، وحملتهم إلى مخيم تمنراست جنوب البلاد في ظروف تحط من كرامة الإنسان، وتركتهم في العراء عرضة لقساوة الطبيعة، يقضون حاجتهم الطبيعية في أكياس بلاستيكية، ولا يستفيدون إلا من وجبة طعام واحدة في اليوم لا تشبع جوعهم. ناهيكم عما يتعرضون إليه من قمع وضرب وسلب لأموالهم وهواتفهم النقالة..

وقد تم ترحيل المئات منهم إلى الحدود مع دولة النيجر بشكل فظيع، علما أن من بينهم لاجئين مسجلين وطالبين للجوء، وهناك كذلك مهاجرين تم استغلالهم في مختلف الأشغال بالجزائر لسنوات، دون أن تكلف الأجهزة الأمنية نفسها عناء بحث الوثائق المتوفرة لديهم، ومحاولة التعرف عن أوضاعهم القانونية قبل احتجازهم، مما أدى ببعضهم إلى الاختفاء وعدم القدرة على مغادرة بيوتهم، حتى لاقتناء مواد الغذاء الأساسية والأدوية الضرورية لمرضاهم، خوفا من الترحيل الفوري والقسري، مكتفين بإرسال صرخات الاستغاثة عبر الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.

أما كان حريا بالمسؤولين الجزائريين، القيام بما يحفظ إنسانية أولئك الأفارقة الفارين من جحيم بلدانهم الأصلية لأسباب مختلفة، قد تكون ناجمة عن نزاعات قبلية أو إثنية أو كوارث طبيعية وغيرها من الآفات الاجتماعية والمآسي الإنسانية، كأن تفتح في وجوههم أماكن للإقامة الطبيعية ومراكز للرعاية الاجتماعية والصحية، عوض التذرع بإصابتهم بداء فقدان المناعة للتخلص منهم؟ فإلى متى سيستمرون في التضليل ونسج الخرافات حول ألاعيبهم واعتداءاتهم غير المبررة؟

ففي اعتقادنا المتواضع، كان من الأجدى بالسلطات الجزائرية، بدل السير في هذا الاتجاه غير المحسوب العواقب، الحفاظ على الوجه المشرق للشعب الجزائري المضياف، وتكريس ما عرف عنه من نبل ومميزات أخلاقية. وليس من العيب في شيء، مهما اختلفت وجهات النظر بين الدولتين المغربية والجزائرية، الاقتداء بالسياسة الرشيدة التي ينهجها المغرب في تعامله مع أخواتنا وإخواننا المهاجرين الأفارقة وغيرهم من اللاجئين، منذ أن دعا الملك محمد السادس إلى احتضانهم والتخفيف من معاناتهم، وجعل البلاد أرضا للإقامة عوض أرض للعبور، على أن يستفيدوا من كافة الحقوق التي يتمتع بها المواطنون المغاربة، في انسجام كامل مع التزاماته الدولية والأخلاقية والدينية، إذ لم تتأخر السلطات المغربية خلال سنة 2014 في تسوية أوضاع ما لا يقل عن حوالي 25 ألف شخصا أجنبيا، صاروا اليوم متوفرين على جميع حقوقهم الإنسانية، ويمارسون طقوسهم الدينية بكل حرية.

ولا غرو أن يواصل المغرب مسيرته الإنسانية، إذ كما كان مقررا من ذي قبل بأن تشهد نهاية عام 2016 انطلاقة أخرى، بعد كل ما حققته المرحلة الأولى من نجاح باهر، وما ناله ملك البلاد من إشادة حولها من المنظمات والدول الأجنبية وقادة البلدان الإفريقية، خاصة أثناء زياراته الأخيرة. ووفاء بوعده، أعطى تعليماته بإطلاق المرحلة الثانية من إدماج الأشخاص في وضعية غير شرعية..

إن استهداف السلطات الجزائرية لاجئين ومهاجرين سود من إفريقيا جنوب الصحراء، ينم عن ميز عنصري مفضوح، فضلا عما يشكله من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، ومس بالمادتين 13 و14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حول الشغل والحق في التنقل واللجوء، في وقت كان يفترض فيه معاملتهم باحترام واستثمار قدراتهم في الاتجاه الصحيح، بدل إعادتهم قسرا إلى أوطانهم غير عابئة بما قد يلحقهم من أخطار. فالحفاظ على الحدود والسيطرة عليها، لا يعطيها الشرعية للاعتداء على المتسللين.