مجتمع

حادث البيضاء يعيد نقاش الفصل 222 للواجهة .. حرية شخصية أم استفزاز متعمد؟

أعادت قضية اعتقال أزيد من 60 شابا وشابة متلبسين بتهمة الإفطار العلني في نهار رمضان بأحد مقاهي وسط مدينة الدار البيضاء، الأربعاء، نقاش تفعيل الفصل 222 من القانون الجنائي إلى الواجهة، بين مطالب بإلغائه لكونه مخالفا لحرية المعتقد وبين من يدعو للإبقاء عليه تجنبا لتفشي مظاهر استفزاز مشاعر المسلمين خلال الشهر الفضيل.

لا إكراه في الدين .. لكن!

وفي هذا الصدد، صرح المحامي بهيئة الرباط لجريدة “العمق”، عبد المولى المروري، بقوله إن ” التجريم والعقاب على الإفطار العلني في نهار رمضان يختلف من دولة عربية إلى أخرى، بين عدم تجريمه أو العقاب عليه مثل لبنان والضفة الغربية في فلسطين، وتحريمه عند غالبية الدول العربية مع اختلاف شدة العقوبات “.

وأضاف أن “المغرب لم يخرج عن هذه القاعدة، ويجرم الإفطار العلني في نهار رمضان، حيث ينص الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي رقم 413/1959 على أن: كل مَن عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، وجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقَب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 12 إلى 120 درهما”، مردفا “وهنا اشترط القانون أمرين اثنين لتطبيق هذا النص، أولا أن يعرف الشخص باعتناقه الإسلام، ثانيا انتفاء العذر الشرعي لإفطاره في نهار رمضان “.

وتابع المروري في التصريح ذاته، أنه “في كل رمضان تظهر ظاهر الإفطار العلني في نهار رمضان المعظم من طرف بعض الشباب المغربي، من منطلق الاعتقاد أن ذلك يندرج في إطار الحقوق الشخصية، وينقسم معها الرأي العام المغربي، بين مؤيد لهذا النوع من الحقوق، وهم قلة قليلة من المجتمع، وبين معارض لذلك، وهم الأغلبية الساحقة من الشعب”، متسائلا “هل الإفطار العلني في نهار رمضان يعتبر حرية شخصية لا تستدعي التجريم والعقاب، أم هو انتهاك لحقوق الجماعة واستهتار وازدراء بالدين يقتضي التجريم والعقاب”.

وأردف المتحدث ذاته، قوله: “من المعلوم في الإسلام أن لا إكراه في الدين، من شاء منكم فليؤمن، ومن شاء فليكفر؛ هذه هي القاعدة العامة في الإسلام، ولكن هل هناك استثناء في تطبيق هذه القاعدة العامة؟”، وللجواب على هذا السؤال أشار المروري أنه “لابد أن نعلم أن الإفطار المتعمد في نهار رمضان هو كبيرة من كبائر الذنوب، وكفارتها هو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا عن كل يوم، وهذا يدل على خطورة إتيان هذه المعصية، هذا لمن أتى على هذا الفعل في خلوته ولم يطلع عليه أحدا “.

وأكد المروري أن “المشكلة هنا أن البعض يتجاوز مسألة الاختلاء بنفسه قصد الإفطار، بل يتجاوز إلى الإعلان والمجاهرة بذلك، هذا فيه أمرين اثنين من الخطورة بمكان؛ الأول أن هذا الفعل لا يقف عند اعتباره حرية شخصية، بل يعتبر استهزاء وازدراء بشهر رمضان العظيم الذي أنزل فيه القرآن، وبفريضة الصيام التي هي ركن من أركان الإسلام الخمس. وثانيا، أن هذا هدف ونتيجة هذا العمل هو استفزاز مشاعر المسلمين الصائمين الذين لهم تقديس وتقدير خاص لشهر الصيام، وهذا هو الفعل العمدي المعني بالتجريم والعقاب، لأن المسألة لم تعد حرية شخصية، بل اعتداء على مشاعر المسلمين واستهزاء بدينهم وشعائرهم ومقدساتهم. في وقت أصبحت الدول الغربية والعلمانية تتفادى استفزاز مشاعر المسلمين، باستثناء المتطرفين منهم الذين يجاهرون بعدائهم للإسلام”.

وتساءل المحامي بهيئة الرباط “هل يمكن اعتبار العري في الشارع العام وبلا ملابس حرية شخصية”، واصفا هذا التصرف بـ “المستهجن في المجتمع الغربي أصلا وغير المقبول في بلاد الحرية المطلقة”، معلقا على من يعتبر بأن الإفطار في رمضان حرية شخصية، يتابع المروري، قوله بأن “الحرية الشخصية هي أن تمارس ما تؤمن به دون استفزاز الآخرين وازدراء نظام اجتماعي توافق عليه الأغلبية الساحقة من المسلمين”، مسترسلا أنه “إذا كان فعلا همهم هو الحرية الشخصية فلماذا لا يفطر داخل بيته دون استفزاز لأحد، حينئذ لن يعتبر فعله جريمة يعاقب عليها القانون”.

حرية شخصية

وفي رأي آخر، قال نبيل بحار المدير التنفيذي للهيئة المغربية لحقوق الانسان في تصريح لـ”العمق”، إن موقفه من الصيام مثل موقفه من التدين عموما، “وأنهما معا يجب أن ينحصرا في الإطار الشخصي للأفراد، ولا يؤطر الحياة العامة، كالقوانين والتشريعات”.

كما اعتبر بحار “أنه من المفارقة أن يستمر المشرع المغربي في اعتماد قانون ينص على عقوبة غير الصائم في رمضان يرجع تاريخه إلى المقيم العام الفرنسي الجنرال ليوطي”، مردفا أنه لا يسمي المفطر في نهار رمضان علنا “مفطرا لأنه في اعتقاده لا يجب أن نلزم غير المسلمين من الأصل باصطلاحات فقهية شرعية تخص المسلمين فقط”.

وتعليقا على اعتقال الشباب المفطرين في أحد المقاهي بالدار البيضاء اليوم، أبرز الناشط الحقوقي في التصريح ذاته أنه “على الدولة اعتقال وكالين حقوق الناس، ومافيات العقار، ووكالين الأرباح اللامشروعة من المحروقات”.

وشدد بحار على أن “المغرب مطالب اليوم باحترام التزاماته الدولية التي وقع عليها، والمرتبطة باحترام حرية العقيدة والرأي وعدم سجن الناس بسبب اختلاف معتقداتهم، خاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي وقع عليه المغرب، حيث أورد في مادته 18: “لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة”.

وأردف الحقوقي أن المادة ذاتها من العهد نصت على أنه ” لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *