منوعات

عالم “الميتافيرس” .. تنافس محموم على شراء “عقاراته” الافتراضية

صاغ “نيل ستيفنسون” مصطلح “ميتافيرس” (Metaverse) في رواية خيال علمي منذ ما يقرب من 30 عامًا. وقد أصبح في السنوات الأخيرة طموح العديد من شركات التكنولوجيا الوصول إلى “الميتافيرس” لتمكين بيئات “الواقع الافتراضي” و”الواقع المعزز” الغنية والمترابطة عالميًا، التي ستتيح لمليارات الأشخاص العمل واللعب والتعاون والاختلاط بطرق جديدة تمامًا.

وفي الواقع، قد تكون “الميتافيرس” المنصة الرئيسة التالية في الحوسبة بعد شبكة الويب العالمية والجوال.

وهناك أسباب قوية للاعتقاد بأننا على أعتاب التحول الكبير في مجال الحوسبة؛ تحوّل سيمكّن الحوسبة الواقعية ذات التجربة الغامرة من الانتشار على نطاق واسع.

فالرسوم المتحركة التي تُنشأ بالحاسوب في الأفلام اليوم لا يمكن تمييزها تقريبًا عن لقطات الحركة الحية، كما توفر الألعاب اليوم تجارب رسومية واقعية، وشهدت شاشات الواقع الافتراضي والواقع المعزز تقدمًا سريعًا في السنوات الأخيرة، ليخلق ذلك تجارب غنية وغامرة على نحو لا يصدّق.

وارتفع الاهتمام بـ”الميتافيرس” منذ أكتوبر الماضي بعد قرار “فيسبوك” جعل هذه الفكرة مشروعها الجديد، وذهبت المجموعة إلى أبعد من ذلك بإطلاق تسمية “ميتا” على شركتها الأم.

ولاحظت المستشارة التكنولوجية للشركات التي ترغب في دخول “ميتافيرس”، “كاثي هاكل”، أن نقطة التحول الإستراتيجية “أتاحت لملايين الأشخاص اكتشاف المصطلح بأسرع بكثير” مما كانت تتوقع.

وأجبر الوباء الذي يحدث مرة واحدة في العمر كثيرين على الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية باعتبارها الطريقة الوحيدة للتواصل والتعاون والتعلم والحفاظ على حياتنا.

ما المطلوب لصنع “الميتافيرس”؟

كل ما هو مطلوب لوضع شخصين في بيئة افتراضية تمامًا هو صور رمزية مقنعة ومفصلة بملابس وشعر ولون بشرة واقعي، على أن تُقدّم جميعها في الوقت الفعلي، واستنادًا إلى بيانات المستشعرات التي تلتقط الكائنات الثلاثية الأبعاد والإيماءات والصوت في العالم الحقيقي. وتقوم هذه المستشعرات بنقل البيانات بنطاقات عالية جدًا وفترات انتقال منخفضة، وبنموذج يجسّد البيئة، قد يحتوي على عناصر حقيقية ومحاكاة.

والآن، تخيل حل هذه المشكلة على نطاق واسع -لمئات الملايين من المستخدمين في وقت واحد- بدلا من شخصين، وستدرك بسرعة أن البنية التحتية للحوسبة والتخزين والشبكات اليوم ليست كافية ببساطة لتحقيق هذه الرؤية.

ولتوفير هذه الإمكانات على نطاق واسع، ستحتاج البنية التحتية للإنترنت إلى تحديثات كبيرة.

ما مشروع إنتل للميتافيرس؟

يمكن تلخيص اللبنات الأساسية الخاصة بالميتافيرس التي تعمل عليها “إنتل” (Intel) في 3 طبقات، وهي تعمل بجد على هذا الأمر في العديد من المجالات الحيوية، حسب ما ذكره تقرير نشر على موقع الشركة.
فضمن طبقة الذكاء العليا، يركّز عمل “إنتل” على نموذج برمجة موحد وأدوات لتطوير البرمجيات والمكتبات المفتوحة لتمكين المطوّرين من نشر التطبيقات المعقدة بسهولة أكبر.

وتصف طبقة “ميتا أوبس” (meta ops) البنية التحتية التي توفر الحوسبة للمستخدمين بما يتجاوز ما هو متاح لهم حاليًا.

أما طبقة الحوسبة الوصفية فهي القوة الخام اللازمة لتشغيل هذه التجارب في بيئة “الميتافيرس”.

وتوفر معالجات “إنتل كور” (Intel Core) بعضًا من أفضل الألعاب منذ عقود من الزمن، وهي جيدة بوجه خاص في إنشاء العديد من ألعاب اليوم، وتجارب الواقع الافتراضي والمعزز (VR/AR)، والرسوم المتحركة الواقعية في الأفلام على أجهزة حاسوب ومحطات عمل تدعمها معالجات إنتل.

كما أن معالجات إنتل المتطورة ووحدات معالجة البنية التحتية وحلول الجيل الخامس تسدّ الفجوة بين السحابة والمستخدم، التي ستكون بالغة الأهمية للحوسبة الضخمة الموزعة التي تتطلبها شبكة الميتافيرس.

تتطلب هذه البنية الجديدة أكثر من ذلك بكثير، وتهدف بنية “إكس إي” (Xe) الجديدة إلى تسريع وتقديم هذه التجارب الثرية والشاملة لتوسيع نطاقها مع العميل، بما في ذلك “إنتل آرك ألكيميست جي بي يو” (Intel Arc Alchemist GPU) للألعاب والإبداع، و”بونتي فيكيو” (Ponte Vecchio) لتسريع الحوسبة العالية الأداء والتصور، وكلاهما سيكون متاحًا العام المقبل.

وفضلا عن منتجات إنتل لعام 2022 هذه، هناك خريطة طريق متعددة الأجيال لوحدات “إكس بي يو” (XPU) العالية الأداء.

وترى “إنتل” أن الحوسبة ذات التجربة الغامرة، التي تعمل على نطاق واسع ويمكن لمليارات البشر الوصول إليها في الوقت الفعلي، تحتاج إلى زيادة في الكفاءة الحسابية تبلغ ألف مرة من أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا اليوم.

وهناك العديد من التطورات عبر الترانزستورات والتعبئة والذاكرة والتوصيل البيني ستساعد على بلوغ هذا الهدف، وهي في طور الإعداد.

وشاركت “إنتل” بعض هذه التقنيات في مؤتمر “آي إي دي إم” (IEDM) الأخير، فضلا عن تحسينات الأجهزة، وهي تحتاج أيضًا إلى خوارزميات وهياكل برمجية جديدة للوصول إلى بيئة “الميتافيرس”.

إنترنت اليوم كان قادرًا على تغيير عالمنا لأنه بني على معايير مفتوحة، وتقول “إنتل” إنهم ملتزمون بتهيئة إنترنت المستقبل من خلال الاستفادة من معايير الصناعة الحالية وزيادتها وإنشاء معايير جديدة.
تنافس محموم على شراء “عقارات ميتافيرس”.

قد يبدو إنفاق ملايين الدولارات لاقتناء أراض افتراضية فكرة مجنونة، لكن الحماسة للعوالم الموازية يدفع بالمستثمرين إلى التعويل بشدة على قطاع العقارات الرقمية.

وأعلنت شركة “ريبابليك ريلم” في نيويورك قبل أسابيع أنها أنفقت مبلغاً قياسياً قدره 4.3 ملايين دولار لشراء أرض عبر “ذي ساندبوكس”، وهي منصة تتيح دخول عالم افتراضي يمكن للمشاركين فيه الدردشة واللعب وحتى المشاركة في الحفلات الموسيقية.

وعلى الموقع المنافس “ديسترالاند”، أنفقت الشركة الكندية “توكنز.كوم” المتخصصة في العملات المشفرة 2.4 مليون دولار في نوفمبر الماضي على شراء عقار.

وقبل ذلك بأيام، أعلنت دولة باربادوس الكاريبية الصغيرة أنها تعتزم إنشاء سفارة في “الميتافيرس”، وهي شبكة من المساحات الافتراضية المترابطة توصف أحياناً بأنها مستقبل الإنترنت.

وأظهرت قاعدة بيانات العملات المشفرة “داب” أن أكثر من 100 مليون دولار أنفقت أسبوع على مشتريات العقارات عبر مواقع “الميتافيرس” الرئيسية الأربعة وهي “ذي ساندبوكس” و”ديسنترالاند” و “كريبتو فوكسلز” و”سومنيوم سبايس”.

ورأت “هاكل” أن النشاط الكبير في السوق الذي يتفاعل فيه الملاك والمستأجرون والمطورون العقاريون لا يشكّل مفاجأة.

وقالت لفرانس برس إن هؤلاء يترجمون إلى العالم الافتراضي “ما يتقنونه جيداً” في العالم الحقيقي.

وشرحت “هاكل” أن هذه المواقع تحتاج إلى بعض الوقت لتصبح “ميتافيرس” حقيقية تتيح للمستخدمين استكشاف عوالم موازية من خلال خوذ الواقع الافتراضي، لكنّ العقارات الرقمية تشكّل منذ الآن أصولاً مالية، مثل العقارات الحقيقية نفسها.

وأضافت: “يمكن البناء عليها أو تأجيرها أو بيعها”.

واستحوذت “توكنز.كوم” على قطعة أرض مهمة عبر “ديسنترالاند” في “حي فاشن ستريت”، تعتزم المنصة تحويلها إلى وجهة للمتاجر الافتراضية للمجموعات الفاخرة.

وقال رئيس شركة “توكنز.كوم” “أندرو كيغيل”: “لو لم أجرِ أبحاثاً اكتشفت من خلالها أنها أملاك ذات قيمة عالية، لبدا ذلك جنوناً تاماً”.

التبضع وتنظيم الحفلات!

ورأى “كيغيل”، الذي عمل لمدة 20 عاماً كمصرفي متخصص بالاستثمار في قطاع العقارات، أن الأراضي الافتراضية تشكّل فرصة مشابهة لسلع العالم الحقيقي، إذ هي تقع في حي عصري ومزدحم.

وأوضح أنها “أماكن للإعلان والأحداث سيجتمع فيها الناس” ، مشيراً إلى مهرجان موسيقي حديث اجتذب 50 ألف زائر عبر “ديسنترالاند”.

وقد بدأت العلامات التجارية الفاخرة منذ الآن في دخول عالم “ميتافيرس”، إذ بيعت حقيبة يد من ماركة “غوتشي” مثلاً على منصة “روبلوكس” بأكثر من سعر نسختها المادية.

ويأمل كيغل في أن يصبح حي “فاشن ستريت” معادلاً لـشارع “فيفث أفينيو” (الجادة الخامسة) في نيويورك.

أما كيفية تحقيق الدخل ، فيمكن أن تكون “أمراً بسيطاً، مثل امتلاك لوحة إعلانية، أو معقداً مثل امتلاك متجر مع موظف حقيقي”، على ما أوضح.

وأضاف: “يمكن للزبون دخول المتجر بواسطة صورته الرمزية (أفاتار)، وإلقاء نظرة على نماذج ثلاثية الأبعاد لحذاء يمكنه حمله بيديه، ويستطيع أن يطرح الأسئلة” على البائع.

وكانت مطوّرة عقارية أثارت الاهتمام عام 2006 عندما باعت أرضاً في مقابل مليون دولار في العالم الافتراضي لـ “سكند لايف”، وهو موقع رائد في مجال “الميتافيرس.”

ولا يزال “سكند لايف” يعمل ، لكن مؤيدي منافسيه الجدد يشيرون إلى اختلاف رئيسي واحد.

فعلى “ديسنترالاند”، تحصل كل عمليات الشراء، سواء أكانت تتعلق بعقارات أو بأعمال فنية افتراضية ، من خلال تقنية الرموز غير القابلة للاستبدال (إن إف تي).

وأنفق بعض مستخدمي الإنترنت عشرات الآلاف من الدولارات على هذه الأشياء الرقمية، مما جعل هذا المفهوم يثير في آن واحد الحماسة والشك.

وتوقع “كيغل” أن تصبح الملكية الرقمية سائدة في السنوات المقبلة بفضل تقنية سلسلة الكتل (“بلوك تشين”) للتعاملات الرقمية، والتي تضمن أمان المعاملات وشفافيتها.

وقال: “أستطيع أن أرى تاريخ الملاك، وتكلفة السلعة المعروضة وكيفية انتقالها من شخص إلى آخر”. إلا أن الاستثمار ينطوي على مخاطر، من أبرزها تقلّب قيمة العملات المشفرة المستخدمة في شراء سلع “إن إف تي”.

ومع أن الحفلات الموسيقية الافتراضية على “روبلوكس” أو “فورتنايت” جذبت عشرات الملايين من الأشخاص الفضوليين، فإن ندرة البيانات الموجودة عن “الميتافيرس” تشير إلى أن استخدام المواقع المختصة بها ومنها “ديسنترالاند”، بعيد جداً عن الشبكات الاجتماعية القائمة مثل “فيسبوك” أو “إنستغرام”. وبالتالي، ستتوقف قيمة الاستثمارات العقارية في الميتافيرس على عدد الأشخاص الذين يزورون هذه المواقع.

وقال كيغل: “أعرف أن هذا الأمر قد يبدو غريباً قليلاً ولكن ثمة رؤية وراء كل ذلك”.

المصدر: مواقع إخبارية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *