وجهة نظر

يتيم يرثي والدة بنكيران: لالة مفتاحة أو الأم المدرسة

لا يمكن أن أقول عن للامفتاحة المنتقلة إلى عفو الله أكثر مما قال الأستاذ عبد الاله بن كيران وأكثر مما قاله عنها ابناؤها .. ولكن يكفي أن اقول انها نموذج من جيل من الأمهات ، جيل هو الان غادرنا او يغادرنا الى دار البقاء او هو قد بلغ من السن عتيا
هي شخصية قوية تشعر وانت واقف أمامها بمشاعر الهيبة وبالاحترام والتقدير ، هي امرأة مكافحة استطاعت ان تواجه تحديات الحياة واوضاعا اجتماعية صعبة وتحداها وتعيش على الكفاف والعفاف وتوفر لابنائها الشعور بالاستغناء وعزة النفس والاعتماد على الذات وعدم مد اليد.

هي امرأة لم تنل نصيبا كبيرا من التعلم او لم تذهب أصلا الى المدرسة ولكنها أشربت حب العلم والمعرفة وزرعته في قلوب آبنايها وجاعت من اجل ان يتعلموا وعرت من اجل ان يواصلوا مسارهم الدراسي.

هي امرأة مثقفة حتى وان لم تنل نصيبا من التعلم ولم يكتب لها الذهاب للمدرسة بسبب ان منسوب الثقافة في المجتمع كان عاليا ، ومنسوب القيم الدينية والاجتماعية كان عاليا ايضا ينتقل من جيل الى جيل ، لذلك فلا مفتاحة وجبلها من الأمهات والنابغات منه على الأقل كن يتكلمن حكمة وعظة ، حيث ان لهن في كل موقف حكمة مستنبطة من الأمثال الشعبية هي في الحقيقة جواهر غالية !! واستمرت حكمتهن حاضرة ومواكبة للأحداث السياسية الحالية ، حتى أنهن من حين لآخر يقدمن دروسا وقواعد كبيرة في قواعد اللياقة والتعامل السياسي ، وفي حالة للامفتاحة حكى الاستاذ بن كيران جوانب من ذلك !!

هي امرأة شاهدة على عصر كامل عاشت هي ونظيراتها في اجواء النضال الوطني من اجل نيل الاستقلال وشاركن فيه اما مباشرة واما من خلال دعم أزواجهن ، وعشن أحداثا كبرى وتفاعلن معها من قبيل نفي السلطان محمد الخامس وعودته من المنفى والانقلابات العسكرية والمسيرة الخضراء وتفاعلن مع نكسة 67 وتألمن لها وفرحن بانتصار 73 وتنقسن الصعداء لفشل الانقلابين وتابعن بحسرة التحولات السلبية في عالم القيم التي عرفها العقدان الأخيران ، وحاولن ان ينقلن خبرتهن الى بناتهن او أزواج أبنائهن .. وباختصار هو جيل من النساء اتعب من جاء بعدهن !!

أتذكرها في بيتها بالعكاري حيث نشأ وتدرج ابنها بن كيران لم تضجر يوما بنشاط ابنها الدعوي والسياسي حتى ان البيت المذكور قد تحول الى مقر للحركة انذاك ، وقد خصصت فيه غرفة ملحقة به الى مكان للحلقات التربوية ، ومنها على الخصوص أولى الحلقات النسوية التي كان من بين رائداتها طالبة ستتحول الزوجة لأحد رفاقه هو كاتب هذه الخواطر !!

كانت للامفتاحة لا تتضايق من ذلك وترحب بالزائرات وكانت تعرف جيل أولئك ” الأخوات واحدة واحدة كل باسمها واسم زوجها وفي الغالب ما كانت تتحدث عنهن بفلانة زوجة فلان !!

للامفتاحة بالخصوص” دار كبيرة ” كما يقول المثل المغربي .. احتضنت منذ عرفتها مستضعفين ومستضعفات وحالات اجتماعية مختلفة وورث عنها عبد الاله ذلك .. هو حس اجتماعي وانساني موروث ، وتعلمت على يديها وفي كنفها عدة فتيات يتيمان او مشردات والمساعدات اللواتي مررن من بيتها وورثن منها كثيرا من حكمتها الاجتماعية والأخلاقية .. تعلمن في مدرسة او أكاديمية للا مفتاحة !!

في كل ما اشرت اليه وهو قليل من كثير اتحدث عن جيل كامل ..اجد فيه كثيرا مع التشابه مع الوالدة شافاها الله مع اختلافات وخصوصيات .. واجد فيها جوانب مما كتبته في روايتي “نايحات السلطان ” . ف للا مفتاحة هي واحدة منهن !!

ليس من الغريب ان يسير وراء جنازتها حشد كبير من الشخصيات من كبار رجالات الدولة ومن كل اطياف المشهد السياسي وألوانه .. ليس لانها والدة رئيس ولكونها ولدت وربت واستمرت له اما ومربية وانصحة بل ومنتقدة حتى وهو رئيس الحكومة .. وعلى غرار ما قاله خالد مشعل في الاستاذ عبد الاله بن كيران : هناك أشخاص يشرفون ويكبرون بالمناصب .. والمنصب يشرف ويكبر بابن كيران . اقول : هناك امهات يكبرن ويعرفن بأبنائهن وبن كيران كبر وعرف ب “للا مفتاحة “
رحمة الله عليها وأسكنها فسيح جناته !!