مجتمع

“الذئاب المنفردة” تطرق أبواب المملكة .. تكتيك “داعشي” يصطدم بيقظة استخباراتية

بايعوا أمير داعش

“عيون لا تنام”، عبارة مقتضبة، لكنها زاخرة بدلالات كبيرة وعميقة يحق أن تطلق على رجالات “البسيج” و”الديستي”، بفضل يقظتهم المستمرة وسرعة تدخلهم الدائمة لإفشال المخططات الإرهابية التي تستهدف أمن وطمأنينة المملكة والتي كان آخرها توقيف 5 “دواعش” في عمليات أمنية متفرقة ومتزامنة بكل من القنيطرة والعرائش وسوق السبت ولاد النمة وتارودانت والجماعة القروية السويهلة بعمالة مراكش.

الجديد الذي حملته العمليات الأمنية المتفرقة التي قام بها رجال “البسيج”، صباح الأربعاء، هو أن الموقوفين، سطروا أهدافا إرهابية خاصة بكل واحد منهم، وتتقاطع جميعها في أسلوب وتقنيات الإرهاب الفردي أو ما يسمى بـ “الذئاب المنفردة”، وهو الأسلوب المفضل لدى تنظيم “داعش” الارهابي، خصوصا في المناطق التي يستعصي عليه فيها تشكيل خلايا وتنفيذ هجمات بشكل جماعي.

عودة الذئاب المنفردة

ويرى إحسان الحافيظي، الخبير في الشؤون الأمنية، أن “الذئاب المنفردة” هي “ظاهرة قديمة، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه، هو توقيت وسياق عودة هذا النموذج إلى المغرب”، لافتا إلى أنه “إذا عدنا إلى عدد الخلايا التي تم تفكيكها منذ يناير 2022، فتصل إلى نحو 3 أو 4 خلايا”.

واعتبر الحافيظي، في تصريح لجريدة “العمق”، أن ظهور هذا النموذج من الإرهابيين بالمغرب مجددا، يعكس حالة التضييق والتطويق التي يتعرض لها العمل الجماعي على شكل “خلايا إرهابية”، ويعكس أيضا منسوب التهديد الإرهابي في المغرب لازال مرتفعا بغض النظر عن جهود الدولة في هذا الاتجاه.

مميزاتها

ما يميز “الذئاب المنفردة” عن الخلايا الإرهابية الجماعية، يضيف الخبير الأمني المغربي، هو أن النموذج الأول، يتسم بنوع من التشدد والقناعة “الفكرية” قياسا أكثر بعمل الخلايا، مضيفا أن “الشخص الذي يسعى إلى تفجير نفسه وتنفيذ مخططات إرهابية بإيعاز من نفسه أو توجيه ربما أو اتصالات خارجية، يعكس الطبيعة المتشددة لهذا النوعية من الفاعل”.

وأضاف الحافيظي، أن إستراتيجية “الذئاب المنفردة”، لها علاقة أيضا بسيكولوجية الإرهابي في المغرب، وبالتالي “نحن أمام حالة نفسية تتكرر بين الفينة والأخرى تشكل استثناء قياسا بالعمل النمطي للإرهاب الذي يتخذ شكل خلايا”.

مجهود استخباراتي

وأبرز المتحدث، أن رصد “الذئاب المنفردة” كنشاط فردي معزول، يتطلب مجهودا استخباراتيا كبيرا قياسا بالخلايا الإرهابية، ويتطلب كذلك الدقة والسرعة في التدخل والسبق نحو المعلومة الأمنية، وهو ما يمكن من عزل وتحييد المخاطر التي تحملها هذه النوعية من النموذج الإرهابي.

وأوضح الحافيظي، أنه مقارنة بعمل الخلايا الإرهابية الذي يكون فيه هامش الخطأ واردا جدا، لأن الخلية تضم عددا من الأفراد وتتم بينهم اتصالات واستخدام لمواقع التواصل الاجتماعي والهاتف، خلافا لذلك، يرى الخبير الأمني، أنه عندما يتعلق الأمر بشخص واحد، يكون هامش الخطأ تقريبا منعدما.

وفي هذا الإطار، أكد الخبير الأمني، إحسان الحافظي، أن رصد هذه النوعية من الإرهابيين يتطلب ليس فقط عملا تقنيا، ولكن أيضا عملا ميدانيا، وهو الذي يسعف في ضبط هذه النوعية من المشبته فيهم في قضايا الإرهاب.

الذئاب نوعان

ويرى الخبير المغربي، أن التجارب أبانت بأن مواقع التواصل الاجتماعي تعلب دورا كبيرا في تكوين “الذئاب المنفردة”، وتأخذ منحيين، منحى التواصل مع أطراف خارجية وفي الغالب يكون هذا التواصل عن طريق طرف مشترك معروف لدى “الذئب المنفرد” سواء من عائلته أو قريب له، لأنه لا يمكن أن يثق ويدخل أو يتعامل بشكل تلقائي في منصة رقمية مع شخص لا يعرف هويته.

وزاد أنه “يكون هناك تبادل للإشارات تفيد بأن الأمر يتعلق بشخصين مجهولين على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، ولكن معلومين لدى بعضهما البعض”، وهذا النموذج هو الطاغي بحسب الحافيظي. أما النموذج الثاني، فهو الذي يبادر إلى محاولة تنفيذ العمليات الإرهابية بإيعاز شخصي ذاتي، وهو يعيش حالة من “الاقتناع الجغرافي”.

هذا النموذج، يضيف الحافيظي، “هم أناس يعيشون بيننا ولكن هم مرتبطين فكريا بالخارج، وهو عكس النموذج الأول المرتبط بما يسمى بـ”التأثير الاجتماعي والمحيط”، أما الثاني فيقع، ضمن خانة “التأثير الفكري”، وهذا أقل ولكنه أخطر، لأن نسبة التراجع فيه عن الفعل يكون ضئيا قياسا بالنموذج الأول الذي يمكن أن يقع دائما تحت تأثير جماعي ويكون هناك تأجيل لتنفيذ المخطط”.

وقدم الحافيظي مثالا على هذا النموذج الثاني، بالشخص الذي فجر نفسه سنة 2008 أمام القنصلية الأمريكية في الدار البيضاء، والذي كان حريصا على أن ينفذ مخططه، وطلب من المواطنين الابتعاد عنه لأنه سينفجر، وبالتالي لم تكن لديه نية لتفجير من كانوا حوله، ولكن كان يريد أن ينفذ وهنا يكمن تأثير إيديولوجية العنف”.

إرهاب منخفض التكلفة

عكس التنظيمات الإرهابية الكبيرة، لا يجد الإرهابيين الأفراد أو ما يسمى بـ”الذئاب المنفردة” صعوبة في تمويل مخططاتهم، وكشفت دراسة صادرة عام 2015 عن مركز أبحاث الدفاع النرويجي أنه من بين 40 هجمة إرهابية تعرضت لها أوروبا خلال الفترة بين عام 1994 وعام 2013 كان 75% منها بتكلفة أقل من 100 ألف دولار، وهى تكلفة مرتبطة بالحصول على بندقية هجومية أو متفجرات أو تدريب، وما إلى ذلك من متطلبات قد تكون في واقع الأمر منخفضة التكلفة.

وتعتمد “الذائب المنفردة” في الغالب على أساليب تحويل الأموال من الخارج. وقد بدأت اتجاهات عديدة في التحذير من احتمال أن تشجع الدعوات التي أطلقها “داعش” في السنوات الماضية لتنفيذ عمليات إرهابية بالاعتماد على تكتيكات هجومية غير مكلفة مثل القتل بالسكين أو الدهس باستخدام السيارات بعض العناصر على تبني هذا النموذج المالي.

يقظة أمنية

تمكنت المملكة منذ سنة 2002، من تفكيك ما مجموعه 209 خلايا إرهابية على خلفية إيقاف ما يزيد عن 3535 شخصا، وإحباط ما يفوق 500 مشروعا تخريبيا، بحسب ما كشفه محمد النيفاوي، العميد الإقليمي بفرقة مكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب بالمكتب المركزي للأبحاث القضائية خلال مؤتمر دولي نظم بالرباط، فبراير من العام الماضي، حول مكافحة التطرف العنيف.

وأضاف النيفاوي، أن المملكة انخرطت بشكل مباشر منذ سنة 2003 في مواجهة الجريمة الإرهابية وتداعياتها من خلال الاعتماد على سياسة استباقية مدعومة بتشريعات قانونية موازية أسفرت عن تفكيك عدة خلايا إرهابية وإجهاض عدد من العمليات التخريبية.

وشدد المسؤول المغربي، على أن المغرب يعد رائدا في هذا المجال باعتماده على مقاربة وقائية استباقية وشمولية ترتكز على محاربة ظاهرة التطرف في مهدها قبل استعصاء ضبط تداعياتها الخطيرة على الأمن العام، وذلك من خلال تتبع ورصد نشاط الخلايا المتطرفة والإرهابية وتعقب عناصرها وتقديمهم أمام العدالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *