خارج الحدود

بعد حل “مجلس الديانة الإسلامية”.. هل تتجه فرنسا لتهميش الدين الاسلامي؟

فرنسيون في وقفة سلمية

بعد 20 عاما على تشكيل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وتمثيله للجالية المسلمة في البلاد، واعتباره المحاور الرسمي عنها للدولة، طوت السلطات صفحته وأعلنت عن وفاته، وذلك من خلال قيامها بتأسيس هيكل جديد حمل اسم “منتدى الإسلام في فرنسا”.

وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان أعلن في ديسمبر/كانون الأول الماضي أن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية قد “مات”، خاصة بعد الشلل الذي أصاب تركيبته وأجهزته نتيجة الصراعات الداخلية وتدخلات الدول الأجنبية.

وأما محمد موساوي رئيس المجلس الذي انتهت ولايته في 19 يناير/كانون الثاني الماضي فقد صرح في وقت سابق أن هذه المؤسسة “لم تعد قابلة للاستمرار” وينبغي أن تحل نفسها، ولكنه في المقابل شدد على الدور الكبير الذي لعبه المجلس على مدى سنوات.

وكان المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي يعرف باسم “سي إف سي إم” (CFCM) قد تأسس العام 2003 من قبل وزير الداخلية آنذاك نيكولا ساركوزي، وشكل لمدة عقدين المحاور الرسمي والوحيد للسلطات الفرنسية وهو مؤلف من حوالي 10 اتحادات مساجد غالبيتها قريبة من الدول الأصلية للمصلين فيها مثل الجزائر والمغرب وتركيا.

وتفيد آخر الأرقام الرسمية المقدمة من السلطات بوجود 2500 مسجد في فرنسا، غير أن أقل من 50% فقط منها منضوية في المجلس الفرنسي للديانة الفرنسية، كما ينشط نحو 400 إمام مسجد على التراب الفرنسي، وفق ما صرح به محمد حنيش رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية في منطقة باريس.

وأضاف حنيش للجزيرة نت أن هؤلاء الأئمة يتوزعون بين 120 إماما جزائريا و30 مغربيا و150 من تركيا.

وفي الأسبوع قبل الماضي اجتمع نحو 100 من الشخصيات الفاعلة وممثلي الديانة الإسلامية، وبحضور وزير الداخلية جيرالد دارمانان المكلف بالعلاقات مع الديانات، في إطار “منتدى الإسلام في فرنسا” الهيئة الجديدة التي شكلتها الدولة لضمان تمثيل أكثر شرعية وفاعلية لثاني أكبر ديانة بالبلاد.

ومن ناحيته لفت شمس الدين حفيظ عميد مسجد باريس الكبير الى أن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية فقد قيمته وخصائص وجوده منذ فترة ولم يعد له مكان فعلي كممثل رسمي لمسلمي فرنسا، ولذلك “فإعدامه من قبل السلطات هو أمر متوقع وطبيعي”.

وأضاف للجزيرة نت “أن المجلس في الفترة الأخيرة لم يعد يرقى لتوقعات الجمعيات الإسلامية والفاعلين في الشأن الإسلامي في فرنسا الذين خرجوا منه وهجروه من دون رجعة، ولذلك كان لابد من ظهور هيكل جديد ليخدم قضايا المسلمين في فرنسا”.

الإسلام القنصلي

وفي تصريحات إعلامية محلية الأسبوع الماضي لفت وزير الداخلية الفرنسي دارمانان مرة أخرى إلى “التدخل القوي للغاية من الدول الأجنبية” في شؤون هذه المؤسسة، وأكد أنه “لا يمكن قبول ذلك”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن “المجلس لم يعد يقوم بدوره رغم أنه عاش فترة من الزمن، وحاول القيام بشيء إيجابي”.

في حين لاحظ عميد مسجد باريس أن قضية الإسلام القنصلي -في إشارة إلى تجاذب البعثات الدبلوماسية التحكم في المجلس- هي قضية مغلوطة من الأساس، لأن الجمعيات والمساجد ليست هي من أتت بالدول الخارجية للمجلس.

وشدد على أنه ضد نظرية الإسلام القنصلي، لأن السلطات الفرنسية هي التي استنجدت بالدول العربية الإسلامية عند تكوين هذا المجلس وليس الأئمة أو الجمعيات.

ولكنه استدرك في الأخير موضحا أنه يفهم موقف السلطات الفرنسية في عدم رغبتها بمواصلة التعاون مع هذه الدول واستقدام الأئمة من الخارج. مؤكدا على ضرورة “طي صفحة الماضي من أجل العمل على خلق إسلام فرنسي من خلال تكوين أئمة على التراب الفرنسي، وتهيئتهم لأخذ دورهم بدل الأئمة القادمين من الخارج”.

من جانبه أشار صالح محمد عطية إمام ورئيس جمعية مسجد الروضة بمدينة ستان التابعة لسان دوني أن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية تحت رئاسة الدكتور محمد موساوي كان يقوم بدور مهم وفعال وهذا لا ينكره أحد، ولكن الملاحظ منذ بدء أزمة كورونا وقرب موعد الانتخابات الفرنسية أن الضغوط كثرت عليه وعلى المسلمين بصفة عامة.

وأضاف للجزيرة نت “أعتقد أن هذا يندرج تحت بند التضييق على المسلمين بقانون الانفصالية ومشروع الأئمة الجديد فضلا عن التخلي عن المجلس”.

وضع اليد على الإسلام

ويعود حنيش للقول إن الطريقة المرتجلة التي أعدم بها المجلس ليست مستغربة، “وهي تعطي فكرة وتفسر فترة العنف السياسي التي نعيشها في فرنسا”.

وأضاف للجزيرة نت أن قرار حل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، يندرج في إطار قرار أتخذ منذ سنتين لتهميش وتحجيم الدين الإسلامي في فرنسا بكل الطرق.

وأوضح أنه في هذا السياق لم يأت حل المجلس في إطار تنفيذ قانون الانفصالية، وإنما في القرار السياسي الشامل الذي اتخذ من فترة، وهنا نستطيع أن نضع أيضا ضرب المساجد ومنع الحجاب والتضييق على الأئمة وكل الأنشطة المناهضة للإسلام.

هيئة جديدة

يتألف المنتدى الجديد من مسؤولي منظمات وأئمة وأشخاص منخرطين في المجتمعات المسلمة المحلية ويشكل هؤلاء ثلي أعضائه، أما الثلث المتبقي فيختارون من شخصيات ذات تمثيل على المستوى الوطني.

واختارت السلطات الفرنسية الشخصيات الميدانية الفاعلة من قوائم أعدتها السلطات المحلية على إثر مؤتمرات عقدت في مختلف المقاطعات الفرنسية على 3 مراحل في أعوام 2018 و2019 و2020.

وتشاركت هذه المجموعات والشخصيات في ختام المنتدى خلاصات العمل الذي بدأته منذ أسابيع وشمل 4 محاور كبرى على غرار دور الأئمة وإعداد هيكلية لتنظيم الديانة وحماية دور العبادة من الأعمال المناهضة للمسلمين، وتطبيق قانون مكافحة النزعة الانفصالية الذي أقرّ في الصيف الماضي.

ومن بين الشخصيات التي شاركت في المنتدى عميد مسجد باريس الكبير شمس الدين حفيظ والرئيس السابق للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أنور كبيباش، وعميد مسجد ليون كامل قبطان والمفكر حكيم القروي.

المنتدى ولد ميتا

وبخصوص تصوره ورؤيته لهيكلية لمؤسسة المنتدى الجديدة، أكّد شمس الدين حفيظ عميد مسجد باريس أنه ضد إعادة النمط القديم والهيكلية الهرمية للمجلس القديم.

ودعا لاعتماد منهجية وهيكلة جديدة تعتمد على الكفاء فقط في اختيار ممثلي المسلمين وتبتعد عن منطق الزعامة الذي يرفضه الدين الإسلامي الحنيف.

وأما رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية في منطقة باريس الذي يضم في صفوفه أكثر من 30 جمعية ومسجد فشكك في صدق ونجاح مثل هذا المشروع الكبير في توقيت كهذا وعلى مسافة شهرين من الانتخابات الرئاسية، فضلا عن الجو العام المشحون والمتوتر في ظل المزايدات والتهم والهجوم اليومي على المسلمين في وسائل الاعلام من قبل مرشحي الانتخابات.

وتابع قائلا ” إنه مجهول وإن تأسيسه جاء في غياب التنسيق مع الجمعيات الفاعلة والمساجد والمسلمين في الواقع، وبناء عليه أعتقد أن قرارته إذا ما اتخذت في المستقبل سوف تبقى حبرا على ورق، لأنه ببساطة ولد ميتا وليس له أي مستقبل”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *