آخر أخبار الرياضة، العمق الرياضي

جزر القمر.. منتخب عربي مغمور تحدى الظروف القاهرة وأبهر العالم بأداء تاريخي في “الكان”

في العادة، تحظى منتخبات كرة القدم بالدعم والمساندة في حال فازت في المباريات وتأهلت في المنافسات الكبرى، غير أن هذه القاعدة كسرها منتخب عربي مغمور لم يكن يعلم به كثيرون قبل بطولة كأس إفريقيا الحالية.

فقد حضي منتخب جزر القمر بحملة دعم وتشجيع وتضامن وتعاطف واسع على المستوى العربي والإفريقي وحتى العالمي، رغم إقصائه من ثمن نهائي كأس إفريقيا على يد منتخب البلد المنظم الكاميرون، مساء أمس الإثنين.

وأجمع محللون رياضيون وعشاق المستديرة على أن هذا المنتخب الذي يشارك لأول مرة في كأس إفريقيا، بصم على صمود تاريخي وأداء بطولي وروح رياضية عالية جعلته يدخل التاريخ الكروي الإفريقي من بابه الواسع بعد تأهله لدور الثمن وإحراجه لمنتخب البلد المنظم.

واعتبر متتبعون أن السبب الحقيقي وراء إقصاء منتخب جزر القمر ليس هو خسارته أمام الكاميرون بهدفين مقابل واحد، بل يكمن في إجراءات “الكاف” بشأن بروتوكول الإصابة بفيروس كورونا التي تثير الكثير من التساؤلات والجدل، وهي الإجراءات التي حرمت المنتخب من حراسه ومدربه وعدد من أبرز نجومه.

فبعدما تمكنوا من إقصاء بطل إفريقيا 4 مرات، المنتخب الغاني، في مباراة تاريخية في دور المجموعات، وضمان تأهلهم إلى ثمن النهائي، ارتفع سقف طموح القمريين من أجل خلق المفاجأة أمام البلد المنظم والوصول إلى ربع النهائي، غير أن أشياء غير منتظرة اجتمعت ضدهم وأخرجتهم من البطولة مرفوعي الرأس.

وخاض المنتخب القمري مباراته أمام الكاميرون بدون حُراسه الثلاثة وبلا مدرب، كما فقدَ عددا من لاعبيه عقب ثبوت إيجابية اختبارات الكشف عن كورونا في صفوف 12 فردا من طاقم الفريق، وهي الاختبارات التي أثارت جدلا في ظل تداول أخبار عن وجود شبهة تلاعب في مَسَحات لاعبي المنتخبات، في حين أن المنتخب الكاميروني هو الوحيد الذي لم يعاني لاعبوه من أي إصابة بالفيروس منذ بداية البطولة.

وفي مشهد نادر في كرة القدم، تحول المدافع شاكر الهدهور من لاعب إلى حارس بعدما رفض “الكاف” السماح للحارس علي أحمد بالمشاركة في المباراة رغم سلبية آخر مسحة طبية أجراها، مبررا ذلك باعتماد بروتوكول جديد، حيث اضطر الهدهور إلى ارتداء القفزات والتمركز في المرمى.

وينص البروتوكل الذي اتخذه “الكاف” قبل يوم واحد من مباراة جزر المقر أمام الكاميرون، على عزل اللاعب المصاب بكورونا 5 أيام، وعدم انضمامه للفريق إلا بعد مرور 48 ساعة من تعافيه، بعكس البروتوكول المعتمد في المباريات السابقة حيث كان يُسمح للاعب بالمشاركة فور تعافيه، بشرط خضوعه لفحوصات القلب.

وكما يُقال إن المصائب لا تأتي فرادى، فقد تضاعفت محنة القمريين عقب طرد حكم المباراة لعميد المنتخب نجيم عبدو في الدقيقة 7 من عمر اللقاء بعد العودة لتقنية “الفار”، وهو أسرع طرد في أمم أفريقيا الحالية، ما اضطر الفريق إلى إكمال المباراة بعشرة لاعبين طيلة 90 دقيقة (بما فيه 7 دقائق كوقت بدل ضائع في الشوطين).

ورغم كل هذه الظروف الصعبة، قدم المنتخب القمري أداءً بطوليا وكاد يخلق المفاجأة أمام البلد المستضيف، وتمكن من تسجيل هدف عالمي في شباك “الأسود غير المروضة” عبر تسديدة رائعة من قدم اللاعب يوسف مشنغاما، إذن وُصف الهدف بأنه الأجمل في البطولة، وهو ما جعله ينال لقب أفضل لاعب في المباراة.

وطيلة 97 دقيقة من الوقت الأصلي والضائع في المباراة، لم يستسلم القمريون واستماثوا في الدفاع عن حظوظهم إلى آخر رمق، وتمكنوا من خلق عدد من الفرص التهديفية، في حين خلق اللاعب الحارس شاكر الهدهور الحدث في المباراة بأدائه المتميز في حراسة المرمى والذي فاجأ الجميع، حيث لمس الكرة 52 مرة، ضمنها 42 تمريرة (28 تمريرة صحيحة بنسبة %67).

كما تمكن الهدهور، مدافع جزر القمر الذي فرضت عليه قوانين “الكاف” اللعب كحارس، من التصدي لأربع تسديدات قوية وإنقاذ مرماه من أهداف محققة. وفي لقطة مثيرة، أثار المدافع تعاطفا كبيرا من طرف الجماهير حين وضع يديه خلف ظهره مخافة لمس الكرة بيده أثناء هجمة كاميرونية ونسي أنه حارس، في مشهد اعتبره متتبعون “لقطة مؤلمة ستبقى عارا في جبين الكاف”.

من جانبه، الحكم الإثيوبي “باملاك تيسيما وييسا” الذي أدار المباراة، واصل البصم على الصورة السلبية و”الفضائحية” للتحكيم الإفريقي، فقد أعلن عن نهاية المباراة قبل انتهاء الوقت بدل الضائع المقدر بـ3 دقائق، في وقت كان فيه منتخب جزر القمر يقود هجمة مرتدة كان من الممكن أن تغير من النتيجة.

وعقب نهاية المباراة، أوضح الهدهور أنه حاول خلال المباراة اللعب كحارس ومدافع خامس، قائلا: “بذلت قصارى جهدى لزملائي وشعبي، واللعب كحارس مرمى أمر صعب جدا، أريد العودة للعب كمدافع مرة أخرى، والظروف أجبرتني على حماية عرين جزر القمر”.

ومن مفارقات المباراة، أن طريقة احتفال رئيس الاتحاد الكاميروني لكرة القدم، “صامويل إيتو”، بفوز فريقه على منتخب منقوص عدديًا ومحروم من حراسه ومدربه، أثارت سخطا كبيرا على منصات التواصل الاجتماعي، في حين لم تكن ملامح الرضا بادية على محيى وجوه لاعبي الكاميرون رغم فوزهم، مقابل روح إيجابية اتسم بها اللاعبون القمريون رغم الهزيمة.

وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، كما هو الحال بباقي البلدان العربية وعدد من الدول الإفريقية، بمنشورات وتفاعلات حول هذه المباراة، وسط تساؤلات عن جدوى التنافس في ظل الظروف الصعبة التي تُقلّل من حظوظ بعض المنتخبات المشاركة في كأس إفريقيا.

واعتبر معلقون مغاربة أن منتخب جزر القمر جاء إلى الكاميرون من أجل اكتشاف كأس إفريقيا والتعرف على المنتخبات المشاركة، في أول مشاركة له، فإذا بالعكس يحدث، إذ اكتشف الجميع قوة واستماثة وصمود هذا الفريق الذي يلعب الكرة بروح وطنية وقتالية عالية، مجمعين على أنه لا يستحق الإقصاء، وخرج من البطولة بشرف وكسب احترام الجميع.

يُشار إلى أن المباراة المذكورة انتهت فوز الكاميرون بهدفه مقابل واحد، حيث سجل لجزر القمر يوسف مشانغاما، فيما وقع للكاميرون “كارل إيكامبي” و”فينسنت أبو بكر” الذي أصبح ثالث لاعب يسجل أكثر من 5 أهداف فى أمم أفريقيا بعد النجم المصرى السابق حسام حسن، وبيني مكارثي، اللذان سجلا 7 أهداف لكل منهما في بطولة 1998.

وكان منتخب جزر القمر قد حقق المفاجأة إثر تأهله لثمن النهاية وإقصائه لمنتخب غانا، حيث تم اختياره ضمن أفضل 4 منتخبات احتلت المركز الثالث عقب احتلاله الرتبة الثالثة في المجموعة الثالثة بـ3 نقاط جمعها من فوزه أمام غانا، بعدما كان قد تلقى هزيمتين أمام كل من المغرب بهدفين لصفر، والغابون بهدف دون رد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *