وجهة نظر

المتعلم وغياب ثقافة البوح

متعلم اليوم، رجل الغد. متعلمة اليوم، امرأة الغد. يقضي هذا المتعلم، سنوات عديدة بين جدراني قسمه، والمنهاج الدراسي ككل، قد بني عليه ليتم تفريغ محتويات عديدة في جوفه التربوي وكأنه صنع فقط لهذه الوظيفة، دون الأخذ بعين الاعتبار حاجيات المتعلم النفسية والمجتمعية ككل. تعلمات تلو أخرى !. امتحانات تلو أخرى وفروض تلو أخرى!. الكل منشغل بزمن إنهاء هذه التعلمات والكل غير منشغل بما يعيشه المتعلم في محيطه العائلي وغيره. المهم، هو معدل المتعلم واستعداد الأسرة للتباهي بمعدله وهي مستعدة للدفع من أجل هذا حتى ولو اقترضت(حصص إضافية، تعليم خاص، لوازم مدرسية، هواتف ذكية،الخ).

فهل فكرنا أن التعلم في حقيقة الامر ليس فقط محتويات ومعلومات على المتعلم حفظها لنقومه فيها ؟. هل علمنا هذا المتعلم كيف عليه أن يكون شجاعا ويحكي عما يعيشه مثلا من صعوبات قد تكون اجتماعية أو نفسية أو مادية ؟. هل علمناهم جميعًا كيف يبوحون ويصغون لبوحهم؟. كبرنا ولا نستطيع أن نبوح بهمومنا؟. سبب غياب هذه الثقافة النوعية التي يفتقدها العربي ككل، مدرستنا التي لا تعلمنا كيف نبوح، ولا تعلمنا كيف نصغي لمن يبوح، ولا تعلمنا قيمة وأهمية البوح، ولا تعلمنا لماذا علينا البوح ؟. ولا فائدة البوح؟. وظائف جديدة وعديدة تنتظرنا كمدرسين وكمدرسة وكمنظومة تربوية. ثقافة البوح من أجمل الثقافات التي علينا امتلاكها وتعلم استعمالها الصحيح لأهداف انسانية ووجدانية نبيلة.

العديد من المتعلمين لا يجدون ولا يعثرون على من من الممكن أن يبوحون لهم. وهو ما يسبب في الانحراف المبكر وتنامي ظاهرة العنف . في لغتنا العامية المغربية، نقول (غير سمعني ومتعطينيش)!. أن يبوح متعلم في زمن طفولي أوشبابي أو طلابي وفي حالة نفسية واجتماعية ووجدانية ، معناه أننا لقحناه ضد الانحراف والانجراف نحو العنف ونحو اهتزازت نفسية عديدة قد تلحق به العديد من الأمراض !. ثقافة البوح، وفي زمن مدرسي وتحت قيادة المدرس وبشكل جماعي ومنظم، فعل تربوي وإنساني خصب قد لا يكلف شيئا لكنه مفيد لبناء شخصية متعلم متوازنة وقادرة على المضي في طريق التحصيل واكتساب مناعة حياتية لها قيمتها الأبدية والنافعة للمتعلم ومجتمعه. البوح حاجة وضرورة تفرضها كل النظريات العلمية والطبية والنفسية والاجتماعية والتربوية والإنسانية والإبداعية.

العديد من مظاهر العنف المدرسي من الممكن التغلب عليها من خلال هذه الثقافة.العديد من التعثرات الدراسية من الممكن أيضا أن نتغلب عليها من خلال بوح المتعثرين. منافع عديدة قد نجنيها ونحن نعلم المتعلم هذه الثقافة الغائبة في المجتمع. مما يحول الحياة الى “طابوهات” يكون ثمنها مكلفا للجميع . السينما وثقافة الصورة أيضا من الممكن أن تكون نافعة لمدرستنا داخل القسم وفي لحظات التعلم، وليس مجرد أنشطة موازية بمناسبة عيد وطني أو ديني فقط.

فلماذا لا تعلمنا المدرسة ثقافة البوح ؟. متى من الممكن أن ندمج هذه الثقافة ضمن ما نبنيه من تعلمات؟. اصلاحات عديدة ومفيدة قد لا تكلف سنتيما واحدا إن نحن تمكنا من استيعاب فكرة الإصلاح باعتبارها فكرة مجتمعية تخص نوع المجتمع الذي نرغب فيه وخارج هواجس المقاربات السياسوية والتقنوراطية…

حينما نبني مدرسة عمومية منفتحة على ثقافة البوح وتوظيف الفنون كأدوات للتعلم، قد نكون وعينا بقيمة كيفية بناء الانسان من داخله!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *