مجتمع

ضيف وقضية (3) مع بنيس: تمغربيت في زمن “طاكوس” والرباط الافتراضي (فيديو)

تصوير ومونتاج: فاطمة الزهراء الماضي

كشف الكاتب والباحث في العلوم الاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط سعيد بنيس في الحلقة الثالثة من برنامج “ضيف وقضية” على جريدة “العمق”، أن تأصيله لمفهوم “تَمَغْرِبِيتْ” في كتابه الذي يحمل نفس العنوان، محاولة تعززت قبيل أزمة كورونا حينما لاحظ أن هناك تدافع عالمي حول اليقينيات المحلية وما يميز الإنسان، ليجد نفسه أمام إعادة بعض المرتكزات التي تميز الهوية والشخصية المغربية.

وحول شرحه لمفهوم “تَمَغْرِبِيتْ”، أكد بنيس أنها لفظة شائعة الاستعمال منذ سنوات السبعينيات، وترمز في التفاعلات المجتمعية والمخيال المغربي إلى سردية التاريخ والحضارة والدولة والثقافة واللغة والإنسان، التي تستمد شرعيتها وجدواها وحقيقتها من مصفوفة من اليقينيات المحلية والترابية، التي مازالت ملامحها وتمظهراتها تحدد مسارات وتوجهات الجدلية المجتمعية.

وارتباطا بالتمظهرات الهوياتية المرتبطة بتَمَغْرِبِيتْ من خلال ثقافة العادات الغذائية والانتقال من “الطاجين” كمظهر من مظاهر الأصالة المغربية إلى عادات دخيلة ك،”طاكوس”، يضيف بنيس في هذا الحوار، أن التحول المجتمعي الناتج عن الدخول في العولمة ساهم في الانسلاخ عن ما يميزنا، والثقافة الطبخية التي تحيل على تاريخ وحضارة المغرب، وكلما تميزت المجموعة البشرية في ما له علاقة بثقافة الطبخ كلما زادت تحضرا.

وقال بنيس، إن التحول الذي طرأ على النسق المجتمعي أدى إلى انتقال المغاربة من مجتمع منغلق إلى مجتمع منفتح حتى في عاداته الغذائية، فبعدما كان الأكل داخل البيت طقسا مقدسا عند جميع أفراد الأسرة، اعتادت الأسرة في السنوات الأخيرة على الأكل في الخارج، ولو مرة واحدة في الأسبوع بمختلف طبقاتها الاجتماعية، وبعدما كان من غير المقبول اجتماعيا أن تقوم الأسر بشراء الأكل من خارج البيت مع ما في ذلك من مساءلة لقدرة المرأة على تدبير شؤون البيت، بات الجميع معتادا على رؤية أسر كاملة تتناول غذاءها أو عشاءها في الخارج.

التعايش مع مطابخ جديدة والنمط الجديد للمرسة المغربي أصبحت الأمهات ترى في “طاكوس” كاختيار مطبخي ونوع من التحول داخل الأسرة، لأن “طاكوس” بعيدا عن كونه وجبة غذائية فهو يحيل على الفردانية، لأن كل فرد داخل الأسرة يطلب حقه بالذوق الذي يريده، هناك من يطلبه بالدجاج أو اللحم، لكن “الطاجين” فهو طقس مطبخي يحيل على روح الجماعة، وهذا الانتقال يؤكد بنيس من ثقافة “الطاجين” إلى ثقافة “طاكوس” يشكل خطرا على تَمَغْرِبِيتْ كسردية تحيل على التاريخ والحضارة والهوية والثقافة.

وبعيدا عن التعصب لسردية تَمَغْرِبِيتْ كما يؤكد بنيس، لأن دفاعه هذا عن الهوية المغربية الأصيلة ليس “شوفينية” منغلقة أو قومية متعصبة أو هوية منكمشة رافضة للجيران، لكنها بالأساس شكل من أشكال القوى الناعمة التي ستنضاف للمنطقة المغاربية لدعم قوة المغرب الكبير وإشعاع لمنطقة شمال افريقيا، طالب صاحب كتاب ” تَمَغْرِبِيتْ”، بأن تدرج ثقافة الأكل المغربي في المقررات المدرسية لاطلاع الناشئة على هذه الثقافة، وأيضا لكونها ثقافة غذائية صحية باعتراف خبراء في مجال الصحة.

وبالعودة إلى طقوس رمضان، قال بنيس إن العادات الغذائية تتحول في رمضان بشكل تلقائي وبطريقة تتضمن قطيعة ما كان سائدا أو ما يتناوله الفرد قبل رمضان، علما أن طقوس رمضان قارة، لأن الإقبال على المواد الاستهلاكية في رمضان ليس هو نفس الإقبال ما قبل رمضان، مما يشكل ما وصفه بـ”تسونامي” على الأسواق قبل الإفطار، بدون أن ينكر بأن هذا جزء من تَمَغْرِبِيتْ لا يمكن أن ننكره، وعلى الأقل في رمضان نجد المائدة تضم أطباق مغربية أصيلة “كالحريرة والشباكية والتمر” على غير العادة في باقي أيام السنة.

لكن هناك ما وصفه بنيس بالترحال الطقوسي أو الترحال القيمي، عندما انتقلت العديد من الأسر من الإفطار في رمضان داخل البيت إلى الفنادق أو المقاهي، ولإعادة تثبيت واستمرار نسق تَمَغْرِبِيتْ خارج البيت العائلي، وتوطينها بمواقع الاستهلاك الجديدة، حيث لم يعد يحكم هذا المنطق جدلية أن العرض الاستهلاكي يحدده المكان، بل تتحكم فيه أساس طقوس الأكل التي تتطلب تلبيتها مسايرة السلوك الاستهلاكي للمغربي، فتظل العادات الاستهلاكية لشهر رمضان هي نفسها مع فارق الانتقال بالمقومات الاستهلاكية لتَمَغْرِبِيتْ من فضاء داخلي مغلق حميمي (البيت العائلي) إلى فضاء خارجي مفتوح عام ومشترك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *