سياسة

أكاديميون وسياسيون يستعرضون أدوار مجالس العمالات والأقاليم بين القانون والممارسة

نظمت الجمعية المغربية لمجالس العمالات والأقاليم بشراكة مع كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط، ندوة علمية حول موضوع: “مجالس العمالات والأقاليم والبناء المؤسساتي للامركزية”، في إطار النقاش العمومي حول توضيح الاختصاصات المخولة لمجالس العمالات والأقاليم، والعمل على تعزيز موقعها في خريطة الهندسة المؤسساتية للامركزية بالمغرب.

وتم خلال هاته الندوة فتح نقاش جماعي بين مختلف الفاعلين المعنيين (أكاديميين، مسؤولين حكوميين، منتخبين، فاعلين مدنيين، …) لاستجلاء نقاط القوة ونقاط الضعف في البنية المؤسساتية الحالية لهاته الوحدات الترابية الوسيطة في منظومة الجهوية المتقدمة، وبسط حصيلة تراكمات عملها خلال التجربة الانتدابية الأخيرة في ظل القانون التنظيمي 112-14 التي خول لها مجموعة من الصلاحيات الجديدة.

وحسب عدد من المتدخلين، فإن هاته التجربة أظهرت مجموعة من الإشكالات العملية، وكذا بعض الصعوبات القانونية التي اعترضت الأجهزة المسيرة للمجالس الترابية، سواء من حيث تداخل الاختصاصات وغياب الالتقائية ما بين السياسات العمومية والبرامج المحلية خاصة في المجال الاجتماعي أو من حيث الامكانيات المادية أو البشرية الموضوعة رهن إشارتها لتنفيذ برامجها التنموية، مع الاستئناس بالتجارب الدولية المقارنة.

وعرفت الندوة العلمية تقديم مجموعة من المداخلات من لدن أساتذة باحثين وفاعلين مجاليين ومختصين، فضلا عن فتح نقاشات عامة حول الإشكالات والتحديات التي تعيشها المجالس لتحديد الإكراهات العملية، وكذا الصعوبات القانونية التي واجهت تطبيق مقتضيات القانون التنظيمي المذكور.

ودعا عدد من المتدخلين إلى مراجعة الإطار المؤسساتي للعمالات والأقاليم، وتجويد القانون التنظيمي المتعلق بها، بهدف تجاوز هاته الإشكالات والصعوبات وتوفير إطار أكثر جودة يمكن العمالات والأقاليم من تنزيل مشاريعها ورؤيتها التنموية بشكل أكثر نجاعة وفعالية، وإعداد تصور يرمي إلى تطوير وضع للعمالات والأقاليم في المنظومة المؤسساتية للامركزية بالمغرب للرفع من مستوى أدائها إلى مستوى فاعل حقيقي يشغل مكانة أساسية إلى جانب الدولة والجهات والجماعات في مجال التنمية الترابية في مختلف أبعادها.

المكانة المحورية لمجالس العمالات والأقاليم بعد دستور 2011

استعرض رئيس الجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم، عبد العزيز الدرويش، المكانة المحورية التي أصبحت تحتلها هذه المجالس خاصة بعد المقتضيات التي جاء بها دستور 2011.

وذكّر الدرويش، في كلمة له على هامش هذه الندوة، بالمبادئ التي جاء بها دستور 2011 بالنسبة للجماعات الترابية بالمغرب والدعائم التي نص عليها لممارسة اختصاصاتها كمبدأ التدبير الحر، ومبدأ التفريع في إسناد الاختصاصات، ومبدأي التعاون والتضامن بين الجماعات. وكذلك المكانة التي خص بها الجماعات الترابية كشريك متميز للدولة في التنمية المحلية.

وشدد المتحدث ذاته على أن القانون التنظيمي رقم 112-14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، شكل طفرة نوعية مكنت من الارتقاء بالجماعة الترابية الوسيطة إلى مستوى فاعل حقيقي يشغل مكانة أساسية إلى جانب الدولة والجهة والجماعة في مجال التنمية الترابية في مختلف أبعادها.

وسجّل رئيس الجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم، أن التجربة التي عاشتها المجالس خلال مدتها الانتدابية المنتهية، أظهرت مجموعة من الإشكالات العملية والصعوبات القانونية التي واجهت تطبيق مقتضيات القانون التنظيمي، والتي اعترضت الأجهزة المسيرة لهذه المجالس سواء من حيث تداخل الاختصاصات وغياب الالتقائية ما بين السياسات العمومية والبرامج المحلية خاصة في المجال الاجتماعي أو من حيث الإمكانيات المادية أو البشرية الموضوعة رهن إشارتها وغيرها.

دور مجالس العمالات والأقاليم في البناء المؤسساتي للامركزية

أجمع المتدخلون على أن الجماعات الترابية تعيش اليوم على إيقاع إحدى أهم مراحل تطور اللامركزية بالمغرب، التي تشكل محطة حاسمة لتأهيل وتفعيل المؤسسات المحلية وتمكينها من الأدوات والوسائل المادية والقانونية الكفيلة بممارسة الاختصاصات المنوطة بها في مجال تحقيق التنمية المحلية، من خلال القيام بمشاريع وتجهيزات القرب وأداء الخدمات الأساسية للمواطنين.

واعتبر المشاركون أن دستور المملكة لسنة 2011، أولى أهمية بالغة لموقع الجماعات الترابية في التنظيم الترابي العام للدولة من خلال التأكيد انطلاقا من الفصل الأول منه على أن” التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي يقوم على الجهوية المتقدمة”، كما رسخ الدستور خيار اللامركزية بشكل لا رجعة فيه من خلال دسترة المبادئ الأساسية التي يجب على ضوئها توزيع الاختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية وكذا ممارسة هذه الاختصاصات من طرف الجماعات الترابية المعنية.

وأشارت مختلف الفعاليات المشاركة في هذه الندوة إلى أن الخيارات الدستورية كانت واضحة من حيث منح رِؤساء المجالس المنتخبة صلاحيات تنفيذ المقررات، وضرورة توزيع الاختصاصات بين مختلف المتدخلين الترابيين بناء على مبدأ التفريع، وتمكين الجماعات الترابية من ممارسة مهامها بناء على مبدأ التدبير الحر ومبدأ التعاون والتضامن وكذا مبدأ الحكامة، علاوة على ضرورة تأطير اللامركزية بقوانين تنظيمية تضمن تنزيل المقتضيات الدستورية المذكورة.

مجالس العمالات والأقاليم بين القانون والممارسة

نبه مختلف المتدخلين إلى أن القانون التنظيمي رقم 112-14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، رغم التطور الكبير في مقتضياته إلا أن ذلك لم يعكس تطور الممارسة على أرض الواقع، معتبرين أن مجالس الجهات لازالت هي المسيطرة على مختلف المشاريع والبرامج التنموية، وأن مجالس العمالات والأقاليم غير مستقلة على المستويين المالي والإداري.

واستعرض المشاركون الإكراهات والمعيقات التي تواجهها هذه المجالس، مشددين على أن أي إخفاق في تحقيق والعمالات والأقاليم لأهدافها فيما يتعلق بالحد من التفاوتات الاجتماعية والمجالية وتحسين الخدمات العمومية المحلية، قد يؤدي إلى إفراغها من جوهرها ويفاقم أزمة الثقة في النخب المحلية؛ ويظل التنزيل الفعال للاختصاصات المسندة إلى العمالات والأقاليم مرهونا، بشكل مسبق، حسب المشاركين، على تدقيق هذه الاختصاصات والعمل على توفير الأدوات والوسائل لممارستها؛

وأوضح المتدخلون أن تكامل الاختصاصات بين المستويات الثلاثة من الجماعات الترابية، بما في ذلك العمالات والأقاليم، من ناحية، وكذلك الجماعات الترابية والدولة، من ناحية أخرى، يتطلب تكييفا قانونيا على مستوى النصوص المرجعية، فضلا عن توفير إطار منطقي يحدد مجال تدخل كل فاعل والنتائج المنتظرة على مستواه؛

واعترف الفاعلون السياسيون والأكاديميون بأن مسار اللامركزية يتقدم من الناحية السياسية بشكل جيد وسيترسخ أكثر مع تبني الجهوية المتقدمة، مع ضرورة مراعاة الانسجام والتكامل مع المصالح اللاممركزة للدولة، تحت طائلة تأجيج ردود أفعال مقاومة واستحداث العوائق في العمل الترابي؛

كما شدد المشاركون على أنه لا يمكن للتعاقد بين الدولة والعمالات والأقاليم فعالا في غياب إطار معياري يؤطره ويضع مساطره وإجراءاته، متسائلين عن مدى صحة تحقيق مبدأ التدبير الحر بالنسبة للجماعات الترابية على أرض الواقع، خاصة أنه مبدأ لم يحدد له أي تعريف قانوني دقيق وضبوط، على حد تعبيرهم.

وخلص المتدخلون إلى أن تطوير العمالات والأقاليم مشروط بكفاءة النخب السياسية المحلية وتعبئة الكفاءات الجيدة لصالحها، مع ضرورة العمل على الاستقلالية المالية لمجالس العمالات والأقاليم وعدم الاكتفاء بالموارد المالية “المحدودة” التي تستفيد منها هذه المجالس حاليا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *