وجهة نظر

بين البام وأخنوش: عيوب الخلقة وسرعة الانهيار

سنن الله في الطبيعة و الانسان تقول بأن الأشياء تبدأ صغيرة ضعيفة تم تكبر شيئا فشيئا، وبكبرها تتقوى وتكسب خبرات وتجارب الحياة ، فالإنسان مثلا يبدأ طفلا صغيرا لا يقوى على فعل أي شيء، ولكي يكتسب تجارب الحياة ، يحتاج الى سنوات من الرعاية تطول ، وبطولها يصبح الانسان رجلا راشدا ذو شأن كبير في الحياة ، كما يصبح رجلا عاديا، وذلك حسب نوعية التربية و التعليم . 

كذلك الشأن بالنسبة للنباتات ، فلا يمكن أن نأتي بشجرة كبيرة نغرسها وننتظر منها أن تثمر بسرعة.

أما الأشياء التي تأتي دفعة واحدة فهي المصائب بجميع أنواعها من براكين وزلازل وفيضانات وغيرها، تبدأ قوية عنيفة تدمر كل شيء، لكن سرعان ما تختفي نهائيا.

هذه القاعدة اذا أردنا اسقاطها على واقع الأحزاب السياسية ، نجد ان الأحزاب ذات الطبيعة الوطنية و التي تجد لها جذورا وسندا في المجتمع هي تلك التي تنشأ نشأة طبيعية ، لديها فكرة ومشروع مجتمعي تشتغل عليه كحزب الاستقلال الذي تشكل من رجال المقاومة الوطنية الذين ضحوا من أجل اخراج المستعمر وبناء مغرب الاستقلال، وكذلك الشأن بالنسبة لحزب الاتحاد الاشتراكي. فهذين الحزبين ظلا قويين مسنودين من طرف المجتمع ، ولم يشهدا في حياتهما حالة من الاندحار و التفكك كالتي شهداها عندما اختارا الارتماء بين انياب التحكم الذي يأكل من رصيدهما، فالأول فطن للمؤامرة ورجع سريعا الى حضنه الطبيعي قبل ان يفقد ما تبقى من رصيده، أما الثاني فلا زال يتخبط في وحله، لا هو قرر ان يعود نهائيا الى عائلته الوطنية ، ولا هو صرح بشكل واضح أنه مازال ملحقة للتحكم.

ويبقى حزب العدالة والتنمية محافظا على مبادئه، وفيا للمشروع و الفكرة التي نشأ من أجلها وذلك ما أهله ليكون حزبا قويا محافظا على قوته ومكانته داخل المجتمع.

أما الأحزاب التي توصف بانها ادارية أو احزاب السلطة، فهي مجرد تجمعات بشرية لمجموعة من الأعيان وتجار الانتخابات وأصحاب المصالح الذين تتقاطع مصالحهم مع مصالح من يتحكم في دواليب السلطة ، يتم تجميعهم كالعصابات في ما يشبه أحزاب بغرض مواجهة الأحزاب التي تهدد مصالحها ، فتبدأ قوية مسنودة من طرف الدولة ((بمفهومها العميق)) ، كما هو الشأن بالنسبة للتجمع الوطني للأحرار الذي بدأ بتجميع مجموعة من الأعيان وتجار الانتخابات و أصحاب المصالح بعد صعودهم الى قبة البرلمان نهاية السبعينات بدعم من السلطة وشكلوا أنذاك قوة داخل البرلمان المغربي ، وتم تجميعهم تحت مسمى التجمع الوطني للأحرار، لمواجهة أحزاب الكتلة الوطنية، حيث ظل يمارس المهمة التي خلق من أجلها الى أن أوصل البلاد الى حالة من الانسداد و الأزمة ، مما اضطر السلطة الى الاستعانة بأحزاب الكتلة الوطنية لانقاد البلاد من سكتتها القلبية عبر ما يسمى بالتناوب التوافقي عام 1996.

نفس السيناريو يتكرر في تشريعيات 1997، ولكن هذه المرة بغرض مواجهة خصم آخر، ألا وهو التيار الاسلامي متمثلا في حزب العدالة والتنمية، بعد أن لاحظوا أن أسهمه تشهد ارتفاعا في كل مناسبة انتخابية . ولمواجهته ، استعانوا بنفس الأساليب القديمة ، أي الدفع بأحد رجال الدولة العميقة الى الترشح للانتخابات البرلمانية كمستقل، حيث حصد جل مقاعد دائرته في سابقة انتخابية ، وبعد ذلك بدأ يسرق من مقاعد الأحزاب الأخرى حتى تجمع حوله أكبر فريق برلماني، سرعان ما تحول الى حزب سياسي يرهب الزعماء السياسيين ورجال الأعمال ويبشر بنمودج بنعلي في الحكم لولا ألطاف السماء التي أتت برياح الربيع العربي فأفشلت جل مخططاتهم.

وبما أن القوم لم يتعضوا بعد، ولن يرغبوا في الاستسلام على ما يبدو، خصوصا بعد توالي صعود أسهم خصمهم العنيد حزب العدالة و التنمية، فقد أرادوا هذه المرة أن يحولوا انتصاره الى هزيمة وهزيمتهم الى انتصار، وذلك بعرقلة تشكيل الحكومة التي علق الشعب المغربي آمالا عريضة عليها بتصويته المكتف على قائدها لخمس سنوات الماضية ، ولكن هذه المرة بالاستعانة بوجه ناعم وشخصية يغلب عليها الهدوء و المعقول حسب ما يبدو ظاهريا، بتنصيبه رئيسا لنفس الحزب الذي بدأ المعركة وانهزم فيها ، لعله هذه المرة ينجح، ولكن هيهات فقد قطع الشعب مع تلك الآليات المستعملة ، ولن يكون مصيرهم الا الانهزام و الانتحار السياسي كما انتحر زعيمهم الذي كان الى عهد قريب يرهب الجميع.