وجهة نظر

حملة ضد “كانبغيك” و”توحشتك”!

لم تتوقع شركة بسكويت مغربية ردود الفعل القوية التي أثارتها سياستها التسويقية الجديدة بوضع عبارات عاطفية على أغلفة بعض منتوجاتها. ولم يخطر على بال مهندسي الماركوتينغ في شركة “ميرندينا” التابعة لشركة “بيمو” أن يصنف قطاع من المغاربة عبارات “كانبغيك” و”توحشتك” عبارات “خادشة للحياء”. ومن المتوقع أن تشكل الدعوة إلى حملة مقاطعة موادها في مواقع التواصل الاجتماعي عبر هاشتاغ “مقاطعة ميرندينا” صدمة تثير في أدهان مسؤوليها تجربة سابقة لمقاطعة كادت أن تدمر منتجات ثلاث شركات كبرى.

وإذا كانت الشركة حرة في إبداع ما تشاء في خطابها التجاري الذي يستهدف الشباب، وإذا كان المغاربة أيضا أحرارا في التعبير عن مواقفهم من تلك “الإبداعات” والدعوة إلى مقاطعتها أو مساندتها تعبيرا عن يقظتهم الاجتماعية ومسؤوليتهم تجاه ما تطرحه عليهم مختلف الشركات من منتجات هم من سيؤدون ثمنها، فإن أسئلة مقلقة تفرض التوقف عند النازلة، لا لتقييم توجه تلك الشركة التجاري ولا لتقييم المواقف المختلفة من ذلك، بل للوقوف عند دلالاتها الثقافية.

من الناحية العامة ليست شركة “ميرندينا” أول من اعتمد عبارات عاطفية على أغلفة منتوجاتها أو في وصلاتها الإشهارية، فاللوحات الإشهارية لشركات الاتصال مثلا سلكت نفس المنحى التسويقي، وزاوجت بين الصورة والعبارة في استهدافها للشباب عموما والنساء بشكل خاص، ومنها من كانت مباشرة في التعبير عن تسهيل الهاتف والأنترنيت للمواعدة بين الجنسين من الشباب. غير أن ذلك لم يثر ردود فعل بمثل الحجم والنوع الذي أثارته عبارات البيسكويت الأخيرة.

لا يعني ما سبق أن ثمة استهداف أو مؤامرة ضد شركة ميرندينا، بقدر ما قد يكون تعبيرا عن سوء حظها في دخول منتوجها طاحونة مواقع التواصل الاجتماعي من بوابة حساسة تتعلق بتهمة “خدش الحياء” بمنتوجات تستهدف الشباب.

فيما يبدو، راهن “ذكاء” الشركة على أجواء مناسبة “عيد الحب” الذي يحتفل به على نطاق واسع بين شباب المغرب وعبر العالم في 14 فبراير من كل سنة، لتسجل ما تهدف إليه من اختراقات جديدة في سوق الشباب والنساء، وربما استهانت بقطاع المغاربة الرافضين لتلك المناسبة، معتبرينها مؤامرة لإفساد الشباب وتخريب الأسر والعلاقات الاجتماعية، مما يجعل لهم حساسية مفرطة لكل ما من شأنه أن يصب الزير على نيران ذلك “العيد”.

وفي التقدير، سياق “عيد الحب” وما يلازمه من ديناميكية رافضة، هو الذي جعل لعبارات ميرندينا حساسية مفرطة.

وبالرجوع إلى تلك العبارات التي اعتمدتها الشركة في تسويق منتوجها، ونظرا لطبيعة المصطلحات التي أثارت ردود فعل تطالب بمعاقبتها، تثار أسئلة قاسية تفرض نفسها: هل يتعلق الأمر بالدفاع عن القيم؟ أم بتعبير عن وعي مزيف وجفاف عاطفي؟

وقبل التسرع في تسجيل ردود فعل أقسى عن مجرد طرح السؤالين السابقين دعونا نتفحص الموضوع من قريب.

المحور الرئيسي الذي تدور حوله النازلة هو وسم العبارات المعتمدة في الخطاب التجاري لشركة ميرندينا بكونها عبارات خادشة للحياء. فما الخادش للحياء في عبارة “كانبغيك” والتي تعني أحبك؟ وما الخادش للحياء في عبارة “توحشتك” والتي تعني اشتقت إليك؟

يمكن القول إن الشركة لو اعتمدت نفس العبارات قبل 3 أشهر أو أربعة لما أثار ذلك أية ردود فعل من الحجم والنوع المثار حاليا. ولكن حين نستحضر سياق عيد الحب وما يرافقه من مواقف قيمية وأخلاقية وثقافية، ندرك ما يصبح لتلك العبارات من حمولة تعطيها حساسية زائدة.

الحب والاشتياق معان راقية، وتعبير عن قيم إنسانية نبيلة، وعناوين تربية وحالة نفسية صحية متوازنة. ورغم ما تعبر عنه من معان جميلة وراقية، فإن مجتمعنا يعاني من شح فظيع في ثقافتها، سواء بين الأزواج أو بين الآباء والأبناء، أو في مختلف أبعاد العلاقات الاجتماعية، لتصبح بالعكس عبارات تثير حساسية اتهامية.

وحين نثور ضد تداول تلك العبارات على غلاف منتوج تجاري، ماذا تكون الخلفيات وراء مواقفنا؟ هل نجرم تداولها بشكل عام؟ أم نجرم تداولها فقط في سياقات خاصة وبين فئات محددة؟

وهنا نسجل أربع ملاحظات كبرى:

الملاحظة الأولى والأساسية، أن تلك العبارات لا يكون لها معنى يمكن تَفَهُّم تسجيل ملاحظات عليه إلا في سياق واحد، وهو حين يقدم شخص لشخص من الجنس المخالف له حبة ميراندينا تحمل العبارة التي يريد لغلاف البيسكويت أن ينوب عنه لتبليغها إلى مخاطبه، والذي عليه أن يقرأها، ويفهمها كرسالة! وفي غير هذا فليس لتلك العبارات قيمة تواصلية أخرى بمجرد أنها مكتوبة على غلاف أي منتوج تجاري. وفي هذا الصدد سيكون من المبالغ فيه تنظيم ثورة مقاطعة شراء حبات البيسكويت!

الملاحظة الثانية إن المتحابين من الشباب والعاشقين بينهم، لا ينتظرون من “ميرندينا” أن تكتب عبارات “كانبغيك” و”وتوحشتك” على غلاف منتوجاتها، لينسجوا أي شكل من أشكال علاقات الحب بينهم. وذلك المنتوج لن ينشئ علاقات لم تكن فقط لأنه يحمل تلك العبارات مكتوبة.

الملاحظة الثالثة، هذا حين نتحدث عن الشباب والمراهقين، أما إذا تحدثنا عن الأطفال فإن كل مخاوفنا قد تصنف مجرد لغو لا فائدة منه، فالذي يثير الانتباه في أغلفة المنتجات ليس العبارة المكتوبة، بل “العبارة المصورة”، والأطفال الذي سيستهلكون ميراندينا مكتوب عليها “كانبغيك” و “وتوحشتك” مثل الأطفال الذين يستهلكونها قبل أن تحمل تلك العبارات، أطفال تربطهم بذلك المنتوج عناصر أخرى غير تلك العبارات.

الملاحظة الرابعة، في التقدير لو لم يتم تسليط الضوء على تلك العبارات بهذا الشكل لما أثارت الانتباه، فكيف بأن يكون لها أي دور يمكن أن يوصف بكونه “غير أخلاقي” أو “خادش للحياء”.

إن اليقظة الاجتماعية أمر مهم جدا في الحفاظ على القيم الاجتماعية وحمايتها، غير أن بعض التعبيرات عن تلك اليقظة، حين لا تختار موضوع معركتها بشكل جيد وفعال، قد تسقط في نقيضها. وبالرجوع إلى أغلفة ميراندينا، فإذا صمدت الشركة أمام الدعوات التي تطالبها بإزالة تلك العبارات عنها، فإن تلك المنتوجات سوف تتحول فعلا إلى “منتوجات علاقات اجتماعية”، وسوف نكرس صورة نمطية حول ذلك المنتوج كـ”مرسول الحب”، وسيتم اقتناؤه بعد ذلك ليس للاستهلاك الشخصي بل لاعتماده كهدايا، وهكذا نحوله من منتوج استهلاكي إلى منتوج علاقات اجتماعية يصنفها دعاة مقاطعة ميرندينا على أنها “خادشة للحياء”!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *