خارج الحدود

مسيرة أعلام الاحتلال.. الوجه “المدني” لسياسة الأمر الواقع في استراتيجية تهويد القدس

شهد يوم الأحد فصلا جديدا من فصول صراع الفلسطينيين مع الاحتلال حول هوية المدينة المقدسة. وتنوعت الأساليب التي تعتمدها إسرائيل في تطبيق سياسة الأمر الواقع في سعيها لتهويد القدس ضدا على التاريخ والأديان والقانون الدولي وضد حقوق الانسان.

وجاءت بدعة تنظيم مسيرة الأعلام للتمويه على إقحام الدولة العبرية للمدنيين المتدينين والمتطرفين في ساحة الصراع المباشر مع الفلسطينيين.

ويؤشر تنامي أعداد المتطرفين المشاركين في تلك المسيرات كل سنة مؤشرا خطيرا على مستقبل الصراع حول المدينة المقدسة.

وعرف احتفال المتطرفين خلال مسيرة الأعلام عدة جرحى في صفوف الفلسطينيين بسبب تدخل قوات الأمن الإسرائيلية التي حمت مسيرة طمس الهوية الإسلامية للمسجد الأقصى، وأطلقت الأعيرة والقنابل المسيلة للدموع ضد احتجاجات الفلسطينين، كما حاولت منعهم من رفع العلم الفلسطيني، وتمكن الفلسطينيون من فرض العلم الفلسطيني الذي انفرد بالتحليق في سماء الأقصى وفوق البنايات، وفي أيدي آلاف المدافعين على هوية الأقصى.

في التقرير التالي، صورة عامة عن “مسيرة الأعلام” تاريخها، أهدافها، والجرائم التي خلفتها في صفوف الفلسطينيين، اعتمادا على مصادر إعلامية مختلفة (الجزيرة نت، الجزيرة مباشر، بي بي سي عربية، أندبندانت عربية، …)

مسيرة أعلام الاحتلال ومشروع تهويد القدس   

شهدت مدينة القدس خلال أكثر من قرن من تاريخها الحديث محاولات مستمرة لتغيير تركيبتها الديموغرافية وتهويدها. وتعدّ أكبر المدن الفلسطينية، وقد احتلت إسرائيل الشطر الغربي منها عام 1948، بينما احتلت عام 1967 الشطر الشرقي منها، وبعد ذلك بسنوات أصدر الكنيست الإسرائيلي قرارا باعتبار القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.

و”مسيرة الأعلام” والتي تعرف أيضا بـ”رقصة الأعلام” يعتبرها الفلسطينيون والعديد من الإسرائيليين عملا استفزازيا من قبل الجماعات القومية وحركات الاستيطان المتطرفة.

وعرفت هذه المسيرة، التي شارك فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، عدة تطورات مند أول نسخة لها، كما تصاحبها عدة ممارسات من الانتهاكات ضد الفلسطينيين، فيما يلي نبذة عنها:

ـ عام 1968: نظمت المسيرة لأول مرة على يد الحاخام يهودا حزاني من المدرسة الدينية المعروفة باسم ميركاز هراف-مركز الحاخام وتحولت إلى تقليد سنوي.

ـ تنظم المسيرة في ما يعرف بيوم القدس الذي تحيي فيه إسرائيل ذكرى احتلال الشطر الشرقي من القدس عام 1967، والذي تسميه يوم توحيد القدس وإحلال السيادة الإسرائيلية واليهودية على المدينة والأماكن الدينية اليهودية فيها.

ـ ازداد عدد المشاركين في المسيرة من عام إلى عام ويقدر عددهم حاليا بأكثر من 30 ألف مشترك (بعض المصادر الإعلامية تتحدث عن 50 ألف مشارك) معظمهم من الوطنيين المتدينين من القدس ومستوطنات الضفة الغربية المحتلة وكافة أنحاء إسرائيل.

ـ تجبر قوات الاحتلال الفلسطينيين على إغلاق محالهم التجارية بالتزامن مع مرور المسيرة من البلدة القديمة حيث يعتدي المشاركون فيها بشكل استفزازي على بيوت ومحال الفلسطينيين ويطلقون شعارات “الموت للعرب” ويرقصون حاملين الأعلام الإسرائيلية.

ـ يموّل المسيرة جمعية “عام كالبيا” الدينية الاستيطانية وبلدية القدس ووزارة التربية والتعليم الإسرائيلية وشركة تطوير وإعادة تأهيل الحي اليهودي، ووصل حجم التمويل عام 2018 إلى نحو 300 ألف دولار.

ـ بين الأعوام 2010-2016 منعت شرطة الاحتلال الإسرائيلي المشاركين في المسيرة من الدخول إلى البلدة القديمة عبر باب الأسباط.

ـ عام 2011: حوّلت شرطة الاحتلال الإسرائيلي مسار المسيرة ليمر من حي الشيخ جراح مرورا بشارع رقم 1 الذي يفصل شطري القدس الغربي والشرقي وسمحت للمشاركين فيها بدخول البلدة القديمة من أبواب عدة.

ـ بين عامي 2015-2016: رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية التماسات قدمتها جمعيات يسارية وحقوقية إسرائيلية لمنع مرور المسيرة من الحي الإسلامي.

ـ عام 2017: في الذكرى الـ50 لاحتلال القدس سمح للمشاركين في المسيرة بالطواف حول أسوار البلدة القديمة والدخول إليها أيضا من باب المغاربة.

ـ عام 2021: تحت تهديد المقاومة الفلسطينية منعت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو مرور المسيرة عبر باب العامود وحوّلتها إلى باب الخليل.

ـ خلال مسيرة نفس السنة 2021 أطلقت المقاومة الفلسطينية دفعة من الصواريخ صوب القدس، مما أجبر أجهزة الأمن الإسرائيلية على تفريق المسيرة على الفور، واندلعت إثر ذلك عملية “سيف القدس” حسب التسمية الفلسطينية، و”حارس الأسوار”، حسب التسمية الإسرائيلية.

ـ عقب انتهاء الحرب على غزة أعيد تنظيم مسيرة الأعلام في 15 يونيو/حزيران 2021، ضمن المسار التقليدي واعتبر ذلك أول قرار مهم للحكومة الجديدة في إسرائيل برئاسة نفتالي بينيت حيث مرت من باب العامود وسط حالة توتر وترقب شديدة.

ـ عام 2022: قرر منظمو المسيرة تحديد عدد المشاركين في عبور القدس القديمة وصولا إلى حائط البراق بـ16 ألف شخص، نصفهم سيسير عبر باب العامود إلى طريق الواد، بينما سيمر النصف الآخر عبر باب الخليل.

ـ حشدت شرطة الاحتلال الإسرائيلي نحو 3 آلاف عنصر لتأمين مسار المسيرة واستدعت 3 كتائب تابعة لحرس الحدود من صفوف الاحتياط، فضلا عن نشر آلاف أفراد الشرطة في كافة أنحاء إسرائيل مخافة حدوث أي تدهور أمني، وأعلن عن وضع الشرطة في حالة تأهب قصوى.

ـ وسّع الجيش الإسرائيلي من دائرة انتشار منظومة القبة الحديدية حول القدس وفي مناطق عدة في وسط وجنوب إسرائيل، تحسبا لإطلاق المقاومة الفلسطينية صواريخ وقت تنظيم المسيرة.

ـ زعيم منظمة “لاهافا” المتطرفة بنتسي غوبشتاين دعا لاعتبار اقتحام الأقصى هو يوم البدء بهدم قبة الصخرة المشرفة، وأُرفقت دعوته هذه بتصميم يضم جرافة تنهش قبة المصلى الذهبية.

ـ بعد يوم واحد من إطلاق هذه الدعوة صادق وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومير بارليف بعد اجتماع عقده مع المفتش العام للشرطة يعقوب شبتاي على مرور “مسيرة الأعلام” من باب العامود والحي الإسلامي في البلدة القديمة وصولا إلى حائط البراق.

ويذكر أنه في 26 مايو/أيار 2022، ألغت محكمة الاستئناف الإسرائيلية، حكما أصدره قاضي محكمة جزئية بأن أداء متطرفين يهود طقوسا تلمودية في الأقصى لا يشكل خرقا للأمن، ما يعني إلغاء تلك الطقوس.

جرائم مسيرة أعلام الاحتلال

خلال مرور المسيرة بمشاركة عشرات الآلاف من الإسرائيليين أُصيب عشرات الفلسطينيين خلال مواجهات مع الجيش الإسرائيلي في مواقع متفرقة من القدس والضفة الغربية، احتجاجًا على تنظيم المسيرة.

ووثقت مقاطع فيديو اعتداءات وحشية لقوات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنين على فلسطينيين في مناطق متفرقة بالقدس المحتلة.

وسبق المسيرة اقتحام مئات المستوطنين للمسجد الأقصى حيث أدوا صلوات دينية وتمددوا خلالها على الأرض، فيما يعرف بـ السجود الملحمي عند اليهود ، ورفع آخرون الأعلام الإسرائيلية.

وخلال المسيرة، اعتدى مستوطنون بالحجارة على فلسطينيين ومنازلهم في مخيم الصمود بحي الشيخ جراح وسط القدس الشرقية ما ألحق بهم خسائر مادية.

وأفاد شهود عيان أن المشاركين بمسيرة الأعلام الإسرائيلية، رددوا هتافات مسيئة للنبي محمد، كما هتفوا الموت للعرب.

وقال الهلال الأحمر الفلسطيني إن طواقمه تعاملت منذ الصباح مع عشرات الإصابات بالرصاص المطاطي والضرب خلال اعتداء شرطة الاحتلال والمستوطنين على الفلسطينيين في البلدة القديمة وفي محيطها بالقدس المحتلة.

وأضاف الهلال الأحمر بأن طواقمه تعاملت مع أكثر من 140 إصابة في الضفة الغربية بينها 18 بالرصاص الحي.

وأفاد نادي الأسير الفلسطيني بتسجيل 56 عملية اعتقال مؤكدة في القدس ومناطق أخرى في الضفة الغربية.

واعتدى مستوطنون بالضرب وغاز الفلفل على المرابطة عايدة الصيداوي في البلدة القديمة

واعتقل مستعربون فتاة فلسطينية بعدما اعتدوا عليها بالقرب من باب الساهرة في القدس المحتلة.

وقالت مصادر طبية إن عشرات الفلسطينيين أصيبوا بحالات اختناق خلال المواجهات مع جنود الاحتلال.

وفي باب العامود، اعتدى جنود الاحتلال الإسرائيلي على مسن فلسطيني لرفعه العلم الفلسطيني.

وفي محيط المسجد الأقصى، اعتدى جنود الاحتلال على مسن فلسطيني واخرجوه بالقوة من محيط المسجد. كما اعتدت قوات الاحتلال على الفتيات بمحيط المسجد.

واعتدت قوات الاحتلال بوحشية على فلسطينيات واعتقلتهن بعد مشاركتهن في مسيرة ترفع الأعلام الفلسطينية بشارع صلاح الدين في القدس المحتلة

واعتدى جنود الاحتلال كذلك على فتاتيْن فلسطينيتيْن في القدس المحتلة.

وقمعت قوات الاحتلال بقوة مسيرات فلسطينية على أكثر من محور عند حاجز بيت إيل بين رام الله والبيرة، كما اندلعت مواجهات في نابلس والخليل.

كما شهد مخيم جباليا بغزة مسيرة جماهيرية رفضا لمسيرة الأعلام والانتهاكات الإسرائيلية في القدس وباحات الأقصى.

رغم كل شي علم فلسطين تصدى لأعلام الاحتلال

انتاب الذعر جموع المستوطنين وجنود الاحتلال الإسرائيلي الذين احتشدوا لحمايتهم في القدس المحتلة، الأحد، وهم يشاهدون طائرة مسيّرة تحمل العَلم الفلسطيني، في سماء باب العامود بالقدس المحتلة.

وتزامن إطلاق الطائرة المسيّرة التي حلقت لدقائق، مع وصول دفعات المستوطنين المتطرفين إلى المنطقة للمشاركة في “مسيرة الأعلام”.

و جاء الرد الفلسطيني على مسيرة أعلام الاحتلال بمسيرة للأعلام الفلسطينية في شارع صلاح الدين بالقدس المحتلة، كما انطلقت مسيرات مشابهة في قطاع غزة ومناطق متفرقة من الضفة الغربية.
وسارعت قوات الاحتلال إلى منع رفع العلم الفلسطيني وقمع عشرات الفلسطينيين المشاركين في المسيرات.
وتحدى الحراك الشبابي الشعبي في القدس قرارات الشرطة الإسرائيلية عبر الدعوة لاعتبار يوم الأحد 29 مايو “يوم العلم الفلسطيني”، ورفع العلم على كل بيت وساحة وشارع في القدس، وصولاً إلى ساحة باب العمود لمواجهة المسيرة.

وتمكن الفلسطينيون من رفع العلم الفلسطيني في كل الشوارع الرئيسة والفرعية والمنازل في مختلف المحافظات والمدن الفلسطينية.

خطيب الأقصى: ما حدث غير مسبوق منذ 1967

ندد الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى بالعربدة الإسرائيلية المتواصلة في القدس والأراضي المحتلة، بعدما اُختتمت مسيرة الأعلام الإسرائيلية، الأحد، بمشاركة عشرات آلاف الإسرائيليين.

وأضاف صبري خلال مشاركته، الأحد، في برنامج المسائية على الجزيرة مباشر ما حصل اليوم لم يحصل منذ العام 1967 لأن المستوطنين المتطرفين بدأوا ينشدون ويقومون بالانبطاح على الأرض كعبادة من عباداتهم المزعومة وهذا أمر لم يحصل من قبل.

واتهم صبري حكومة الاحتلال بالتصعيد قائلا هذا يعني أنهم معنيون بالتصعيد. وأردف حكومة الاحتلال تنفذ أوامر الجهات اليمينية المتطرفة لأنها مستندة على هذه الجماعات المتطرفة حتى تستمر في السلطة.

وأضاف إسرائيل فشلت منذ احتلال القدس عام 1967 في فرض سيادتها على المدينة، مشيرا إلى أن ما حدث اليوم يحتم على المقدسيين الاستعداد للمراحل المقبلة التي قد تشهد المزيد من الانتهاكات.

وساد توتر شديد القدس جراء سلسلة اقتحامات نفذها مستوطنون للمسجد الأقصى بحماية من الشرطة الإسرائيلية قبيل ساعات من انطلاق مسيرة الأعلام.

وقالت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس إن عدد المقتحمين للمسجد الأقصى بلغ 1687 مستوطنا. فيما ذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن نحو “2600 يهودي” تمكنوا من دخول ساحات المسجد الأقصى. ووفقا لصحيفة (معاريف) الإسرائيلية، فأن هذا العدد هو أكبر عدد يدخل المسجد الأقصى منذ عام 1967.

وتعليقا على المسيرة، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية إن مسيرة المستوطنين واعتداءاتهم أمر مدان وستترتب عليه تبعات خطيرة، مطالبا المجتمع الدولي وجميع المنظمات الحقوقية بالتدخل لوقف الانتهاكات الإسرائيلية

كما أكد محافظ القدس عدنان غيث -في اتصال مع الجزيرة- أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول جر المنطقة إلى حرب دينية من خلال الاعتداء على المقدسات، مشيرا إلى أن السلطات الإسرائيلية لم تكن لتتمادى لولا “هرولة بعض الدول المطبعة وازدواجية المعايير الدولية”

وقال إن الشعب الفلسطيني أثبت اليوم أن السيادة في القدس هي سيادة فلسطينية رغم كل ممارسات الاحتلال، داعيا الشعب الفلسطيني إلى الوحدة وتحصين الجبهة الداخلية للدفاع عن قضيته العادلة.

بدوره، قال مدير المسجد الأقصى المبارك الشيخ عمر الكسواني إن ما يجري اليوم في الأقصى من اقتحامات واعتداءات من قبل قوات الاحتلال وعدد من المستوطنين المتطرفين “لن يغير من إسلامية المسجد الأقصى”.

وحذر الكسواني -في مداخلة عبر الجزيرة- من أن رسالة الاحتلال اليوم هي أنه يريد نقل المعركة إلى داخل المسجد الأقصى.

بدورها، أدانت وزارة الخارجية الفلسطينية اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى وأداء صلوات تلمودية بحماية الشرطة

وحمّل بيان للخارجية الفلسطينية الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن الاقتحامات ونتائجها وتداعياتها على المنطقة، كما طالب المجتمع الدولي والإدارة الأميركية بالخروج عن صمتهما وتحمل مسؤولياتهما تجاه القدس

كما أدانت اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين سماح الاحتلال للمستوطنين بتنظيم مسيرات استفزازية وأداء طقوس تلمودية في المسجد الأقصى المبارك.

وقالت اللجنة في بيان لها إن حكومة الاحتلال تقود المنطقة إلى تصعيد خطير مخالفة لكل القوانين والمواثيق الدولية.

وأشارت إلى أن حكومة الاحتلال المتطرفة تسعى لفرض تطهير عرقي بحق أبناء الشعب الفلسطيني وتهويد المدينة المقدسة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *