منتدى العمق

أخي الشرطي.. كلنا معك

أنت إبن هذا الشعب ،تربيت في حضنه و تعلمت بفضل تضحيات والديك و معلميك و معلماتك أن الإختبار صعب و بإمكانك اجتيازه إذا اجتهدت و لو شعرت بشي من التعب و الجوع و حرمان من لباس جديد و عطلة على شواطئ و على قمم جبال بلدك الأصيل. كنت كأقرانك تمني النفس بشيء من الحياة الرغدة و الإستمتاع بنشوة النظر إلى زرقة سماء بلادك و أن تتكحل عيناك بجمال سهولها و وديانها و شواطئها و رمالها الذهبية. أخترت كمهنة أن تسهر على أمن شعب أنت منه و أقسمت أن تؤدي الواجب بكل أمانة . لبست الزي الرسمي و تعودت على الصعوبات و حافظت على العهد. و بعد فترة جاء العيد و معه إجازة لزيارة الأهل و الأقارب و ركبت الحافلة الى مدينتك. و لأن الواجب سكنك حتى النخاع، وجدت نفسك في مواجهة سلوكيات همجية في الحي الذي سكنته مع والديك و تدخلت لتلطيف الأجواء بين متخاصمين. فكنت يا فاعل الخير أول من اصابته يد الغدر. تدفقت دماءك و بعدها سافرت بعيدا عن عالم الأحياء. وتكلم أهل هذه الارض عن حادثة مثل ما يقع يوميا . بعضهم تألم قليلا و كثير منهم نسي أن الأمر يتعلق بروح شرطي راحت من جراء من سكنتهم روح الإجرام و أسباب هذه الروح الشريرة شتى.

بكتك امك و باقي أسرتك أيها الذي كان ضابط شرطة مبتدئ و نسيك من جعلوا من حياتهم ترصد اخطاء رجال الأمن. لو صفعت سارقا أو معتديا على مواطنة لأعدوا العدة لمحاكمتك و حتى لصلبك كما صلب حاملو رسائل الحق في ماض سحيق . و لو تم الاعتداء على أبنائهم او أخواتهم في زقاق بعيد لقالوا أن ضباط الشرطة من أمثالك متقاعسون . رحلت عن عالمنا لكن المظلومين ممن اختاروا العمل في أسلاك الشرطة بصدق و تفاني لا زال ينتظرهم الكثير. الكل يريد الأمن و الطمأنينة و سلاسة حركة السير و اكتشاف مجرمي الطريق و مزوري الاوراق المالية و مرتكبي الجرائم الاليكترونية و لصوص المال العام و التصدي لكل اشكال الجريمة و غيرهم، لكنهم يجدون متعة كبيرة في رسم صورة سوداء عن الشرطة عند سماع أول خبر عن فاسدين، وهم قلة، لا يحترمون واجبهم نحو الوطن و الشعب. لكنك اقسمت باسم من خلقك على الوفاء و تقديس الواجب . و غيرك كثير و ضدك قليل سيلقى الجزاء.

صحيح أن إدارة الأمن دخلت في مسار عدم افلات أي مسؤول من المحاسبة. لكن المنظومة القانونية لا زالت تكبل فاعل الخير في مواجهة فاعل الشر. رأينا كم هي صعبة مواجهة حاملي الأسلحة البيضاء و الأجدر أن نسميها السوداء، كما رأينا صبر الشرطي اللامتناهي قبل إستعمال سلاحه الوظيفي. و سمعنا عن ما يتحمله الشرطي من مسائلات خلال الدفاع عن المواطنين و عن نفسه. و قد اثار هذا التعامل حفيظة الكثير من المواطنين الذين يريدون شرطة حازمة يوازي حزمها خطورة ما تتعرض له من اخطار هي و المواطن. الإجرام واقع نعيشه يوميا. له أسباب ذاتية و موضوعية و لكن مواجهته توجب حفظ الأرواح و الممتلكات و العيش المشترك بشدة و ذلك قبل فوات الأوان. و هذا ما تطبقه شرطة الدول التي تجدرت ديمقراطيتها في عمق تربتها. حذاري ان يوقفك شرطي أمريكي و أن لا تكون يديك متمددتان على لوحة قيادة السيارة. أية مخالفة لهذه القاعدة تشرعن استعمال السلاح الوظيفي في بلد تباع فيه الأسلحة كالأكلات السريعة.

قبل أيام لم يتوقف شاب يقود دراجة نارية بعد ان أمره شرطي دراج بذلك. استدعى الأمر تتبع سائق الدراجة الذي كانت خلفه فتاتان. بعد دقائق تهاوى الشاب و مرافقتيه و كانت الحادثة المميتة بعد عبور غير ناجح لحاجز مرتبط ببلوعة غير مغلقة. ألقى القبض على الشرطي الذي كان يؤدي الواجب و أحيل على النيابة العامة التي قررت متابعته في حالة اعتقال. تحركت منظمة حقوقية للدفاع عن الشرطي و هذا أمر يقع، ربما، لأول مرة. و قيل ما قيل عن تسبب الشرطي في وفاة شاب في مقتبل العمر. و لنفترض ان الشرطي قد تلافى متابعة مرتكب لخطا في إستعمال سيء لدراجته النارية . ماذا كان سيقول المتابعون من مترصدي ما يحدث على الطريق. سيقولون أن الشرطي متواطئ و أنه خاف من سطوة قد تؤذيه و أن أولاد الفشوش لهم حظوة و نفوذ.

لا يمكن أن ننفي وجود الفاسدين في كل مرافق مؤسساتنا و من ضمنها مؤسسة الشرطة و لكن الكثير من ضباطنا و قضاتنا و مديري مؤسساتنا و معلمينا و مسؤولينا ثابتون على المبادىء. و كل من ثبت في حقه استغلال لسلطته عن طريق رشوة او تأثير على تفعيل يجب أن يلقى الجزاء على ما اقترف من مخالفات. و لكن الأهم هو الثقة في مؤسسات البلاد و من ضمنها مؤسسة الأمن التي تعطي كل المعنى لدولة الحق و القانون. هذه المؤسسة تزرع ثقافة التضحية في المنتسبين إليها ويجب عليها ان تحميهم من المجرمين. و على الدولة أن تمكن هذه المؤسسة من التشريعات و الإمكانيات التي تضمن فعالية تدخلاتها. ليس مباحا أي مساس بالشرطي لأنه رمز لوطن يضمن الأمن للمواطن و ليس مباحا لأي أحد أن يتلاعب بأمن الوطن. من اعتدى على شرطي يستحق أشد العقاب و من قاوم تدخل الأمن ضد مجرمين و تجار مخدرات و غيرهم يجب أن يؤدي الثمن. الشرطي ابن هذا البلد كغيره ممن يعملون في عدة قطاعات. لكل هذا لا يجب التعبير عن أي تعاطف مع من مس بسلامة من يسهرون على سلامتنا. و كل التحيات و التقدير لأخي الشرطي في كل جهات المملكة لأننا نحب العيش في بلد الحق و القانون الذي يحارب كل من يريد أن يطغى على من هم اقل منه موقعا و قوة و جاه و سلطة و مالا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *