خارج الحدود

في ظل مبادرة تشريعية لتشديد عقوبته .. ضرب الزوجات يثير جدلا في مصر

أثار تقدم برلمانية مصرية بمشروع قانون يطالب بتغليظ العقوبة على الزوج الذي يضرب زوجته جدلا سياسيا ودينيا وقانونيا وضع شيخ الأزهر وسط عاصفة من الانتقادات اضطرت أعرق مؤسسة دينية في البلاد إلى التفاعل مع موضوع حساس في الثقافة المصرية، خاصة وأن مشروع القانون يطالب بأن تصل عقوبة الزوج المعتدي إلى السجن لمدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات.
وفي أغسطس (آب) سنة 2019، كشف تقرير المجلس القومي للمرأة بمصر أن 8 ملايين سيدة مصرية تتعرض للعنف، و86 في المئة من الزوجات يتعرضن للضرب.

وحسب “”،اندبندنت عربية، فقد أعقب تقدم النائبة أمل سلامة بمشروع القانون الحديث عن الحكم الشرعي لضرب الزوجة، ما أعاد تداول تصريحات منسوبة إلى شيخ الأزهر أحمد الطيب، ببرنامجه التلفزيوني قبل نحو 3 أعوام، والتي قال خلالها، إن هناك فرقاً دقيقاً بين ضرب الزوج للزوجة “الناشز”، وأن يلجأ الرجل إلى ذلك إذا تأكد له أنه الدواء الوحيد لعلاج “نشوز المرأة”، متابعاً أنه “يُباح للرجل اللجوء إلى ضرب زوجته من منطلق أنه علاج لنشوزها”.

هجوم على الطيب

وحسب نفس المصدر، قوبل موقف شيخ الأزهر بهجوم شديد خلال الأيام الماضية، خصوصاً من المجلس القومي للمرأة، الذي حمله مسؤولية الانتهاكات التي تتعرض لها السيدات. فقالت رئيس المجلس، مايا مرسي، في تصريحات تلفزيونية، “لو فهم أي شخص حديث شيخ الأزهر بأنه تصريح لضرب زوجته يبقى حقوقنا في رقبة شيخ الأزهر”، مؤكدة رفضها استخدام العنف لتعديل أو تهذيب سلوك المرأة. وأضافت أن ذلك “نتاج فهم ناقص للدين الإسلامي ويتعارض بشكل قاطع مع الدستور المصري”.
ولم يهدِّئ من ذلك الهجوم، نشر الصفحة الرسمية لصحيفة “صوت الأزهر” على “فيسبوك”، مقطع فيديو للطيب لاحق على التصريحات السابقة، يؤكد فيه أنه يتمنى “أن أعيش لأرى تشريعات في عالمنا العربي والاسلامي تجرم الضرب”، مؤكداً انفتاح الأزهر على النقاش في هذا الأمر بين العلماء، معتبراً أن ضرب الزوجة يسبب لها أذى نفسياً ينعكس سلباً على الأسرة.

الأزهر يقطع الشكوك

وجدد الأزهر تأكيد موقفه وقطع الشكوك ببيان من لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر، وهي أكبر هيئة فقهية في مصر. وقالت لجنة البحوث، إنه من المعلوم شرعاً أن العلاقة الزوجية تقوم على السكن والمودة والرحمة، وتوجب على الزوج أن يعاشـر زوجته بالمعروف، مشيرةً إلى أنه “وإن كان ضرب الزوجة بشروط مباح، فمن حق ولي الأمر تقييد استعمال هذا المباح”، مؤكدة إمكانية مشاركتها في طرح قضية الضرب عموماً كقضية اجتماعية عامة، وليس للزوجة الناشز فقط، ولكن بشكل مطلق، معتبرة أن “الضرب إهانة، تسبب للإنسان عُقداً نفسية قد لا تفارقه حتى يدخل قبره”، وهو ما قد يكون مقدمة لدعم الأزهر المقترحات البرلمانية بتغليظ عقوبة مرتكب العنف الزوجي.
واتخذ مفتي الديار المصرية شوقي علام موقفاً مشابهاً، حيث أكد أن النبي محمد (ص) لم يضرب أحداً قط كما روت عنه زوجته السيدة عائشة، مؤكداً أن المنهج الصحيح لتعامل الرجل مع زوجته يجب أن يأتي اقتداء بالسيرة النبوية، وإقامة الحياة الزوجية على مبدأ المودة والرحمة.

الحفاظ على الأسرة

بدورها، أكدت النائبة أمل سلامة، مقدمة اقتراح القانون لتغليظ العقوبة في جرائم العنف الأسري، لـ”اندبندت عربية”، أن اقتراحها للتعديلات “جاء بعد ارتفاع حوادث العنف الأسري وفقاً للإحصائيات الرسمية”، مشيرة إلى أن دوافعها في القانون هي “حماية حقوق الإنسان والحفاظ على الأسرة المصرية في حالتها السوية السليمة، وعقاب المستغلين لضعف عقوبات القانون الحالي”.
وعن تصريحات شيخ الأزهر بخصوص ضرب الزوجة، قالت البرلمانية، إنها تثق تماماً في “رجاحة عقل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب”، لافتة إلى “وجود مغالطات في فهم تعليقه عن الواقعة، إلى جانب أن الشريعة الإسلامية تحرم الإيذاء البدني أو الإهانة وأساس العلاقات الزوجية في الدين قائمة على المودة والرحمة”.

وكشفت سلامة عن أنها أخذت الرأي الديني بشأن تعديلاتها على القانون الجديد، “بمشاركة علماء من الأزهر وعلى رأسهم الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية المصرية السابق، والذي أكد أن القانون لا يتعارض في مجمله مع جوهر الشريعة الإسلامية”.
وفسرت عضو مجلس النواب المصري، اقتراحها لتغليظ العقوبة ضد العنف الأسري، بأن نصه “سيحدد حالات العنف بالإصابات التي قد تؤدي إلى عجز يستمر لمدة 21 يوماً على الأقل، تحسباً لمحاولات البعض للتحايل على القانون، ورداً على ادعاءات بأن التعديل الجديد سيفتح أبواباً لتفكك الأسرة المصرية”.

“الإفتاء المصرية” تخرج من عباءة الأزهر

ولفتت البرلمانية إلى وجود إشكالية قانونية متمثلة في المادة 60 من قانون العقوبات المصري، قالت إنها تُستخدَم في إفلات كثير من الأزواج من العقاب على ضرب زوجاتهم. وتنص المادة أنه “لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتُكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة”.

تغليظ العقوبة

وأوضحت سلامة أن مشروع القانون الجديد تضمن تعديلات على نص المادة 242، من قانون العقوبات، وتنص على أنه “إذا حصل الضرب أو الجرح من الزوج للزوجة كانت العقوبة الحبس الوجوبي لمدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 5 سنوات”، بدلاً من ذكر عقوبة الحبس فقط من دون تحديد مدتها، وإذا حصل الضرب أو الجرح باستعمال أي سلاح أو عصي أو آلات أو أدوات أخرى، أو حصل الضرب أو الجرح من الزوج لزوجته كانت العقوبة الحبس الوجوبي لمدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 5 سنوات.

قانون يفكك الأسرة

في المقابل، اعتبر الدكتور عبد الشافي أحمد، أحد علماء الأزهر الشريف، في تصريح لـ”اندبندت عربية”، أن “اللجوء إلى إصدار تشريعات وقوانين لمعاقبة الزوج بحبسه سيؤدي إلى تفكك الأسرة المصرية”، مشدداً على “ضرورة التمهل في إصدار القوانين في قضايا الأحوال الشخصية، والتي من الممكن استغلالها كباب خلفي لابتزاز الزوج”.
وعن الخلاف بين العلماء حول إباحة الضرب، قال عبد الشافي، إن “النص واضح والبعض يستغله لتأويل أشياء غير موجودة وينسبها إلى الدين من دون فهم لتفسير الآية”، مشيراً إلى “وجود فرق بين الإباحة والأمر، أو حتى الضرب بصورة وحشية بها نوع من الإذلال والتحكم، وهو بالطبع تصرف يرفضه الدين الإسلامي”، مشيراً إلى أن “سُنة النبي تحث على عدم اللجوء إلى العنف، لأنه لم يضرب أحداً في حياته”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *