منوعات

نظرية الشجاعة الجاهلة .. أو حين يزيد الجهل الثقة بالنفس

من منا لا يحب أن يكون شجعا وذو مؤهلات، وأن ينعت بكونه شجاع وكفئا؟

فالشجاعة من القيم الاجتماعية المتأصلة، والتي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ البشري، وتتجلى في كل المواقف التي يواجه فيها الانسان صعوبات أو تحديات أو تهديدات.

ومن أهم عناصر الشجاعة الثقة بالنفس، لكن الفرق بين الشجاعة الفعلية وشجاعة الأماني كالفرق بين الصحة والمرض، فالثقة بالنفس في الأولى مبنية على كفاءة حقيقية وعلم حقيقي وتعطي شجاعة حقيقية، في حين أن الثقة بالنفس في الثانية مبنية على الجهل وتعطي شجاعة مزيفة. وما يعيشه الناس حول قيمة الشجاعة يعيشونه بشكل عام فيما يتعلق بمؤهلاتهم، ويكون التقدير المبالغ والجاهل للمؤهلات وعدم القدرة المزمن على التقييم الذاتي ما يطلق عليه  “متلازمة دانينغ كروجر” .

و”متلازمة دانينغ كروجر” (Dunning–Kruger syndrome) ، حسب الجزيرة نت، هي اضطراب نفسي يحمل اسم عالمي النفس اللذين وصفاه لأول مرة، ويُعرف على أنه انحياز في الإدراك يشير إلى ميل الأشخاص غير المؤهلين للمبالغة في تقدير مهاراتهم.

ونشر موقع “كيم بسكولوجي” (kimpsikoloji) مقالاً ذكر فيه أن التشخيص الذي دفع عالمي النفس جاستن كروجر وديفيد دانينغ في جامعة كورنيل إلى دخول التاريخ والحصول على جائزة نوبل عام 2000، يُعرَّف بـ”الشجاعة الجاهلة”، وتم تلخيص النظرية فيما يلي: “الجهل، على عكس المعرفة الحقيقية، يزيد الثقة بالنفس”.

نتائج الوعي المزيف بالمؤهلات:

لا يدرك الأشخاص غير المؤهلين كم هم غير مؤهلين، بل يميلون إلى المبالغة في مؤهلاتهم، والأشخاص غير المؤهلين غير قادرين أيضًا على رؤية وفهم صفات الأشخاص المؤهلين حقًا، وإذا زادت مؤهلاتهم عن طريق التعليم، يبدأ الأشخاص غير المؤهلين بإدراك افتقارهم للمؤهلات.

وذكر الموقع أنه تم إجراء اختبار بين طلاب جامعة كورنيل، ثم طُلب منهم الإجابة على السؤال التقليدي “كيف جرى الامتحان؟”، فكانت “الثقة بالنفس” لأولئك الذين لم يتمكنوا من الإجابة حتى على 10% من الأسئلة رائعة، فقد ظنوا أنهم أجابوا على 60% من الاختبار بشكل صحيح، بل اعتقدوا أنهم قد يحققون نجاحًا بنسبة 70% إذ حالفهم الحظ، أما أولئك الذين أجابوا على أكثر من 90% من الأسئلة بشكل صحيح فكانوا أكثر “تواضعًا”، فقد اعتقدوا أنهم أجابوا على 70% من الأسئلة بشكل صحيح.

ورغم ذلك يتقدم المداحون على المتواضعين !

وأوضح الموقع أنه تم وضع كل هذه النتائج معا، وكُتب نص متلازمة دانينغ كروجر، وهي: لا يشعر الشخص “غير الكفؤ”، الذي يؤمن بصدق أنه “جيد جدا في ما يقوم به”، بأي انزعاج من مدح نفسه وتصرفاته، ومن المشاركة في كل مهمة تعرض أمامه، والطموح إلى مهمات لا يمكنه تنفيذها، بل على العكس تمامًا، يعتقد أن كل شيء من حقه. ومع ذلك، فإن هذا المزيج من “الجهل والوقاحة” يخلق دافعًا مهنيًّا هائلا، ومن حيث المهنة تتحول “السلبيات” إلى “إيجابيات”، وفي النتيجة، سيترفع “المتحمسون غير الأكفاء” بشكل أسرع في كل زمان ومكان.

وفي الوقت نفسه، لا يتقدم الأشخاص ذوو المعرفة والموهوبون حقًّا لكونهم “متواضعين جدّا” في الحياة العملية، فهم لا يطمحون إلى مناصب عليا من تلقاء أنفسهم، بل ينتظرون الاعتراف بقيمتهم، وبالطبع -أثناء الانتظار- سينكسرون وسيسحبون أنفسهم إلى الوراء أكثر، وربما يتهمهم رؤسائهم بـ”نقص الشغف”.

عدم القدرة المزمنة على التقييم الذاتي

وأشار الموقع إلى ما ذكرته عالمة النفس بينار أوزغورن بشأن متلازمة دانينغ كروجر: يعزو اثنان من علماء النفس الخبراء هذا اللاوعي إلى “عدم القدرة المزمنة على التقييم الذاتي”، وبالتأكيد يوجد مثل هؤلاء الأشخاص من حولك، فأنت تفكر في نفسك كيف وصل هذا الرجل أو المرأة إلى هذه المواقف. وستتساءل كيف وصل إلى هذا المكان بطريقة التفكير هذه.

ويتابع الموقع مع تصريحات أوزغورن التي أضافت “ألق نظرة على عالم الإعلام، وألقِ نظرة على سلوك ومنهج أولئك الذين يديرون الدول، وألق نظرة على بيئة العمل الخاصة بك؛ ستجد بالتأكيد مثل هؤلاء الأشخاص في دائرتك”.

وتضيف “وفي الواقع إن عدم إدراك هؤلاء الناس منحهم ميزة خاصة، لأن هؤلاء الناس اعتقدوا أنهم جيدون حقًّا، ولهذا السبب لا يترددون في الافتخار بما يفعلونه، ويرون هذا على أنه حق لهم. لكن في الطرف الآخر؛ هناك أشخاص مؤهلون لكنهم لا يظهرون أنفسهم ولا يتفاخرون بإنجازاتهم. ولسوء الحظ، سيبقى هؤلاء الأشخاص المؤهلون في الخلف، لا يطمحون إلى المناصب العليا من تلقاء أنفسهم، بل يرغبون في اكتشاف موهبتهم من قبل الآخرين. وفي النتيجة، سيتخلفون عما يمكنهم القيام به”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *