أخبار الساعة

لماذا نربط بين الروائح والذكريات القديمة؟

يعتقد العلماء أن حاسة الشم والذاكرة مرتبطتان ارتباطا وثيقا، لأن تشريح الدماغ يسمح للإشارات الشمية بالوصول إلى الجهاز الحوفي بسرعة كبيرة، وهو جزء من الدماغ مسؤول عن استجاباتنا السلوكية والعاطفية.

في مقال لها على موقع “فيري ويل فاميلي ” (Very Well Family)، تقول الكاتبة “كلير جيليسي” إن الذكريات المرتبطة بالروائح تميل إلى أن تكون أقدم، ويتم التفكير فيها بشكل أقل، لكن في الوقت نفسه تظل تلك الروائح قادرة على استدعاء الذكريات.

وتعد ذكريات الطفولة الأكثر ارتباطا بالروائح، مثل روائح الطعام التي كانت تطهيها الأمهات، وذلك لأن “رائحة الذكريات السعيدة” لدينا ترتبط بصورة أكبر بسنوات العمر الأولى، في حين تنشأ الذكريات المرتبطة بالمعلومات اللفظية أو المرئية في مرحلة البلوغ المبكرة.

ونقلت الكاتبة عن “تيريزا إل وايت”، الأستاذة ورئيسة قسم علم النفس بكلية “لو موني” في “سيراكيوز-نيويورك”، قولها “غالبا ما يقول الناس إن حاسة الشم تستحضر الذكريات جيدا، لدرجة أنهم يشعرون كما لو كانوا يعيشون الحدث مرة أخرى. فشم رائحة الصلصة على سبيل المثال تجعلهم يشعرون كأنهم عادوا إلى منزلهم، يستمتعون بوجبة شهية”.

وقالت إن العديد من الدراسات نظرت عن كثب في العلاقة بين الروائح والذكريات القوية. وحددت دراسة -نُشرت في مجلة “بروغريس إن سيكولوجي” (Progress in Neurobiology)- أساسا عصبيا لكيفية تمكين الدماغ للروائح من إثارة ذكريات قوية.

واكتشف باحثون من جامعة كاليفورنيا في إيرفين أنواعا معينة من الخلايا العصبية داخل مركز ذاكرة الدماغ المسؤولة عن اكتساب ذكريات ارتباطية جديدة، أي الذكريات الناتجة عن عناصر غير ذات صلة، مثل الرائحة.

الجهاز الشمي والدماغ

كما نقلت الكاتبة عن “باميلا دالتون”، الأستاذة في علم النفس التجريبي بمركز “مونيل كيميكال سينسيس” (Monell Chemical Senses)  ، قولها إن تجربتهم مع الروائح تكون عادة عندما تكون الرائحة هي الخلفية أو السياق لشخص أو مكان أو حالة عاطفية. وعندما تكون هذه الأحداث مهمة أو بارزة، يمكن أن ترتبط الرائحة ارتباط وثيقا بالذاكرة لدرجة أن إعادة تجربة الرائحة غالبا ما تؤدي إلى إحياء المشاعر والذكريات القديمة المرتبطة بها.

ويبدو أن ارتباط الذاكرة العاطفية بالرائحة أقوى من التجارب الحسية الأخرى، ويرجع ذلك إلى قدرة الرائحة على الوصول إلى الهياكل الدماغية المركزية للنظام الشمي بالدماغ، والتي تتشارك مع نفس المنطقة المسؤولة عن تنظيم المشاعر والذكريات العاطفية.

نوع خاص من الذاكرة

ووجدت دراسة نشرت عام 2010 في المجلة الأميركية لعلم النفس، أن الذكريات المرتبطة بالروائح تميل إلى أن تكون أكثر إثارة للعاطفة.

وتنسب الكاتبة إلى “إل وايت” القول إن الذاكرة الترابطية يمكن أن تعمل بأي حاسة، والرائحة ليست استثناء. “تخيل أنك تسترخي دائما في حمام فقاعات ساخن برائحة اللافندر في نهاية اليوم، ستربط بين رائحة الخزامى (اللافندر) والشعور بالاسترخاء. هذا يعني أنه بمرور الوقت، عندما تشم رائحة الخزامى ولا تكون في الحمام، ستظل تشعر بالاسترخاء”.

قوة الرائحة

ووجد الباحثون أن الروائح يمكن أن تكون بمثابة محفز للذاكرة، مما يزيد من قدرتنا على تذكر المعلومات أو التعرف عليها. ففي دراسة الأستاذة دالتون للخريجين، كان لديها أشخاص يدرسون وجوه الغرباء في وجود روائح مختلفة.

وكشفت عن أن أفضل أداء للتعرف حدث عندما تم اختبارهم بنفس الرائحة التي كانت موجودة عندما رؤوا تلك الوجوه لأول مرة. وأكد عدد من الدراسات الأخرى نتائج مماثلة، أي أن الدراسة في وجود رائحة يمكن أن تساعد الفرد في تذكر تلك المعلومات.

ولعل ارتباط الإصابة بفيروس كورونا “كوفيد-19” بفقد حاسة الشم يدفعنا افتراضيا إلى توقع مشكلات بالذاكرة، ولكن حتى الآن، لم يقم أحد بدراسة الذاكرة على وجه التحديد بين الأفراد الذين فقدوا قدرتهم على الشم بعد الإصابة بالفيروس.

تقول “دالتون”: “يرتبط تدهور حاسة الشم بالضعف الإدراكي، ولكن هذا لأن الهياكل المركزية المشاركة في حاسة الشم يمكن أن تتأثر بالأمراض العصبية”.

وبحسب الكاتبة، فقد نأمل بمرور الوقت أن يكون لدينا فهم لجميع تداعيات فقدان حاسة الشم وتأثر الجوانب الإدراكية والعاطفية، بما في ذلك الذاكرة.

المصدر: الجزيرة (عن الصحافة الأمريكية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *