رمضانيات

الطعام في القمامة إحدى المظاهر السيئة المصاحبة لموائد رمضان

أزمة النفايات بتطوان

 إلقاء الطعام في القمامة! بمجرد التوقف عند العبارة السابقة يدرك الجميع أنها تتناقض كلية مع روح الصيام وما ينبغي أن يكون عليه سلوكنا في شهر رمضان. لكن حاويات القمامة في الشوارع والأحياء السكنية تشهد بغير هذا، فما يميزها في الشهر الفضيل أن الأسر تخصها “بكرمها” حين تمطرها بأكياس القمامة تفيض منها الأطعمة المختلفة.

ومسألة النفايات الغذائية لا تخص المسلمين في شهر رمضان، بل هي آفة اجتماعية واقتصادية وبيئية، تحضر في كل المجتمعات وطيلة أشهر السنة، وتشكل أحد التحديات التي تواجه البشرية.

ووفق منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، بينما يعاني أكثر من 820 مليون شخص من الجوع، يهدر سكان العالم ثلث الغذاء الموجه للاستهلاك البشري، وتقدّر الكمية المهدورة من الغذاء عالمياً حوالي مليار و300 مليون طن سنويًا، تصل قيمتها إلى 980 مليار دولار أميركي. ويساهم الهدر المنزلي في هذه المشكلة بهدر أطنان من الأطعمة.

النفايات الغذائية خلال شهر رمضان

في السنوات الأخيرة، حسب موقع (ecomena.org)، أثارت الكميات الهائلة من النفايات الغذائية خلال شهر رمضان المبارك جدلا كبيرا في البلدان الإسلامية وغيرها. وفقا تقديرات متحفظة، نحو خمس المواد الغذائية التي يتم شراؤها أو التي أعدت خلال شهر رمضان تجد طريقها إلى صناديق القمامة أو مقالب النفيات. وهذا يمثل آلاف الأطنان من المواد الغذائية الثمينة التي كان يمكن استخدامها لتغذية عشرات الملايين من الجياع في الدول الفقيرة في آسيا وأفريقيا وأماكن أخرى. هذه الكمية المذهلة من النفايات الغذائية خلال شهر رمضان تتطلب استراتيجية قوية وعاجلة للتقليل منها ،و استغلالها بشكل مستدام و كذلك التخلص منها  بكيفية صديقة للبيئة.

خطورة الوضع

في بلاغ لها سابق، أشارت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، إلى أن شهر رمضان يعرف “الذروة في التبذير برمي الثلث من المواد الغذائية الصالحة للاستهلاك، والتي تصل قيمتها المالية لـ500 درهم شهريا لـ41.1 في المائة من الأسر”.

وحسب موقع القناة الثانية، كشف تقرير مُؤشّر هدر الأغذية في المغرب لعام 2021، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمُنظّمة الشريكة “WARAP”، أن 3.3 مليون طن من المواد الغذائية في المغرب لم تُتح الاستفادة منها، وانتهى بها المطاف في القمامة في 2019.

وحسب نفس المصدر، تابع التقرير أن حصّة الفرد المغربي من إهدار الطّعام سنويا تصل إلى 91 في المائة، وأن ما يقارب 90 في المائة من الأسر المغربية تقوم بإهدار الأطعمة سيّما في شهر رمضان، إذ تشتري كمّيات كبيرة لا تستهلك منها سوى القليل.

وحسب موقع (ecomena.org) تعتبر دول الشرق الأوسط أكبر المبذرين للاغذية في العالم، وخلال شهر رمضان يأخذ الوضع منعطفا نحو الأسوأ.

وحسب نفس المصدر، شهدت مدينة مكة المكرمة انتاج  5000 طن من مخلفات الطعام خلال الأيام الثلاثة الأولى من شهر رمضان في عام 2014. و يضيع حوالي 500 طن من المواد الغذائية في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال شهر رمضان المبارك. في البحرين، توليد النفايات الغذائية يتجاوز 400 طن يوميا خلال الشهر الفضيل. نفس الحال في قطر حيث يجد ما يقرب من نصف المواد الغذائية التي أعدت خلال شهر رمضان طريقها إلى صناديق القمامة.

وحسب نفس المصدر، السيناريو في دول إسلامية أقل ثراء ،مثل ماليزيا واندونيسيا ومصر وباكستان ،لا يختلف. وذكرت الوكالة الحكومية لإدارة النفايات الصلبة و التنظيف العمومي في ماليزيا، أن أكثر من 270 ألف طن من المواد الغذائية ألقيت في صناديق القمامة خلال شهر رمضان.

أما كمية النفايات الغذائية المنتجة في رمضان فهي أعلى بكثير من غيره من الشهور، بنسبة تصل إلى 25٪.

ميول مزمن نحو الإفراط الغذائي خلال رمضان

حسب موقع (ecomena.org) هناك ميول مزمن للمسلمين تجاه الإفراط في التساهل والإسراف في شهر رمضان، على الرغم من أن النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم) أمر المسلمين بتبني الاعتدال في كل مناحي الحياة.

وحسب نفس المصدر تلعب المواقف الاجتماعية والثقافية وأنماط الحياة المترفة دورا رئيسيا في توليد المزيد من فضلات الطعام في شهر رمضان في الدول الإسلامية كلها تقريبا. والفئات ذات الدخل المرتفع عادة ما تظهر معدلا أكبر من النفايات الغذائية للفرد الواحد بالمقارنة مع الفئات الأقل ثراء. وفي الدول الإسلامية، الفنادق والمطاعم تساهم بقدر كبير من النفايات الغذائية خلال شهر رمضان بسبب البوفيهات المترفة وحفلات الإفطار الباهظة.

النهج القويم

أهم الخطوات للحد من هدر الغذاء في شهر رمضان، حسب موقع (ecomena.org)، تكمن في تغيير السلوك، وزيادة الوعي العام، وسنّ التشريعات، وإنشاء بنوك الطعام والمشاركة المجتمعية. نحن في حاجة إلى قوانين فعالة وحملات توعية لإقناع الناس بالإلتزام بتقليل النفايات وتبنّي أساليب الحياة المستدامة. وإلى انشاء بنوك الغذاء في المناطق السكنية والتجارية، فهذه البنوك يمكن أن تكون وسيلة فعّالة جدا للاستفادة من فائض المواد الغذائية بطريقة إنسانية وأخلاقية.

في السنة الماضية أطلقت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، في الأيام العشر الأخيرة لشهر شعبان، “حملة وطنية لتحسيس المستهلك قصد حماية حقوقه الاقتصادية والوقاية من الأمراض الناجمة عن الإفراط في التبذير، مما يؤثر على قدرته الاستهلاكية وبالتالي على الاقتصاد الوطني”،  تحت شعار: “حسن تدبير المواد الغذائية مسؤولية الجميع”.

وهناك مبادرات سبق وسجلت في هذا الباب، ينبغي توسيعها وتطويرها، حسب (ecomena.org)، مثل:

بنوك الغذاء في دول مثل مصر والهند وباكستان تعمل بنجاح، ولكن هناك حاجة ماسّة لمثل هذه المبادرات على نطاق أوسع لمواجهة هذا التهديد الذي تمثله فضلات الطعام.

وضعت دبي مبادئ توجيهية جديدة لخفض الهدر الغذائي وتبسيط التبرع بالمواد الغذائية الزائدة التي أعدت في الحفلات والبوفيهات. و “حِـفْظ النعمة” هي مبادرة بارزة لضمان أن فائض الطعام من الفنادق وحفلات الإفطار والأسر لا يضيع وأن يصل إلى المحتاجين في ظروف آمنة وصحية.

وخلال شهر رمضان المبارك لعام 2015، أطلقت بلدية دبي مبادرة تسمى “المنازل الذكية”. المبادرة تحث المقيمين في دبي على الحد من النفايات خلال الشهر الفضيل. وهي تقنية لجمع النفايات في حاويات الإلكترونية تقيس كمية النفايات التي ينتجها كل منزل. وتحصل البيوت التي تنتج كمية أقل من النفايات خلال شهر رمضان على  جوائز نقدية وشهادات تنويه لتشجيعهم على تقليل النفايات.

بالإضافة إلى هذه المبادرات، يمكن لعلماء الدين وأئمة المساجد أن يلعبوا دور حيويا في تحفيز المسلمين على اتباع مبادئ الاستدامة الإسلامية، كما ذكر في القرآن الكريم والحديث الشريف. أفضل طريقة للحد من هدر المواد الغذائية خلال شهر رمضان هي أن نتضامن مع الملايين والملايين من الناس في جميع أنحاء العالم الذين يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على وجبة واحدة كل يوم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *