منوعات

كيف انتهى حلم الملياردير ساويرس بإنشاء جزيرة إيلان تأوي المهاجرين؟

تقدر المنظمة الدولية للهجرة، في تقرير الهجرة العالمية لعام 2022، أنه كان ثمّة ما يقرب من 281 مليون مهاجر دولي في عام 2020، وهو ما يعادل 3.6 في المائة من إجمالي سكان العالم. وتخلف حركة الهجرة فواجع إنسانية خطيرة في صفوف المهاجرين، مثل وفياتهم الجماعية غرقا في البحر، كما تعرضهم لانتهاكات فظيعة لحقوقهم، مثل الاتجار في البشر، والتعذيب، والتعريض لأعمال العنف والإرهاب.

وبين الفينة والأخرى تقدف وسائل الإعلام ضمير العام بصور صادمة لأطفال أو نساء وشباب ومراهقين في أوضاع لا يتحملها الخيال، مثل صورة الطفل السوري إيلان كردي الذي هجرت أمواج البحر جثته على الشاطئ.

ولعل الصورة الإنسانية القاتمة التي تصاحب الهجرة هي من أوحت بحلم تخصيص جزيرة منعزلة تحتضن اللاجئين لتكفيهم ويلات حروب الوطن وعذابات الانتظار على حدود الدول.

وحسب الجزيرة نت، هذا الحلم الذي يبدو خارجا من باب المدينة الفاضلة للفيلسوف اليوناني أفلاطون، حاول الملياردير المصري نجيب ساويرس تنفيذه على أرض الواقع، بل وداخل وطن الفيلسوف الشهير نفسه، غير أن المثالية التاريخية لم يتسن لها التحقق في القرن الـ21.

قبل 7 سنوات، حسب نفس المصدر، حاول ساويرس تخصيص منطقة آمنة تستقبل اللاجئين في جزيرة يونانية بالبحر الأبيض المتوسط، غير أنه أخفق في ذلك، وأعلن مؤخرا عن سبب عدم اكتمال مشروعه، وهو عدم موافقة السلطات اليونانية.

وعبر حسابه على تويتر ردا على تغريدة للكاتبة الأردنية أمل الحارثي تمنت فيها تخصيص مكان آمن للاجئين، قال رجل الأعمال المصري “المشكلة مكانتش (لم تكن) في شراء الجزيرة، المشكلة كانت في موافقة السلطات اليونانية على السماح للمهاجرين بالعيش في الجزيرة وتوفير إجراءات الدخول والأمن”.

بداية الحلم

خلال أبريل/نيسان الجاري، أعلنت مجلة “فوربس” (Forbes) عن قائمة أغنياء العرب لعام 2022، واحتل ساويرس -البالغ من العمر 67 عاما- المرتبة الثالثة بين أغنياء الشرق الأوسط، بثروة بلغت 3.4 مليارات دولار في 2022 بزيادة 200 مليون دولار عن العام الماضي.

أما قصة الجزيرة فتعود إلى سبتمبر/أيلول 2015، حين تأثر الملياردير المصري بمشهد وفاة الطفل السوري إيلان كردي، الذي غرق خلال رحلة بحرية أليمة قامت بها أسرته للوصول إلى الحدود الأوروبية، ليلعن عن رغبته في شراء جزيرة تستوعب اللاجئين.

ومن خلال تصريحات صحفية متنوعة آنذاك، شرح حلمه بأنه سيبني ميناء صغيرا أو مرسى قوارب بالجزيرة، وسيجعل الناس يبنون منازلهم إضافة إلى مدارس ومستشفى وجامعة وفندق.

ومضى ساويرس في أحلامه آنذاك قائلا إن بإمكانه توظيف من 100 إلى 200 ألف لاجئ داخل الجزيرة، وإنشاء شركة مساهمة مشتركة برأس مال أولي يبلغ 100 مليون دولار، مشيرا إلى أنه سيطلق اسم “إيلان” على الجزيرة.

واستطرد “صورة إيلان أيقظتني، قلت إنني لا أستطيع الجلوس من دون فعل أي شيء، وأدعي أنها ليست مشكلتي”.

وعما إذا كان تخصيص جزيرة للاجئين مجرد حلم عابر أو نوعا من الدعاية المجانية لرجل الأعمال المصري، قال ساويرس “أنا لست بحاجة إلى أي شيء.. أنا لست بحاجة إلى الشهرة.. أنا مشهور.. أنا لست بحاجة إلى المال.. لدي نقود.. لا يوجد شيء في ذلك لمصلحتي.. أريد فقط أن يكون لدي شعور جيد ناحية ذاتي بأنني فعلت شيئا ولم أجلس صامتا.. هذا كل شيء”.

وشدد على أن تحويل الفكرة إلى واقع يحتاج لأن تكون الجزيرة خاضعة لسلطات البلد التي تقع ضمن حدوده، فضلا عن كثير من الإجراءات المتعلقة بمتابعة ببيانات اللاجئين.

وبالفعل حدد ساويرس جزيرتين يونانيتين مملوكتين للقطاع الخاص يصلحان لتنفيذ حلمه، معلنا التواصل مع أصحاب الجزيرتين.

وبعد 3 سنوات من الإعلان عن حلمه، أجاب ساويرس عبر تويتر عن سؤال حول الحلم الذي لم يستطع تحقيقه، مؤكدا أن شراء جزيرة للاجئين السوريين هو الحلم الذي أخفق في تحويله إلى حقيقة.

يوتوبيا وتهديد

تفاعل عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع فكرة شراء جزيرة وتخصيصها للاجئين، وتضامن بعضهم مع الفكرة اليوتوبية بعدما فشل العالم في حل الأزمة الإنسانية الناتجة عن الحروب، في حين رأى آخرون أن رفض الحكومة اليونانية طلب ساويرس في محله كون ذلك يعد تهديدا أمنيا لحدودها وتنازلا عن قطعة من أراضيها لصالح مواطني دول أخرى.

وفي أغسطس/آب الماضي، أثار ساويرس -وهو مسيحي الديانة- جدلا واسعا عبر منصات التواصل الاجتماعي عقب اقتراحه أن تستضيف بلاده لاجئين أفغانا بعد سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان، إثر رحيل قوات الاحتلال الأميركي.

جزيرة مغلقة

ويبدو أن الحكومة اليونانية اقتبست حلم ساويرس ولكن على طريقتها الخاصة، ففي سبتمبر/أيلول الماضي افتتحت الحكومة اليونانية مخيما للاجئين في جزيرة ساموس، ووُصف بأنه أول مخيم مغلق وخاضع للمراقبة، إذ إنه محاط بالأسلاك الشائكة وكاميرات المراقبة.

ووضعت السلطات اليونانية قيودا على اللاجئين، حيث سيكون دخول المخيم مخصصا فقط لطالبي اللجوء الذين يحملون بطاقات ذات شرائح إلكترونية مع حظر الدخول والخروج ليلا.

ورغم تأكيد أثينا أن المخيم المنعزل، الذي تبلغ مساحته 12 ألف متر مربع، سيكون مستوفيا للمعايير الأوروبية لاستقبال اللاجئ، فإن وسائل إعلام أوروبية نقلت قلق منظمات حقوقية من ذلك المخيم، إذ سيمنع تحديد الأشخاص الأكثر ضعفا بشكل فعال وسيحد من وصول طالبي اللجوء إلى الخدمات ويزيد من حدة الأثر الضار للإغلاق على الصحة العقلية للأشخاص.

وأعربت ممثلة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في اليونان ميراي جيرار عن قلقها من كون المخيم مغلقا. وأضافت في تصريحات لوكالة فرانس برس أن مفوضية اللاجئين تعتبر أن طالب اللجوء يحتاج إلى الحماية، فهو ليس مجرما أو شخصا يمثل خطرا على المجتمع، لافتة إلى أن المخيمات يجب أن تكون مفتوحة.

حلول أخرى

الحلم المثالي لرجل الأعمال المصري لتخصيص مكان للاجئين فيما يشبه المدينة الفاضلة، يتغافل عن سياسات الدول والأطر القانونية المنظمة للتعامل مع اللاجئين، بغض النظر عن مدى إنسانية تلك السياسات والقوانين من عدمه.

وبعيدا عن يوتوبيا الحلول، شرعت عديد من الجهات الحقوقية والمراكز البحثية في تفنيد وسائل حل أزمة اللاجئين.

وفق تقرير لمؤسسة ماكلوم كير كارنيغي للشرق الأوسط، باتت عملية إعادة التوطين في دول أوروبية وغربية أخرى أكثر صعوبة منذ عام 2015، وأسهم السياسيون الشعبويون والأحداث الأمنية في تضييق الخناق على سياسة الهجرة في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وذكر التقرير الذي حمل عنوان “أزمة اللاجئين في العالم العربي”، أن الدول الأوروبية تحرص على الإبقاء على المهاجرين السوريين في البلدان المجاورة لها، مشيرا إلى الصفقة المبرمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا والتي وافقت بها الأخيرة على استضافة طالبي اللجوء الذين جرى ترحيلهم من اليونان مقابل 6 مليارات دولار من المعونات.

وأبرز التقرير تنامي شعور اللاجئين بأنهم محاصرون في مصيدة بين دول مضيفة تحاول ترحيلهم عنها من جهة، ورحلة العودة المحفوفة بالمخاطر من جهة أخرى، داعيا إلى بذل جهود دؤوبة من المجتمع الدولي للتخفيف من الأوضاع البائسة التي يواجهها اللاجئون على جانبي الحدود.

وفي ظل ضيق الخيارات أمام اللاجئين بصورة متزايدة، رأى التقرير البحثي وجوب بحث أصحاب المصلحة والأطراف المعنية الأخرى عن حل سياسي دائم يشمل عودة اللاجئين آمنين إلى أوطانهم، في ظل ضمانات سياسية وأمنية ضرورية.

9 حلول

وتحت عنوان “9 حلول للترحيب باللاجئين”، قدمت منظمة العفو الدولية تقريرا يتناول حلولا لأزمة اللاجئين العالمية.

وعددت المنظمة الحقوقية الدولية وسائل حل الأزمة، ومنها إتاحة إمكانية حصول الأشخاص على اللجوء باعتباره حقا إنسانيا مع رعاية اللاجئين من خلال السماح لمجموعات من الأشخاص بجمع الأموال من أجل إحضار اللاجئين إلى بلدانهم ومساعدتهم على الاستقرار فيها.

ومن ضمن الحلول أيضا، لمّ شمل العائلات من خلال موافقة حكومات الدول على السماح للاجئين بالانضمام إلى أفراد عائلاتهم المستقرين أصلا في الخارج.

وأشار التقرير إلى إمكانية منح تأشيرات صحية للاجئين الذين يعانون من حالات مَرَضية خطيرة ويحتاجون علاجا لإنقاذ حياتهم، فضلا عن توفير تأشيرات لاجئين لبدء دراستهم في مدارس وجامعات بلد آخر.

كذلك يمكن بدء مشاريع للاجئين، وتوفير وظائف لهم من أجل تأمين المعيشة، وهو ما يساعدهم على الاستقلال والاندماج بالمجتمع الجديد، إلى جانب تسريع إعادة التوطين لأولئك الذين يحتاجون اللجوء أكثر من غيرهم من الأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *