خارج الحدود

السر في طبيعتها وكيفية تشكلها .. لماذا استهدفت العقوبات الأمريكية الأوليغارش الروس؟

في حربها غير العسكرية على روسيا ضد غزوها اوكرانيا، استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها البنوك والشركات الروسية المملوكة للأوليغارش الروس ضمن أهدافها الاستراتيجية. وقد يبدو لمن لا يعرف ما تمثله هذه الفئة في الحرب الاقتصادية على روسيا أنه قرار يواجه الأشخاص بذل مواجهة دولة.

فمن هم الأوليغارش، وكيف أصبحوا فاحشي الثراء؟ وهل لهم تأثير ما في القرار السياسي الروسي؟

تشير المحاضِرة في قسم العلوم السياسية بجامعة كولومبيا، المتخصصة في الشئون الروسية ما بعد الاتحاد السوفيتي، إليز جوليانو، إلى إن الأوليغارش هم “رجال أعمال أثرياء مؤثرون سياسيًا واجتماعيًا، وغالبًا ما يكونون مرتبطين شخصيًا بكبار القادة السياسيين في الدولة، ولكن ليس دائمًا”، حسب “فوربيس الشرق الأوسط”.

قد يتمتع الأوليغارش بتأثير سياسي، وفقًا للتعريف الكلاسيكي لنظام حكم الأقلية، ولكن أصبح واضحًا منذ بدء الحرب، أن معظم أصحاب المليارات في روسيا ليس لديهم نفوذ كبير، أو لا يتمتعون بأي نفوذ على الإطلاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حسب نفس المصدر.

بيادق يرعاهم بوتين

جمعت طبقة الأوليغارش الأصلية في روسيا ثرواتها خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، خلال فترة الفوضى التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث تم بيع أصول الدولة في مزادات لرجال أعمال من القطاع الخاص، غالبًا عبر صفقات تميزت بالفساد.

شهدت فترة التحول إلى نظام السوق الحر، استحواذ رجال أعمال ومسؤولين سابقين، على حصص كبيرة في الشركات الروسية العاملة في قطاعات النفط والغاز والمعادن والتعدين والسكك الحديدية والنقل والمنتجات الزراعية والصناعات الأساسية الأخرى.

ومع صعود بوتين للسلطة، والذي حكم روسيا بشكل أو بآخر منذ عام 2000، أصبحت مجموعة جديدة من الأوليغارش أثرياء بفضل علاقاتهم الجيدة معه.

منح بوتين الثروة لهذه المجموعة، وعاقبها أيضًا، وعامل كبار رجال الأعمال وأعمالهم كبيادق في مبارياته من الشطرنج السياسي.

اعتقل ميخائيل خودوركوفسكي، أغنى رجل في روسيا، على سبيل المثال، عام 2003 بتهمة ارتكاب جرائم ضريبية بعد أن دعم المنافس السياسي لبوتين.

إلا إن العديد من الأوليغارش الحاليين هم من المسؤولين الحاليين أو السابقين في إدارة بوتين، حيث حصل يوري كوفالتشوك، الصديق القديم والمستشار للزعيم الروسي، على حصص كبيرة في البنوك وشركات الاتصالات بفضل علاقاته مع بوتين.

يختلف مدى قرب الأوليغارش من بوتين من شخص لآخر، إلا أن جميعهم يعتمدون على رعايته.

ويوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيراكيوز، بريان تيلور: “بالنظر إلى الطريقة التي يتم بها هيكلة الاقتصاد الروسي، يعتمد أشخاص متعددون، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، على الدولة”

وأضاف تيلور أن الأوليغارش “ليسوا فاعلين اقتصاديين مستقلين يمكنهم الوقوف أما الدولة أو الرد عليها”.

“أسسها” بوريس يلتسين

ظهرت طبقة الأوليغارش الروسية بين عامي 1992 و 1994، عندما أنشأ الاتحاد الروسي المستقل حديثًا نظام خصخصة الأسهم، حيث تم توفير أسهم نحو 15 ألف شركة مملوكة للدولة بموجب البرنامج، لصالح مشترين من القطاع الخاص.

كان البرنامج يهدف إلى السماح للروس العاديين بشراء الأسهم، لكن بدلاً من ذلك، حصل رجال الأعمال اللذين يتمتعون بعلاقات مع الدولة، على حصص كبيرة من الأسهم، مما منحهم حصصًا كبيرة أو سيطرة على الشركات.

أدى البرنامج إلى أمتلاك أشخاص من داخل الشركات ثلثا الأسهم المخصخصة، وفقًا لدراسة أجراها صندوق النقد الدولي عام 1999.

حول نظام القروض مقابل الأسهم لعام 1995، الذي وضعه الرئيس الروسي في ذلك الوقت، بوريس يلتسين، بعضًا من رجال الأعمال إلى أغنى الأوليغارش في روسيا.

تضمن البرنامج إقراض الأموال إلى الحكومة الروسية التي كانت تعاني من العجز المالي، بالإضافة إلى تمويل حملة إعادة انتخاب يلتسين، وفي المقابل، حصل عدد قليل من رجال الأعمال الأثرياء على أسهم في 12 شركة في مجالات طاقة والتعدين مملوكة للدولة في شكل “عقود إيجار”، مع تحول عقود الإيجار إلى ملكية عند فوز يلستين.

أشار أستاذ علوم سياسية في جامعة كاليفورنيا، دانيال تريسمان، إلى أنه “إذا كان الزعيم الشيوعي في ذلك الوقت، جينادي زيوغانوف، قد فاز بالانتخابات في عام 1996، فكان من المتوقع أنه سيؤمم ببساطة هذه الشركات، ويستعيد الأسهم التي تم طرحها”.

وبعد فوز يلتسين، حصل فلاديمير بوتانين، أحد مهندسي الصفقة، على حصة مسيطرة في شركة Norilsk Nickel “نوريلسك نيكل”، أكبر منتج للنيكل المكرر في العالم.

وكان من بين المستفيدين الآخرين، خودوركوفسكي ورومان أبراموفيتش، اللذين استحوذوا على أعمال في قطاع النفط والغاز.

“أمَّمها” بوتين

كانت الأزمة المالية في روسيا عام 1998 بمثابة نكسة مؤقتة للطبقة الأوليغارشية، حيث أدت أسعار السلع المرتفعة والاندماج الاقتصادي المتزايد لروسيا في النظام الغربي خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إلى انضمام العشرات من كبار رجال الأعمال الجدد إلى صفوف أثرياء روسيا.

وفي عام 2001، كان لدى روسيا ثمانية مليارديرات تبلغ ثرواتهم الإجمالية 12.4 مليار دولار، وبعد عشر سنوات، كان هناك 101 مليارديرًا تبلغ ثرواتهم الجماعية 432.7 مليار دولار، وفقًا لتقديرات فوربس.

وسرعان ما علم الأوليغارش أن ثروتهم مشروطة بطاعة بوتين، وتعلموا من مثال خودوركوفسكي، الذي قضى عشر سنوات في السجن. وبالإضافة إليه، تم نفي بوريس بيريزوفسكي، الذي حقق ثروته في عهد يلتسين، ثم انتقد بوتين.

لقد فهم الأوليغارش الرسالة، يجب أن تكون مصالح بوتين السياسية ومصالحهم المالية متطابقة.

أوضح الخبير المالي الأميركي، بيل براودر، الذي عاش في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي: “إذا كنت تنتمي إلى الطبقة الأوليغارشية الروسية في ذلك الوقت، وتابعت الأخبار على شبكة CNN، ورأيت رجلاً أكثر ثراءً وذكاءً وأقوى بكثير منك خلف القضبان، فما سيكون رد فعلك؟ لذا توجهوا واحدًا تلو الآخر إلى بوتين، وسألوه، ماذا علينا أن نفعل حتى لا ينتهي الحال بنا مثلهم؟”

بالنسبة لبعض الأوليغارش، كان هذا يعني إعادة بيع شركاتهم إلى الحكومة، حيث باع رومان أبراموفيتش حصته في شركة النفط والغاز Sibneft لشركة Gazprom المملوكة للدولة في عام 2005

كما باع ميخائيل فريدمان وفيكتور فيكسيلبيرغ، اللذان أصبحا أثرياء جزئيًا بفضل الاستحواذ على شركة Tyumen Oil المملوكة للدولة في عام 1997، شركتهم إلى Rosneft، مجموعة الطاقة المملوكة للكرملين، في عام 2013.

“السيلوفارش”: جيل جديد

مع تأكيد سيطرة الدولة على المزيد من الشركات الخاصة، ظهر جيل جديد من الأوليغارش، “السيلوفارش”. وهو المصطلح، الذي صاغه تريسمان عبر دمج بين عبارتي الأوليغارش والسيلوفيكي، وهي كلمة روسية للنخبة العسكرية والأمنية في البلاد

يعرف العديد من قادة السيلوفارش بوتين شخصيًا عندما كان يعمل في جهاز المخابرات السوفيتي، الكي جي بي، أو خلال العمل تحت قيادته في سانت بطرسبرغ بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

كتب الأستاذ في إدارة الأعمال الدولية بجامعة ساوث كارولينا، ستانيسلاف ماركوس: “يعد من يُطلق عليهم اسم سيلوفارش نخب الأعمال الذين استفادوا من علاقاتهم في FSB (جهاز الأمن الفيدرالي الروسي) أو الجيش لجمع ثروة هائلة”.

وأضاف ماركوس: “منذ عام 2003، سيطر أصدقاء بوتين والسيلوفارش على القطاعات الأساسية في الاقتصاد، وشغلوا مناصب مهمة في الفرع التنفيذي للدولة”.

وأشار الأستاذ في جامعة ساوث كارولينا إلى أن السيلوفارش يتم تمثيلهم بشكل غير متناسب في مجالس إدارات ما يسمى بالشركات الحكومية، وغالبًا ما يمتلكون حصصًا كبيرة في شركات تعمل في قطاعات تعتمد فيها الربحية على تفضيل الحكومة”.

غزو أوكرانيا

لا يبدو المستقبل مشرقًا أمام طبقة الأوليغارشية، فبعد عقوبات الغرب على روسيا، يخضع 20 منهم منذ 14 مارس/آذار، لعقوبات شخصية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، بغض النظر عن أي طرف يقفون بجانبه، روسيا أو أوكرانيا.

ابتعد الأوليغارش الذين باعوا أصولهم الروسية ونقلوا ممتلكاتهم إلى الغرب بسرعة عن بوتين ونظامه. لكن العديد منهم يقع تحت طائلة العقوبات في جميع الأحوال.

ولم يحمي بوتين السيلوفارش وأولئك الذين يمتلكون أصولًا في روسيا، لقد رأوا ثرواتهم تنهار مع انهيار الأسواق الروسية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *