مجتمع

طبيب نفسي.. لهذه الأسباب يرتمي الشباب في حضن التطرف

حوار مع الدكتور محمد سعيد الكرعاني، طبيب مختص في الطب النفسي بمستشفى سيدي حساين بورززات، يناقش ظاهرة التطرف من الزاوية النفسية، والعوامل النفسية المؤثرة في استقطاب الشباب للتطرف.

حاوره مصطفى فاتيحي – العمق المغربي

هل من قراءة نفسية لظاهرة التطرف؟

التطرف كاختيار فكري أو سلوكي أو هما معا,انما ينم أساسا عن اضطراب في الشخصية. فمعلوم من الناحية النفسية أن حالة السواء تقارب على ثلاث مستويات..السواء الاحصائي و السواء النظري و السواء الوظيفي, والتطرف حينما نخضعه للدراسة النفسية يتجلى لنا مقدار الاضطراب الكبير الذي تعيشه الشخصية المعنية بهذا الامر.

ما هي الاضطرابات الشخصية الأكثر عرضة للتطرف؟

هناك خصائص مشتركة بين الأفراد المعرضين للتطرف ,من أهمها سرعة التأثر العاطفي بالغير,مما يجعل هذا الصنف من الشخصيات يتبنى أفكارا حدية بسرعة كبيرة بل ومن الممكن أن ينتقل بنفس السرعة الى مضمون فكري مناقض للأول وهنا مكمن الخطورة,اذ يصبح الفرد في هذه الحالة صيدا سهلا لصنف آخر من الشخصيات والتي تشكل القيادة ومن خصائصها أنها ذات أحلام –طموحات شديدة الغرابة ( السيطرة على العالم…الحرب الكونية….).

من الملاحظات المتكررة على لسان الأسر التي كانت ضحية للتطرف، أن أبنائهم كانوا مثالا في اللطف ولا يكاد يسمع لهم رأي أو اعتراض، مما يصيب الجميع بالصدمة عند بروز المعني بالأمر بوجه متطرف غير متوقع. هل من تفسير نفسي لهذا الأمر؟

في هذه الحالة ,الأمر لا علاقة له باللطف و “الدروشة” …نحن هنا بصدد مفهوم مركزي لفهم الظاهرة..اننا بصدد التقدير الذاتي المنخفض.فمعلوم من الناحية النفسية أن كل انسان له صورة عن نفسه..انطباع حول شخصه …موقف من ذاته…و هذا هو ما يصطلح عليه عند أهل الاختصاص بالتقدير الذاتي,و هو شديد الأهمية في الحياة النفسية للفرد و له تجليات في كل جوانب حياتنا تقريبا.نراهمتجليا في علاقتنا بالجسد ( موضوع الموضة و الملابس…الجراحة التجميلية..)… نراه في علاقتنا بالآخرين احتراما أو خوفا أو احتقارا…نراه أيضا في اختياراتنا الفكرية و السياسية …فهذا الشاب ذو التقدير الذاتي المنخفض ,الذي يحمل صورة عن نفسه عنوانها ,أنا شخص فاشل..وجودي بلا قيمة.. حين يصادف أطروحة فكرية أو سياسية تقول له .. أنت مشروع شهيد,أنت بطل سيخلص العالم من الشر,أنت وحدك تملك الحقيقة الكاملة…كيف سيكون حاله؟..نكون هنا ازاء علاج خاطئ لمشكلة نفسية.أي أن هذا الشاب سيشعر بانتعاشة لتقديره الذاتي,ربما سيشعر أنه ولد من جديد و أن حياته بدأت للتو.

فالتطرف يصبح في هذه الحالة وعدا بحياة جديدة لهذه الذات التي كانت نسيا منسيا فأصبحت بين عشية وضحاها ذات البطل المخلص ,مشروع الشهيد.

فالتطرف هنا احساس بالمفاصلة و التميز و شعور بالإنجاز الذي ظل غائبا لمدة طويلة.ومعلوم أن الانسان مجبول على حب الانجاز,فان لم تتح له الفرصة لينجز في اتجاه البناء فسينجز في اتجاه الهدمكما يقول فيليب جامي.

اذا كان التقدير الذاتي بهذه الأهمية, فهل لنا من قدرة على التأثير فيه، وهل للتربية الأسرية من دور؟ هل للمجتمع ومؤسساته من دور في تشكيله؟

لحسن الحظ نعم…من خصائص التقدير الذاتي أنه قابل للعلاج و قبل ذلك هو ركن في مجال الوقاية من السلوكات الخطرة كالادمان و العنف المدرسي و شغب الملاعب و التطرف.

المختصين في التقدير الذاتي يقسمونه الى أربع عناصر هي مجال الوقاية و هي مجال العلاج..

1-الشعور بالأمان

2-الشعور بالانتماء

3-الشعور بالهوية الذاتية

4-الشعور بالكفاءة…

العمل على هذه العناصر الأربعة هو الأرضية الخصبة لبناء تقدير ذاتي جيد و صمام أمان أمام السلوكات الخطرة.غير أن ذلك في ظروفنا الحالية يحتاج الى تكوين كفاءات قادرة على تعميم الوعي بالموضوع و تزويد الآباء و المدرسين بالمعرفة و المهارة اللازمتين.و من الجديربالذكر أن ننبه الى أن دولا سبقت لهذا الأمر استشعارا منها للتهديد الذي يحمله المستقبل لو تركت الأمور تتطور من تلقاء نفسها..أذكر على سبيل المثال المجلس القومي الأمريكي للتقدير الذاتي و الجمعية الكندية للفاعلين في مجال التقدير الذاتي…القضية جادة و ليست من الترف الفكري أو الرفاهية الزائدة.

من بين أركان التقدير الذاتي الأربعة، ذكرت الشعور بالانتماء، ماذا تقصد بذلك؟

الحاجة الى الانتماء مسألة أساسية من الناحية النفسية,فهي ذلك الشعور بانتمائك لمجموعة كبرى تتبادل معها التعاطف و الولاء…وعلى قدر اتساع دائرة الانتماء على قدر الظفر بالمعنى, أما الفرد المستهلك, المفصول عن الانتماءات الكبرى فيعتبر أرضية خصبة لحياة بلا معنى كما يقول عالم النفس الأمريكي مرتان سليغمان في معرض حديثه عن أزمة الانتماء التي يعيشها المراهق الأمريكي…وأقول ان الأمر ينطبق على الجميع دون استثناء…نحن أيضا نلمس بوضوح معالم أزمة انتماء تجتاح الأجيال الصاعدة..

أين تتجلى أزمة الانتماء هذه وهل لها علاقة بالتطرف؟

أزمة الانتماء تتقمص وجهين لعملة واحدة…الوجه الأول هو غياب الانتماء و هو الذي أشار اليه (مرتان سليغمان) أما الوجه الثاني فهو مشكلة الانتماء المرضي (بفتح الميم) أي حين يصبح الانتماء مفضيا الى الغاء حق الآخرين في انتماءات مغايرة…هنا ينتعش التطرف و يتكاثر.اذن فعلى قدر حاجتنا الى الانتماء الذي يعزز التقدير الذاتي,على قدر حاجتنا الى توجيه هذه الخاصية النفسية الأصيلة حتى لا تتحول الى نزعة اقصائية تغذي نعرات الكراهية و الانقسام المجتمعي…