تجار المآسي .. تسول ونصب وبيع باسم روح الطفل ريان

لعل من حسنات الفاجعة التي هزت قلوب الملايين عبر العالم، في الخمسة أيام الأولى من شهر فبراير الجاري، أنها أظهرت معدن بعض المسترزقين والمتسولين الذين يتاجرون بأرواح الآخرين للربح المادي، وجمع “اللايكات” والمشاهدات، ودولارات وحتى النصب المالي بفتح حسابات بنكية باسم الطفل الراحل ريان.
“لهطة” المشاهدات واللايكات
تفجرت قضية ريان بدءا من موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، لفتت أنظار الصحافة الرقمية، ليطلق المغاربة وسم “أنقذوا ريان”، لتتفجر القضية على الصعيد الدولي وتلقى تعاطفا كبيرا. حدث حبس الأنفاس وأبكى قلوب الصغار والكبار، وتوحدت الألسن على دعاء واحد “اللهم أنقذ ريان ورده سالما غانما إلى أهله”.
وسط هذا الكم من التضامن الإنساني وطنيا ودوليا، ظهر بعض ممن يلقبون أنفسهم بـ”المؤثرين” أو “اليوتوبرز” وأصحاب صفحات “فيسبوكية” يتابعها الآلاف، الذين سارع عدد منهم إلى مكان الحادث، ليس تضامنا بقدر ما كان هدفهم التصوير لرفع عدد المشاهدات، وهو ما جاء على لسان “يوتوبر” بعين المكان عندما سألتها صحافية لما أنت هنا؟ فأجابت بالحرف “جيت من مدينة فاس عندي قناة على اليوتيوب وبغيت نطلعها شوية”.
حسابات بنكية وتجارة الكترونية باسم ريان
وفي الوقت الذي كان الطفل ريان لايزال يقبع في قاع الجُب يصارع الموت، وانتباه المغاربة والعالم مشدود إليه وأعصاب الأسرة على أحر من الجمر لإخراج طفلهم، نشر أحد الشباب صورة له مع والد الطفل ريان، ووضع وثيقة تحمل اسمه ورقم حساب بنكي، معلقا عليه “حساب أب الطفل ريان لمن أراد المساعدة”، فانهالت عليه تعليقات من قبيل “كيف لأب ينشغل باله مع طفله القابع في الثقب أن يفتح حسابا بنكيا في هذه الظروف”، وآخرون علقوا بأنه “نصب واحتيال باسم عائلة الطفل ريان”.
كذلك لم تسلم قضية الطفل ريان من وحشية الرأسمالية، إذ سارع الكثيرون إلى طبع صورة الطفل على أقمصة وعرضها على متاجر الكترونية، اختلفت مبالغ بيعها، حسب الألوان وشكل الصورة، هناك من عرضها ب32 دولار و30 دولار و21 دولار 17 دولار. ولم يحدد أصحاب هذه الأقمصة، ما إن كان هدفهم بالفعل هو جمع التبرعات لصالح عائلة ريان، بينما فتحت مواقع الكترونية أجنبية حسابات على الانترنت لجمع التبرعات، كتب عليها أنها ستقدم لعائلة ريان.
انزلاق مواقع صحافية
لم تختلف بعض المواقع الالكترونية الصحافية كثيرا عن ما قام به بعض المؤثرين لربح اللايكات ورفع عدد المشاهدات، إذ وقعت هذه المواقع في “فخ البوز” ونشرت فيديوهات بعناوين مثيرة والإشارة بعبارات حصري وعاجل ومعلومات مغلوطة، رغم أن القضايا الإنسانية، والقضايا التي ينتظر الناس أخبارها بترقب وعاطفة كبيرة تكون فيها المصداقية ودقة المعلومة أهم من السبق الصحفي أو الإثارة.
المجلس الوطني للصحافة، تابع هذا الانزلاق “الخطير” لمواقع إخبارية”، وأصدر بلاغا ينبه فيه إلى خطورة تجاوز هذه المواقع لقواعد أخلاقيات مهنة الصحافة، لأن اللحظة إنسانية بامتياز لا تتحمل المزايدات. كما دعت النقابة الوطنية للصحافة المغربية عموم المراسلين والصحافيين المتواجدين بمكان الحادثة وكذا كل المواقع والمنابر المهنية إلى التحلي بأخلاقيات المهنية التي تفرض التثبت من الخبر قبل إعلانه، والابتعاد عن العناوين والجمل التي تحفل بالإثاة و انتقاء المحاورين ممن تتوفر فيهم الأهلية، والابتعاد عن محاورة وتصوير القاصرين.
اترك تعليقاً