منوعات

وسواس الخوف من الموت .. إليك تعريف علماء النفس وكيفية التعامل معه

في عمرنا الأول لا ندرك شيئا عن الموت، ولا ندرك حتى أننا سنموت رغم ما قد نعيشه من أحداث وفاة أحد الأبوين أو الأقارب. ونبدأ بالتدريج في استيعاب حقيقة الموت ونوقن أنه في يوم ما سنغادر إلى الأبد كما فعل غيرنا من قبل، ويصبح التعايش مع فكرة الموت أمرا عاديا وطبيعيا.

لكن الأمر ليس كذلك عند البعض، فهم يستحضرون الموت على الدوام، ويخشون أن يخطف روحهم في كل لحظة، فيتحول الخوف من الموت إلى وسواس يلقي بضلاله على مختلف جوانب حياتهم، ويتحكم في أنشطتهم وعلاقاتهم الاجتماعية، ويعكر عليه صفو الحياة، وقد يتعدى ذلك إلى تلويث أجواء الوسط العائلي والاجتماعي.

ويحتاج هؤلاء الأشخاص إلى المساعدة للتصالح مع حقيقة الموت بشكل طبيعي وصحي.

فكيف يمكن مساعدة مثل هؤلاء على التخلّص من وساوس الموت وقلقه؟

هذا ما سيحاول المقال، حسب الجزيرة نت، إجابتك عنه وإرشادك إليه عبر خطوات علمية وعملية من علم النفس.

ما يجب أن تعرفه

للخَوف من المَوت أربعة مصادر مختلفة: خسارة النفس أو فقدان شخصٍ آخر، وفقدان السيطرة، والخوف من المجهول (الجنة، النار، الحساب)، وألم الموت ومعاناته. وفي هذا المقال نتناول فكرة الموت في حد ذاته، ليس موت الآخرين.

الخوف من الموت أمرٌ طبيعي، غرائزنا تحتم علينا النجاة، حدَّ أن المجتمع يكافئ من يتغلب على مخاوفه وغرائزه ويعرض حياته للخطر ليُنقذ الآخرين أو يقاتل في الحرب.

قد تستثار المخاوف من الموت إثر فقدان شخصٍ عزيز، فيُسلط الضوء على مدى هشاشة الحياة التي نعيشها وأنها قد تُنتزَع منا في أي لحظة. في حالاتٍ نادرة، التعرض لتجارب قريبة من الموت (مثل حادث سيارة أو مرض عضال) قد توقظ القلق وتزيد من حدته، كذلك العاملون في مجال الصحة أو الطوارئ، مَن يتعرضون للموت بشكلٍ مكثف قد تزيد عرضتهم للإصابة بقلق الموت نظرًا لقربهم الشديد منه. رغم ذلك، قد يتطور قلق الموت فجأةً دون دوافع أو مسببات.

بدايةً، يبدأ قلق الموت بخوفٍ وفضول طبيعي وصحي عن المجهول الذي ينتظرنا، لكن تجاهله وعدم التعامل معه بحكمةٍ يؤدي بسهولةٍ شديدة إلى حلقةٍ مفرغة من القلق، لأن ما نقاومه ونتجاهله يستمر في النمو والسيطرة على أفكارنا بطبيعة الحال.

تظهر أعراض قلق الموت في صورة خوفٍ حاد يصل إلى الرعب حين تفكر فيه، كذلك تجنب المواقف أو المحادثات التي تشعر أنها قد تؤدي للحديث عنه، وتظهر بعض الأعراض الجسدية المتعارف عليها للقلق عند التفكير به، مثل سرعة ضربات القلب والتعرق وآلام المعدة والغثيان والأرق.

في كثيرٍ من الأحيان يجتمع الخوف من الأمراض وقلق الموت، إذ كلاهما يتعلقان باستحالة التعامل مع المجهول أو توقعه، لذا يأتي مع الأعراض توقع الأسوأ دومًا في حالة الإصابة بنزلة بردٍ بسيطة أو ما شابه.

لا يعدّ قلق الموت في حد ذاته اضطرابًا، لكن تكمن المخاوف الوجودية في صميم عددٍ من اضطرابات القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة والهلع والوسواس القهري، ويرتبطُ على الأخص باضطراب القلق العام، أي القلق المتكرر بلا سبب مع عجزٍ عن السيطرة عليه أو إيجاد منطقٍ يبرره.

التفكير في الموت والقلق منه ليس مشكلةً في حد ذاته، ويكون قلق الموت مشكلةً حادةً تستلزم الانتباه أو تدخل المختصين حين يظهر يوميًّا ويستمر فترةً طويلة (أكثر من 6 أشهر)، في هذه الحالة تحيل تلك المخاوف بينك وبين الاستمتاع بحياتك اليومية الطبيعية.

يؤثر إدراك فنائنا الحتمي تأثيرًا عميقًا على أفكارنا ومشاعرنا، ومن ثم على جودة حياتنا وسلوكياتنا، توقُّع النهاية والخوف منها مؤلمٌ للغاية إلى حدّ أننا نحتاج إلى تحجيمه ووضعه في سياقه الصحيح. كلنا بطبيعة الحال نقلق من مواجهة أننا يومًا ما لن نوجد على الإطلاق، نجد صعوبةً في فهم أن الحياة ستستمر ربما لآلاف وملايين السنين بعدنا. يقول الطبيب النفسي “روبرت فايرستون” إننا قد لا نتحمل الفكرة فنقمعها تمامًا ونطوَّر وسائل دفاعية ضدها ليتلاشى التفكير فيها حتى، بل ربما يؤدي هذا الرعب إلى إنكاره من الأساس”.

متى آخر مرةٍ فكرت في موتك؟

ربما تكون الإجابة بأنه نادرًا ما يخطر ببالك بشكلٍ واعٍ، لكن على مستوى اللاوعي، يُشير فايرستون أن إدراك حتمية موتنا دون تقبلها والتعامل معها بوعي، يؤجج قلقنا، ويؤثر على جوانب مهمة من حياتنا، ويحفز الكثير من أفعالنا وقراراتنا وسلوكياتنا. يتطور إدراك الموت تدريجيًّا من الطفولة، يموت حيوان الطفل الأليف أو يلحظُ موتًا في عائلته أو حتى يتعرفُ عليه في الأفلام (كما في فيلم العثور على نيمو). بين الثالثة والسادسة يفهم الطفل حقيقة أن الشخصين اللذين تعتمدُ حياته عليهما معرضان أيضًا لهذا الخطر الخاطف، وفي النهاية يترسخُ إدراك أنه شخصيًّا لن يتمكن من الإفلات منه.

في هذه المرحلة، يتبدل حال العالم الذي آمن الطفل أنه متين وراسخ ودائم. هذا الوعي والرعب المرافق له يكون غامرًا ومدويًا لدرجة أنه يرى أنه لا مفر من قمعه. ورغم وسائل الدفاع التي تُقاوَم بها فكرة الموت، يظل محفوظًا في لاوعيه على حاله الأول، يستمر الخوف المتجاهل والمقموع في تأثيره على طفولته، ثم لاحقًا على مراهقته وشبابه.

قد يستجيب المرء لهذا الخوف، يطوِّعه ويتعلم من خلاله أن يعيش حياته بطرقٍ طبيعية ويمنحها معاني تُقنعه وترضيه ويستغل فرصها في تحقيق أهدافه، لكن قد يفشل البعض في هذا ويتكوَّن لديهم قلقٌ حاد من الموت، يحثهم كلما حضر أو استُثير على اتخاذ قراراتٍ اندفاعية تتزايد أضرارها مع الكبر في السن ومعه المسؤولية، ما قد ينتهي إلى تخريب حياتهم وحياة من حولهم. قد ينكر المرء الموت مع الوقت، لا يلتفتُ إليه حمايةً لنفسه، فيفقد بوصلة حياته، ويولي أهميةً قصوى لقضايا ومسائل بلا أهمية في الواقع، ويفشل في التقدير السليم لِمَا يلعبُ دورًا حاسمًا في حياته. يعيش معظم الناس حياتهم كأنها لن تنتهي أبدًا، وأن بإمكانهم إفساد أهم تجاربها.

قد ينتهي المطاف بفقدان مشاعر الإثارة أو الفضول لعيش الحياة خلال بناء وسائل دفاعية تحمي الشخص القَلِق من فكرة الموت، قد يغدو أكثر صرامة وتحكَّمًا في حياته ظنًّا منه أنه لو تحكَّم وسيطر على كل تفاصيلها ونواحيها فقد يتمكَّن من كتابة نهايةٍ مختلفة عن النهاية التي لا مفر منها، فيحدّ نطاق تجاربه كأنه يمتنع عن خوض حياةٍ لا يرغب في مغادرتها. قد تظهر ردود الفعل الدفاعية هذه في صور كراهيةٍ للذات ولسانٍ ساخر من كل شيء وأي شخص، ورفض ممارسة نشاطٍ يُثير حماسه اتجاه نفسه وأيامه، وأيضًا أقل استمتاعًا بالملذات اليومية العابرة.

لكن قد يكون لوسائل دحض الموت جانبٌ إيجابي في بعض الحالات، قد ينتج عنها سعي لخلود رمزي في مخيلة العالم من خلال الأعمال الأدبية أو الفنية أو العلمية. البحثُ الدؤوب عن معنًى صادق للحياة في التفاني للعائلة والأصدقاء ومَن نحبهم، ومحاولة ترك أثرٍ إيجابي يُغير المرء وعالمه الصغير الشخصي. أحد دفاعات الموت السلبية هو محاولة العيش من خلال إنجاب نسلٍ جديد وترك خليفةٍ لغرض تخليد الاسم والعائلة، يؤدي هذا القرار الفادح إلى معاناة الأطفال في حياتهم من محاولة والديهم لتحويلهم إلى نسخةٍ طبق الأصل من ذواتهم.

ماذا أفعل للتخلّص من الخوف من المَوت؟

لديك كل الحق لتقلق، لترتعب. الموتُ مرعب، وكذلك الفناء والنهاية. يومًا ما ستكون هنا، ثم في اليوم التالي ستختفي. سيستيقظ العالم في اليوم التالي وكل شيءٍ سيسير على ما يرام، ستصدر الصحف، ستزهز الأزهار، ستُعدّ القهوة، لن يختل النظام، وهذا هو الرعب بذاته. هل هناك أي أسباب قد تنجدك من هذا الخوف؟ قد تُسعفك لتمضي أيامك مدركًا وواعيًا للفجوة اللحظية بين الوجود والعدم، ومع ذلك تعيشها في سلام؟ لحسن الحظ، نعم. يُساعدنا علم النفس والفلسفة على تخفيف وطأة هذه الأزمة الوجودية، التي قد تكون فكرةً عابرة لكنها تمتص سعادة الحياة كلها.

  • أولًا: فهم وسائل إنكار الموت

أي حدثٍ سلبي أو تذكير بالموت، مثل المرض أو الحوادث أو الأوبئة أو المآسي الصادمة بشكلٍ عام، تُثير قلقك حيال دنو الموت، والتي بدورها تشجعك أكثر على بناء حصنٍ من الدفاع ضد هذه المشاعر التي لا يمكن التخلص من مصدرها الذي سيحدث لا محالة. أحد أشهر الدفاعات هو الإنكار، تصور أن “المآسي تحدثُ للآخرين وليس لي”.

قد يُفاجئك هذا النمط من التفكير السحري الذي شهدناه في الأعوام الماضية خلال تفشي وباء فيروس كورونا. مَن لم يتّبعوا تعليمات السلامة والوقاية أو الحظر المنزلي لم يكونوا راغبين في التعجيل بموتهم، بل مؤمنين بأن كارثةً كهذه ستحلُّ على الآخرين وليس لهم على الأخص. يلجأ المرء إلى هذا التصور المفرط في تفاؤله وغروره لتعويض مشاعر الدونية، إنه بقايا تصورات القوة الخارقة المطلقة التي نتحلى بها في طفولتنا، ويعمل آليةً للنجاة في أوقات الضغط ووضوح مدى هشاشة الجسد البشري وضعفه، إنه يعبر عن الإيمان بأن الموت سيحدثُ للآخرين وليس لنا أبدًا. تمنح هذه الفردانية والخصوصية اللتان لا أساس لهما شعورًا بأن المرء محصنٌ ضد مصير الناس العاديين.

  • ثانيًا: استبدال الإنكار بوسائل حماية صحية

من الوسائل الدفاعية الإيجابية لمقاومة قلق الموت هي احترام الذات وتقديرها، إذ هي البوابة الرئيسية للأمان النفسي. احترام الذات يعني الرضا عنها ومحاولة تحسينها دون قسوةٍ أو جلد لإيمانك بأنك تستحق. وعيك بأهمية دورك في حياة من حولك وبمميزاتك أساسيٌ لتخفيف رعب الموت، بل يؤكد لك أنك حتى بعد موتك ستظل حيًّا في ذكريات عائلتك وأحبائك، لتشعر حين يأتي أنك عشت حياةً راضية تقدّرها حق قدرها. احترام الذات والوعي بأهميتها سيؤدي بك إلى إحاطة نفسك بمن يُشبهك من الناس، فتجد بينهم عزاءً وسلوى لمقاومة هذا الخوف الوجودي. ستظل قلقًا من الموت، لكن بإمكانك تغيير دفة هذا القلق وتوظيفه كتذكير بأن تعش حياة هادئة.

كذلك يمكن لادخار المال ووضع خطط مستقبلية منطقية ومرنة أن يوفر حاجزًا نفسيًّا أمام قلق الموت، إذ يرتبط بإحساس بالسيطرة على المستقبل وتأمينه، ومن ثم راحة نسبية اتجاه قدومه. سيمنحنا الأمل في المستقبل طريقةً مختلفةً في التفكير حيال احتمالاته المختلفة بدلًا من النظر بشكلٍ قاطع إلى نهايته.

  • ثالثًا: ممارسة تقبُّل الموت

يحكي الطبيب وعالم النفس “وارن وارد” عن إصابته بسرطان الجلد وعن إدراكه من عمله طبيبًا أن موته وشيك، بل كان وشيكًا منذ أيام دراسته؛ بسبب نَسْخ كل ما يعرفه عن الأمراض في دراسته وإسقاطه على جسده المسكين.

يقرُّ الطبيب بصعوبة سرطان الجلد، لكن لحسن حظه تمر العملية الجراحية بسلام ويتعافى من مرضه. يُشير “وارد” إلى أنه محظوظٌ من جانب آخر، صدمة التجربة واليقين المطلق المثبت بدنو موته، عاجلًا أم آجلًا، شُفي أم لم يُشفَ، هذا التقبل والإدراك كان مهمًّا بالنسبة إليه بنفس أهمية التطورات الطبية التي أدت إلى نجاته من المرض.

الوعي بدنو الموت يؤدي إلى عيش حياةٍ مثمرة ومثيرة، ذكَّره مرضه بالموت كل يوم، بفنائه ومحدودية أيامه، ذكَّرته الصدمة بأن عليه عيش حياته بطولها وعرضها كل يوم، لأنه يريدُ تفادي الندم على ما فاته فيما بعد.

من المهم محاولة استقاء هذا التقبل والإدراك من تجارب الآخرين لأننا لن نمرَّ جميعًا بتجربةٍ نقترب فيها من الموت، تحررنا من قلقنا منه وتذكّرنا بأن الأهم هو عيش حياةٍ صادقة.

يدرك “وارد” بوصفه طبيبًا مدى هشاشة أجسادنا وقربها من الموت في أي لحظة، ويدرك -بصفته طبيبًا نفسيًّا- ضآلة الحياة وسطحيتها إن خلت من الأهداف والمعاني. إدراكُ قِصَر أعمارنا الثمينة ومحدودية الحياة قد يدفعنا -في مفارقةٍ مثيرة للسخرية- إلى البحث عن معنى لحياتنا أو حتى خلقه من البداية.

  • رابعًا: حدد ما قد تندم عليه أشد الندم وافعله

نشرت الممرضة “بروني وير” عام 2011 كتابًا بعنوان “أهم خمسة أشياء يندم عليها المرء عند الموت”، أجرتْ مقابلاتٍ مع عشرات من الأشخاص يقضون شهورهم الأخيرة في الحياة، وسألتهم عن أكثر شيءٍ يندمون عليه في حياتهم، أتت الإجابات الخمس الأكثر شيوعًا هي:

  • أتمنى لو عشت الحياة الحقيقية التي تصورتها لنفسي وليس ما توقعها الآخرون مني.
  • أتمنى لو أنني لم أنهمك في عملي.
  • أتمنى لو تحليت بالشجاعة الكافية كي أفصح عن مشاعري.
  • أتمنى لو بقيت على تواصل مع أصدقائي.
  • أتمنى لو سمحت لنفسي بأن أكون أسعد حالا.

تحديد ما قد تندم عليه لاحقًا، أي ما أنت مقصّر به حاليًّا، سيُساعدك على تغيير طريقة تفكيرك حيال الموت البعيد أو غير مجهول الموعد لتفكر في اللحظة الحالية، كي تعيش حياةً ثريةً وعريضة فلا تقلق من نهايتها خلال محاولاتك لاستغلالها لآخر أمنيةٍ وقطرةٍ فيها.

  • خامسًا: أعد تشكيل خوفك

كتب “إيرفين يالوم”، الطبيب النفسي الوجودي والخبير في فهم قلق الموت وطرق علاجه، كتابًا بعنوان “التحديق في وجه الشمس: كيف تتغلب على رعب الموت؟”، يقول فيه إن الحيوات باختلافها تشتركُ في شيءٍ واحد: الموت، وباختلاف طرق العلاج فإنها كلها تنتهي إلى التقبل، إذ كلما تجنبنا فكرةً أو خوفًا معينًا، زاد قلقنا حياله ومعه رغبتنا في تجنبه، أي حلقة مفرغة.

يقول الروائي الروسي، “فلاديمير نابكوف”: “يُخبرنا المنطق أن وجودنا ليس سوى شقٍّ ضيقٍ من النور بين عالمين أبديين من الظلام”. سأل يالوم مرةً أحد عملائه عما يزعجه أكثر شيءٍ في فكرة الموت، فأجابه قائلًا: “غيابي خلال الخمسة مليارات سنة القادمة”، فسأله يالوم إن كان قد أزعجه غيابه عن الخمسة مليارات سنة الماضية.

تُسمى هذه الفكرة في الفلسفة “حُجة التناظر”.

لتتغلب على خوفك من الموت، حاول أن تتذكر ما كنت عليه قبل أن تولد، ليس شكل عالمك وأسرتك، بل كيف كنتَ أنت قبل أن تُخلق من الأساس. لا يُمكنك التفكير في نفسك قبل أن تولد، ناهيك بطبيعتك وقتها. الجزء المتناظر من هذه الحجة هو أن الأمر نفسه ينطبق على بعد وفاتك. وفقًا لهذه الفلسفة، ما قبل مولدك يُساوي موتك، كنت وستكون في كلا الحالتين غائبًا. ونظرًا لهذا التساوي، يجدر بك القلق من الموت بنفس مقدار قلقك للحياة قبل وجودك على الإطلاق.

تمنحنا الفلسفة الأبيقورية كذلك فهمًا مغايرًا لطبيعة الموت حتى نتقبله. ينص منهج هذه الفلسفة على أن هدف الحياة هو السعادة، ليس بالانغمار في الملذات فحسب، بل بتجنب المعاناة، ولكي نسعد بالحياة علينا ألا نقلق ونترقب نهايتها، ولذا ينبغي علينا فهم موتنا. أول شيءٍ عليك فعله هو محاولة تصور ما سيكون عليه الموت، ليس الحياة الآخرة ولا موت الآخرين، بل موتك أنت…

  • سادسًا: زيارة مختص عند الضرورة

كما ذكرنا، قلق الموت ليس اضطرابًا بحد ذاته، لكن في حال احتد القلق والخوف وأصبح يعرقل سير الحياة بشكلٍ طبيعي، تحديدًا إن أصبحت تخاف من الأمراض وتقلق على صحتك بشكلٍ مفرط، فيُوصى بزيارة طبيبٍ نفسي مختص. قد يستخدم معك الطبيب العلاج النفسي السلوكي المعرفي الذي قد يشمل التعرض لتفصيل من تفاصيل الموت (مثل حضور الجنائز)، وكذلك تمارين التنفس، ومحاولة التوصل إلى أفكار مرنة حول الموت مثل إدراك أنه خوف مبرر وطبيعي تمامًا. كذلك يشتمل العلاج على وسائل استكشاف الأحداث السعيدة في الحياة لتغيّر وجهة نظرك حيال الموت من كونه حدثًا سلبيًّا إلى أنك كنت محظوظًا لأنك نلت فرصة عيش الحياة من الأساس.

كذلك قد يلجأ الطبيب إلى العلاج المرتكز على التعاطف الذي سيُشجعك على الانغماس في تجربة الحياة، استيعاب أن كل ما بين يديك هو من 25 ألف إلى 30 ألف يوم من الحياة فقط، تؤكد هذه الطريقة من العلاج على أن المعاناة أمر طبيعي ومسار الحياة واحد؛ نأتي، ننمو، نضعف، نموت. على الرغم من اختلاف الطرق التي قد يتبعها كل مختص، لكن جميعها يعتمد على فكرةٍ واحدة: الموتُ حدثٌ علينا تعلُّم تقبُّله، المفتاح الأساسي في قلق الموت هو كيف نخرجُ من أفكارنا إلى معترك الحياة نفسه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *