سياسة

الريسوني متحدثا عن حركته و”الإخوان” وابن كيران والانقلاب

أجرت أسبوعية “الأيام” لعدد الأسبوع الجاري حوارا مطولا مع نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح أحمد الريسوني، تطرق فيه لمجموعة من القضايا الراهنة، وعبر فيه عن مواقف كانت صادمة لعدد من الإسلاميين خاصة المنتمين للمدرسة “الإخوانية”.

وكشف الفقيه المقاصدي عن موقف حركته من الانتماء للتنظيم العالمي لجامعة الإخوان المسلمين بمصر، كما فصل حقيقة وجود خلاف بينه وبين الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله ابن كيران، إضافة إلى مواقفه لعدد من القضايا من قبيل الانقلاب العسكري المصري وإزاحة الإخوان المسلمين من الحكم.

حركتنا غير مستعدة لتصبح عالمية

قال الريسوني إن الحركة غير مستعدة لأن تصبح حركة عالمية، رغم كثرة الطلبات التي توصلت بها في هذا الصدد من شخصيات مشرقية اعترفت بأن تجربة الحركة هي من أنجح التجارب في العالم العربي، وساهمت في إنقاذ شباب المغرب من التطرف.

وشدد الريسوني في حوار أجرته معه “الأيام” أن الاتجاه العام داخل الحركة هو أن “التوحيد والإصلاح ينبغي أن تظل مغربية ولا يجب تصدير نموذجها للعالم العربي، رغم أن عدد من الحركيين بالخارج يطالبون بنقل تجربة الحركة للخارج وفتح فروعها عبر العالم، إلا أن هذا مرفوض عندنا”.

وشدد على أن الحركة مستعدة فقط لتصدير الأفكار والتحاور، لكنها ليست مستعدة لأن تصبح حركة عالمية، مبرزا أن المؤشرات والشهادات التي تأتي من الخارج في حق الحركة تثبت أنها تجربة راشدة ومتوازنة، واستطاعت تجنب كثيرا من الآفات التي تنخر جسم الحركات الإسلامية في العالم العربي وغيره.

وأضاف الريسوني أن جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبر من كبريات الحركات الإسلامية تعيش الآن تخبطا كبيرا واختناقا وانسدادا في معظم الدول العربية، حتى اضطرت حركة النهضة بتونس لكي تقطع علاقتها وانتماءها بهذا التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، مشيرا أن الحركة استطاعت أن تنشئ عملا سياسيا يتصدر المشهد السياسي بكل جدارة.

فرحت لإزاحة مرسي من الحكم

وفي موقف مفاجئ، قال الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح أحمد الريسوني إنه كان مرتاحا جدا لإزاحة مرسي من الرئاسة وفرح لذلك وأحس بالارتياح، لأن الرئاسة كانت في غير محلها، مبرزا أن “دخول الإخوان بهذه السرعة وبهذه القفزة الهائلة، كنت أعرف أنه عمل غير طبيعي، ولكن المشكلة طبعا ليست هي الانقلاب فقط وإزاحة مرسي، ولكن هي الدماء والاستبداد وإلغاء كل مكاسب الثورة”.

وكشف الريسوني في الحوار مع الأسبوعية المذكورة أنه قبل شهرين أو ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية في مصر حل مجموعة من قيادات الإخوان المسلمين بالمغرب، ونصحهم بعض الإخوان من الحركة ومن العدالة والتنمية، وأنا شخصيا نصحتهم، بألا يترشحوا للرئاسة”، مضيفا أنه “حتى بعد الرئاسة نصحهم بعض الإخوان من الحركة والحزب بأن يتخلى مرسي عن الرئاسة، وأن يدعم الإخوان مرشحا يكون فقط يحترم الحريات والديمقراطية، مثل عمرو موسى أو البرادعي”.

وفسّر الريسوني موقفه “المرتاح” لإزاحة مرسي من رئاسة مصر، بأن الجماعة منذ ثمانين سنة تعيش بين سجن ونفي وقتل، وتاريخ الدولة الحديثة في مصر هو تاريخ محاربة الإخوان المسلمين، منذ الأربعينيات وشغل الدولة الشاغل ووظيفتها الأساسية هي محاربة الإخوان المسلمين، بموجات تشتد وتخف، فكيف بالنسبة إلى هؤلاء في غضون شهور يستحوذون على مجلس الشورى، ومجلس الشعب ورئاسة الدولة والحكومة، لكنهم عاجزون رغم أن الشعب صوت عليهم، فالجيش والقضاء ضدهم، ورجال الأعمال والأقطاب والإعلاميون والفنانون ضدهم”.

وأضاف: “مصر فيها جيش عسكري وجيش أكبر منه يسمون فنانين، كل هذه الفئات والطبقات ضد الإخوان المسلمين، وهي التي تمسك بالدولة، وأنت تجلس على رأس الدولة، ما عساك تفعل؟ لن تفعل شيئا سوى الفشل، وكان ممكنا أن يصبروا عليهم حتى يفشلوا تلقائيا، لكن أعداءهم لم يصبروا عليهم، خافوا من أن ينجحوا، ولذلك عجلوا بالانقلاب خشية نجاحهم، خافوا أن يتداركوا ويعالجون نقصهم وعدم خبرتهم، فعجلوا بالإطاحة بهم حتى لا ينجحوا، ولا يراكموا تجربة مقدرة”.

ترشح “الإخوان” للرئاسة “غلط”

واعتبر أنه “من الناحية السياسية كان ترشح الإخوان المسلمين للرئاسة غلطا، وكذلك الدخول في تحمل مسؤوليات الدولة بسرعة خارقة، من أعلى الهرم فقط، وإلا فإن جسم الدولة كان كله ضدهم، فكل موظفي الدولة عقيدتهم التي تربوا عليها هي معاداة الإخوان المسلمين ومحاربتهم، فكيف يمكن أن تحكم مع هؤلاء”، مشيرا أن “حركة النهضة كذلك عاشت وضعا شبيها، وإن كان ذلك بشكل أقل، ولكن الحركة تراجعت إلى الوراء من تلقاء نفسها، لأن رئيس الحكومة والوزير يصدران قرارات ولا تنفذ، والجميع ضدها في الإدارة والمسؤولين والموظفين”.

وأوضح الريسوني ضمن حواره في العدد 734 لأسبوعية “الأيام”، أن “حركة الإخوان المسلمين لديها مشكل فكري، فهي ما زالت تعيش على تراث حسن البنا والمؤسسين الأوائل، وليس عندها تطور فكري، وأنا أقول لهم إن الإمام حسن البنا اعتبروه مثل الإمام ابن حنبل وابن تيمية والكواكبي والأفغاني، الإمام حسن البنا رجل عظيم ومجدد ونابغة، ولكن في زمانه، الآن ينبغي أن ننسى حسن البنا، عندنا الكتاب والسنة، عندنا عقولنا والتجارب من حولنا، لكن للأسف هم يعتبرون أنفسهم مذهبا، وهذه كارثة”.

وأضاف: “الإخوان المسلمين ليسوا فقط تنظيما سياسيا أو دعويا بل هو مذهب، وهذا مشكل بالنسبة لهم ولن يتقدموا ما لم يتخلصوا من هذا الإرث، فنحن في حركة التوحيد والإصلاح ليس لنا إمام سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدوتنا الصحابة والخلفاء الراشدون، أما داخل المغرب ليس لنا إمام، لا الريسوني ولا ابن كيران ولا يتيم ولا العثماني، وهم أحياء، فما بالك الإمام حسن البنا وهو ميت منذ سبعين عاما، وأقول لهم تعاملوا معه كزعيم في وقته، ومفكر ومجدد ومصلح، ندرسه ونعظمه، ربما نستلهم منه، لكن أن نتبع طريقته في التنظيم وموقفه من السياسة ومن الانتخابات، ومن الدولة ومن إسرائيل، لا لا، هذا جمود فكري”.

العلماء غادروا جماعة “الإخوان”

وأبرز أنه “مما زاد هذا الجمود الفكري، أن حركة الإخوان المسلمين ككثير من الحركات والأحزاب، ومنها اليسارية، لا تتيح حرية داخلية للمفكرين والعلماء، ولذلك فالشخص إذا أصبح عالما في جماعة الإخوان المسلمين لا بد أن ينصرف لكي يبقى عالما، وإذا كان مفكرا لا بد أن ينصرف لكي يبقى مفكرا، لأنه داخل الجماعة ينبغي ألا تكون مفكرا ولا عالما، ولذلك يوسف القرضاوي ترك جماعة الإخوان المسلمين منذ ستين سنة، والغزالي، وهو أبرز الشخصيات إلى جانب القرضاوي، ترك الجماعة وتخاصم معهم، وانصرف عنهم مطرودا، والسيد سابق خرج منهم”.

وأشار أن عددا من العلماء خرجوا من الجماعة لأنهم لا يجدون مكانا لأفكارهم، ليس فقط لاتباعها بل حتى للاستماع إليها، فالإخوان المسلمين من الناحية الفكرية تنظيم مذهبي، وهذه المشاكل تعوق الإخوان المسلمين عن مسايرة متطلبات الزمان، وأن يجتهدوا وأن يفكروا باستقلالية، الآن وهم في هذه المحنة بدأ شيء من هذا، ولكن رغم ذلك مازالت القيادة الرسمية للحركة على ما ذكرته وعلى ما وصفته، مع العلم أن القيادة الحالية مع التقدير لمكانتهم وما قدموه من تضحيات فإنهم يعانون من ضحالة فكرية تماما، مقارنة بالشيخ راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو في تونس فإنهم لامعون في الفكر، ومثقفون حقيقيون”.

“التوحيد والإصلاح” فاشلة إعلاميا

قال الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح وعضو مجلسها التنفيذي الحالي إن حركة لم تستطع أن تؤسس لإعلام حقيقي يسوق صورتها للرأي العام، معترفا “أننا فاشلون إعلاميا، ربما الإخوان يقولونها بلغة مهذبة، ولكنني أنا أقولها بصريح العبارة، وأقول لهم دائما أني لا أجد عبارة أخرى إذا أردت أن أكون صريحا، إلا أن أقول إننا فاشلون إعلاميا”.

وأوضح الريسوني أن “هناك نقاشات كثيرة حول أسباب هذا الفشل، وظروفه، والبعض يرجعه للأسباب المالية، والبعض يقول إن الإعلام المنتمي والحزبي عادة ما يكون ضعيفا، لكن على العموم هذا كله لا يلغي حقيقةَ أننا فاشلون”.

وأبرز أنه من نقائص الحركة في الإعلام هو أنه “مازالت النخبوية والانتقائية تجتذبنا وتكبلنا، نحن قررنا بصريح العبارة منذ الوحدة، وتأكد ذلك تباعا، بأننا حركة شعبية وجماهيرية ومفتوحة وليست نخبوية أو سرية، وحتى ما نسميه في أدبياتنا واصطلاحنا بالعمل التربوي، فقد أصبح مفتوحا، وأصبحنا نستعمل عبارة أنه “خدمة نقدمها للمجتمع”، ولكن هذا الأمر شعار كبير، ومازال العمل التربوي انتقائيا ومضيقا، ولم يحقق هذا الوصف في كونه خدمة اجتماعية، نقدمها مفتوحة، بحيث تضم أعدادا غفيرة، من المتدينين وغير المتدينين على مختلف مستوياتهم”، وشدد على أن “هذا الطابع الانتقائي والنخبوي ما زال يكبلنا وظل متجذرا في نفوسنا”.

 علاقة ممتازة دائمة بابن كيران

وقال الريسوني إن علاقته الشخصية بالأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران ممتازة دائما، وليس بينهما إلا ما هو متبادل من الحب والتقدير والاحترام وحسن الظن، مشيرا أن في الوقت الذي كان البعض ينعت بنكيران بأنه “عميل” و”باع الماتش” كان يعبر عن رفضه لهذه الأفكار وكان لديه ثقة تامة في حسن قصده.

وأضاف أنه “في فترة من الفترات قال لي بعضهم إنه دفع في اتجاه استقالتي من رئاسة الحركة، فكنت أقول لهم إن هذا الأمر غير صحيح ولن يكون ولم يكن في يوم من الأيام”، مشيرا أن “الاحترام كان بيننا حتى عندما كانت علاقتنا قليلة ومتباعدة قبل الوحدة، وما زلنا نلتقي في مرات قليلة جدا وعرضية بسبب أن كل واحد منا انهمك في ما هو فيه”.

ولم يخف الريسوني ضمن حواره مع “الأيام”، وجود خلافات بينه وبين عبد الإله بنكيران، مشيرا أن “الأفكار تختلف وخلافاتنا في بعض الرؤى قديمة، بعضها تتم إزالته بمرور بعض الوقت وبعضها باق، ونعتبر هذا ثراء ومكسبا للحركة، وأنا دائما أحب في المستويات القيادية من يخالفونني من الإخوان أكثر ممن يوافقنني، لأن الذي يخالفني يحدث لي توازنا ويدفعني لمراجعة أفكاري”، بحسب تعبيره.