خارج الحدود

أمريكا تعتزم إلغاء حق الإجهاض والجدل يحتدم حول تسريب وثيقة بشأنه

تجدد الجدل السياسي والاجتماعي بقوة في الولايات المتحدة الأميركية بعد تسريب وثيقة تظهر عزم المحكمة العليا الأميركية على إلغاء قرار يضفي على الإجهاض صبغة قانونية.

وأكد رئيس المحكمة العليا الأمريكية أن وثيقة مسربة تشير إلى أن ملايين النساء الأمريكيات قد يفقدن حقهن القانوني في الإجهاض هي وثيقة حقيقية، حسب بي بي سي عربي. وقال القاضي، جون روبرتس، إن هذا لا يمثل القرار النهائي للمحكمة.

وأثار التسريب توقعات بإلغاء قرار عام 1973 الذي شرع الإجهاض في الولايات المتحدة، وقضى بأن النساء لهن الحق في الإجهاض وفق ما يكفله دستور الولايات المتحدة، والقرار الجديد سيسمح لكل ولاية أمريكية بحظر الإجهاض بشكل منفرد.

وحسب الجزيرة نت، نشر موقع “بوليتيكو” (Politico) مسودة قرار المحكمة المسرب، وقال إن أعضاء المحكمة وافقوا عليها بالأكثرية، وهي مؤرخة في العاشر من فبراير/شباط الماضي وصاغها القاضي المحافظ صمويل آليتو، لكن هذا النص لا يزال مدار نقاش بين أعضاء المحكمة بانتظار صدوره بصيغته النهائية قبل يونيو/حزيران المقبل.

وحسب المسودة المسرّبة التي تقع في 98 صفحة وعنوانها “رأي المحكمة”، قال القاضي صمويل آليتو باسم أكثرية أعضاء المحكمة “نرى أنه ينبغي إلغاء (حكم) رو ضد ويد”، مشددا على أن الإجهاض “ليس مكفولا بأي من مواد الدستور”.

الجدل السياسي والاجتماعي يحتدم

ومع انتشار نبأ المسودة المسربة في الولايات المتحدة، خرجت مظاهرات لمؤيدي الإجهاض وأخرى لمعارضيه أمام مبنى المحكمة العليا مساء الاثنين، حسب الجزيرة نت.

وإذا أقرّت المحكمة العليا هذا القرار بصورة نهائية فستعود الولايات المتحدة إلى الوضع الذي كان ساريا قبل 1973 عندما كانت كل ولاية حرة في أن تسمح بالإجهاض أو تحظره.

ونظرا إلى الانقسامات الجغرافية والسياسية الكبيرة في الولايات المتحدة بشأن هذه القضية يُتوقع أن تسارع نصف الولايات، وخاصة في الجنوب والوسط المحافظَين، إلى حظر الإجهاض على أراضيها إذا حكمت المحكمة العليا بأن الإجهاض ليس حقا مكفولا على المستوى الفدرالي، حسب نفس المصدر.

وسارعت منظمة “بلاند بارنتهود” (Planned Parenthood) التي تدير عددا من عيادات الإجهاض إلى التنديد بهذه المسودة.

وقالت المنظمة في تغريدة على تويتر “لنكن واضحين: هذه مسودة أولية، إنها شائنة وغير مسبوقة لكنها ليست نهائية، الإجهاض لا يزال حقك ولا يزال قانونيا”.

وقد تغير ميزان القوى داخل المحكمة العليا جذريا في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الذي عيّن 3 من قضاتها التسعة، واختارهم جميعا من المحافظين، فأصبحت أغلبية الثلثين فيها من المحافظين (6 مقابل 3).

وحسب بي بي سي عربي، دعا الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى المحافظة على حق النساء في الإجهاض، مؤكدا أنه إذا تم المضي قدما في القرار، فقد يشكك في الحريات الأخرى، مضيفا أن “الحد الأدنى من العدالة” يقضي بعدم نقض حق النساء في الاختيار.

لكن التهديد بإلغاء القرار يأتي في وقت تتعرض فيه الحقوق الإنجابية للتهديد في الولايات التي يغلب عليها الآن الميول الجمهورية في الولايات المتحدة.

وأثارت تلك التسريبات غضبا فوريا من الديمقراطيين، واحتجاجات – من جانب المؤيدين والمعارضين للإجهاض – خارج المحكمة العليا ليلة الاثنين

وأصدرت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، وكلاهما ديمقراطيان، بيانا مشتركا قالا فيه إنه إذا كان التقرير دقيقا فإن “المحكمة العليا مهيأة لفرض أكبر تقييد للحقوق في الخمسين عاما الماضية”.

إدانة التسريب وفتح تحقيق

وصف رئيس المحكمة العليا، جون روبرتس، في بيان، تسريب الوثيقة بأنه خيانة وأمر بفتح تحقيق، قائلا، حسب بي بي سي عربي، إن عمل المحكمة “لن يتأثر بأي شكل من الأشكال”.

وقال روبرتس، حسب نفس المصدر، إن موظفي المحكمة “لديهم تقليد نموذجي وهام في احترام سرية العملية القضائية، والحفاظ على ثقة المحكمة”

وأضاف “كان هذا انتهاكا فظيعا ونادرا لتلك الثقة، وإهانة للمحكمة ومجتمع الموظفين العموميين الذين يعملون هنا”.

وأضاف “أمرت رئيس شرطة المحكمة بفتح تحقيق في مصدر التسريب”.

ويسبب التسريب نفسه، بحسب شبكة سي بي إس نيوز الأمريكية، ضررا هائلا لإحدى أكثر المؤسسات احتراما في أمريكا. ومن المحتمل أن يشهد تحقيقا شاملا، يشارك فيه مكتب التحقيقات الفيدرالي، لكشف المصدر.

الإجهاض في أرقام

أعطى قرار “رو ضد وايد” في عام 1973 النساء في الولايات المتحدة حقا مطلقا في الإجهاض في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، وحقوقا محدودة في الثلث الثاني من الحمل.

وأبلغ عن حوالي 630 ألف حالة إجهاض في الولايات المتحدة في عام 2019، وفقا للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض. وكان هذا انخفاضا بنسبة 18 في المئة مقارنة بعام 2010

وتمثل النساء في العشرينيات من العمر غالبية عمليات الإجهاض – ففي عام 2019 كانت حوالي 57 في المئة من هذه الفئة العمرية

ويمارس الإجهاض بين الأمريكيات السود بمعدل أعلى – 27 لكل 1000 امرأة تتراوح أعمارهن بين 15 و 44 عاما.

وبسبب القرار الجديد المتوقع، قد يفقد ما يقرب من نصف النساء الأمريكيات في سن الإنجاب (18-49) – أي حوالي 36 مليون – إمكانية اللجوء إلى الإجهاض بشكل قانوني، وفقا لتقدير أصدرته منظمة الأبوة المخططة، وهي منظمة رعاية صحية تقدم عمليات الإجهاض.

وتنظر المحكمة في قرار”رو ضد ويد” لأنها تبحث طعنا بشأن حظر ولاية ميسيسيبي للإجهاض بعد 15 أسبوعا من الحمل. وكان القضاة قد بدأوا جلسات الاستماع في الطعن في ديسمبر/كانون الأول.

خصوصية تاريخية واجتماعية

كان الإجهاض يمارس على نطاق واسع في الولايات المتحدة، باستخدام الأعشاب ووسائل أخرى، حسب يورو نيوز.

وكانت قوانين مكافحة السموم، التي صدرت في منتصف القرن التاسع عشر، واحدة من أقدم قوانين منع الإجهاض، حسب نفس المصدر، كاستجابة فورية لانتشار المواد الكيميائية المُجهضة التي أصبحت شائعة آنذاك. وبحلول أواخر القرن التاسع عشر، كان لدى معظم الولايات قوانين تحظر الإجهاض إلا لإنقاذ حياة أو صحة المرأة الحامل.

بدأت قضية حظر الإجهاض لأسباب مختلفة، أولها كان جزءا من رد الفعل العنيف ضد حركة حقوق المرأة المتنامية التي دعت إلى “الأمومة الطوعية” على الرغم من أن هذه الحركة لم تدعم فعليا الإجهاض.

وفي ستينيات القرن الماضي، نظمت النساء حركة تحرير نسائية، مستوحاة من الحركات المدنية والمناهضة للحرب، لجعل الإجهاض ممارسة آمنة وقانونية. وتحدثت النساء في جلسات علنية عن تجارب الإجهاض غير القانونية التي قمن بها لأول مرة

وفي 22 يناير كانون الثاني 1973، ألغت المحكمة العليا الأمريكية جميع قوانين الإجهاض الجنائية في قرار “رو ضد وايد” التاريخي. وقضت المحكمة بأن للناس حقًا أساسيا في الخصوصية تأسس على مفهوم الحرية الشخصية في التعديل الرابع عشر الذي يضم ثلاثة فصول

ورأت المحكمة أن قرار الإجهاض يجب أن يترك للحامل بالتشاور مع طبيبها خلال الأشهر الثلاثة الأولى، وأن الدولة قد تنظم الإجهاض بطرق ترتبط بشكل معقول بصحة الأم في الفصل الثاني، وأنه خلال الفصل الثالث قد تنظم الدولة أو تحظر الإجهاض، إلا عند الضرورة واستنادا على حكم طبي مناسب، لحياة وصحة المرأة الحامل

وفي قضية “بيلوتي ضد بيرد” عام 1979، قضت المحكمة العليا بأنه يمكن للولايات الإصرار على حصول القاصر على موافقة الوالدين لإجراء عملية إجهاض. وفي الوقت ذاته، طلبت المحكمة توفير خيار الالتفافية القضائية التي تمكن الشباب بموجبه تقديم التماس إلى القاضي للحصول على إذن لإجراء عملية إجهاض دون إخطار والديهم إذا كان بإمكانهم إثبات نضجهم بما يكفي لاتخاذ قرارهم

وجدير بالذكر أن الشابة الأمريكية ريبيكا سوزان “بيكي” بيل كانت أول قاصرة تموت بسبب الإجهاض غير القانوني بسبب قوانين موافقة الوالدين. وفي 16 سبتمبر 1988، توفيت مراهقة إنديانا البالغة من العمر 17 عاما بسبب مضاعفات الإجهاض الإنتاني إثر عدم حصولها على موافقة والديها

في عام 2003، أصدر الكونغرس قانون حظر “الإجهاض الجزئي للولادة” (PBA)، والذي تم توقيعه من قبل الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش. وقد طعن المدافعون عن حقوق الإجهاض القانون لكن بدون جدوى. ويرجع ذلك إلى وجود قاضيين محافظين جديدين في المحكمة العليا، وهما جون روبرتس وصمويل أليتو.

واعتبر هذا القانون واحدا من عدة حالات يملي من خلاله السياسيون حق ممارسة الطب دون اعتبار للعلوم الطبية أو صحة الحوامل. كما أنه يسلط الضوء على التسييس المتزايد للمحكمة العليا، فقد أصبح موقف المرشح من الإجهاض اختبارا أساسيا للرؤساء الجمهوريين

وفي شهر فبراير الماضي، وقع حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس، على قانون حظر على معظم عمليات الإجهاض بعد 15 أسبوعا من الحمل على أن يسري مفعوله في الأول من يوليو المقبل

كما ألغى المشرعون في ولاية كنتاكي حق النقض الذي فرضه الحاكم في إجراء يقيد عمليات الإجهاض مع استثناءات قليلة في الحالات التي يكون فيها الإجهاض ضروريا لإنقاذ حياة الأم أو إذا كان الجنين يعاني من إصابة خطيرة.

وعليه، تم فرض حظر على الإجهاض في 31 ولاية أمريكية هذا العام، وفقا لمعهد “غوتماشر، وهو مجموعة بحثية تدعم حقوق الإجهاض.

وقالت إليزابيث ناش، محللة سياسة الدولة في المعهد إن “ما نراه الآن هو عبارة عن تراكم عقود تبنت خلالها الهيئات التشريعية في الولايات القيود، واليوم يتحركون باتجاه فرض حظر مستمر”

معركة سياسية بقفاز القضاء

قبل خمس سنوات، عشية الانتخابات الرئاسية لعام 2016، تعهد دونالد ترامب بتعيين قضاة المحكمة العليا الذين سينقضون “تلقائيا” حكم “رو ضد وايد”.

وخلال فترة توليه لمنصبه، قام ترامب بتغيير شكل المحكمة من خلال تعيين ثلاثة قضاة جدد ومنح المحافظين الأغلبية بـ6 قضاة مقابل 3 فقط من الليبراليين، مما شجع النشطاء المناهضين للإجهاض وصناع السياسات والقضاة المحافظين.

واليوم، يبدو أن مسودة الرأي المسربة تظهر أن غالبية قضاة المحكمة يعتزمون إسقاط الحكم الدستوري، الذي حمى حق الإجهاض منذ حوالي 50 عاما، على يد القاضي المحافظ صمويل أليتو الذي قام بصياغة مسودة القانون بموافقة ما لا يقل عن أربعة أعضاء محافظين آخرين في المحكمة العليا.

في عام 2020، حظرت العديد من الولايات الإجراءات الطبية غير الأساسية خلال جائحة كورونا، وهو ما ممثل فرصة انتهزها صانعو السياسات المناهضة للإجهاض في اثنتي عشرة ولاية إذ حاولوا إغلاق عيادات الإجهاض بذريعة أن الرعاية الصحية للإجهاض غير ضرورية.

وخارج أبواب المحكمة، طعن المدافعون عن حقوق الإجهاض في الحظر في العديد من الولايات وكانت المعركة شرسة بشكل خاص في تكساس حيث مر طعن قانوني في نظام المحاكم لأسابيع، مما أدى إلى إحداث فوضى عارمة

واستجابة لهذه القيود التي تفرضها المحاكم، أصدرت الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد، وجمعية تنظيم الأسرة وغيرها من المؤسسات الطبية الرئيسية بيانا مشتركا يؤكد أن الإجهاض هو رعاية صحية أساسية ولا ينبغي إلغاؤه أو تأخيره، لأن “العواقب تؤثر بشكل كبير على حياة الشخص وصحته ورفاهه”

تجدر الإشارة إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، عارضت قرار ولايتي تكساس ومسيسيبي في تمرير تشريعات معقدة ومحددة لعمليات الإجهاض داخل حدودها.

وأكدت المحامية العامة إليزابيث بريلوغار، الممثلة لإدارة الرئيس بايدن، أمام المحكمة العليا أهمية الابتعاد عن المساس بقانون “رو ضد وايد”، الذي ضمن حق الإجهاض على مدى 50 عاما.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *