وجهة نظر

صياغة العلاقات الخارجية للمغرب وضرورة وقفة مع الذات

بعيدا عن الخطاب الشوفيني الذي تمترس خلفه كثيرون ، للتغطية على فشلهم أو بالاحرى تقاعسهم في عدم قيامهم بواجبهم تجاه الوطن… ومن منطلق المسؤولية العينية علينا جميعا ، وبدون استثناء ، كل من موقعه في الدفاع الواعي والواجب عن مصالح هذا المغرب الذي يجمعنا … أظن أن حدث استقبال قيس سعيد رئيس تونس لزعيم البوليساريو بمناسبة انعقاد منتدى ” تيكاد8″ ، بما يؤشر عليه هذا الحدث من تحول راديكالي في موقف إحدى الدول التي كانت تعتبر إلى مدى قريب ، ضمن محور حلفاء المغرب – وبعيدا عن الخوض في التفاصيل المباشرة لهذا الحدث – هو فرصة لنا جميعا للوقوف مع الذات من أجل إعادة صياغة منطلقات السياسة الخارجية للمغرب – والتي لا ينكر أحد أن دبلوماسيتها قد حققت نجاحات واختراقات مهمة خلال الأونة الأخيرة – وذلك بالاعتماد من منظوري المتواضع على قاعدتين أساسيتين هما : الاستباقية و البرغماتية .

ولتوضيح هذه المقاربة ، لابد أولا أن نفصل بين مصطلحين أساسيين و هما ، السياسة الخارجية للمغرب والدبلوماسية المغربية ، حيث نقصد بالمصطلح الاول : ” مجموع مكونات السياسات الحكومية القطاعية ومبادرات الاحزاب والهيئات النقابية و فعاليات المجتمع المدني و النخب ، التي تنطلق جميعها وتصب لتحقيق مصالح المغرب العليا عبر صياغة مشاريع وشراكات و تسيير زيارات في هذا الصدد ، لأن العلاقات تبنى وتصان وتتوسع ، بالحضور المتواثر والفعال و بنكران الذات ، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصالح الدولة العليا ، حيث الكل في خندق واحد ، وكمثال ليس ببعيد على ذلك ، هو تركيبة الوفد البرلماني المرافق لوزيرة الخارجية الالمانية إلى المغرب والذي ضم شابة من المعارضة… حيث لا معارضة عندما يتعلق الأمر – كما أشرت سلفا – بالمصالح العليا للأوطان …” .

أما المصطلح الثاني : ” فنقصد به مهمة تقنية هي من اختصاص مصالح وزارة الخارجية ، والتي يجب أن تكون حريصة في هذا الصدد على توفير صورة واضحة عن علاقات المغرب مع مختلف الدول ، مع تحديد دقيق لطبيعة هذه العلاقات و متطلبات تطويرها بما يحقق مصالح المملكة ، مع ما يقتضي ذلك من تنسيق مع مختلف مكونات السياسة الخارجية المغربية ، والذي يروم تحقيق المصالح المشتركة بين المغرب و باقي الدول ، عبر الإشراف على عملية الاجرأة و انتهاء بعمليتي التقييم والتتبع … ” .

في هذا السياق كذلك ، لابد أن نستحضر معطى مهم تناوله الخطاب الاخير للملك محمد السادس ، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب ، حيث أكد فيه جلالته أن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم والمعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات ” . هذا التأكيد وبما يحمل من وضوح لا لبس فيه يحدد للعالم بأسره الخطوط الحمراء التي لا يمكن الاقتراب منها عند التعامل مع المغرب ، لكن في نفس الآن وبمنطق العمل بالاسباب ، لابد لتحصين هذه الخطوط الحمراء من سياسة و دبلوماسية خارجيتين تتسمان بالنجاعة و الفعالية عبر التأكيد من جديد على اعتماد مبدأي الاستباقية والبراغماتية…

و بأخذ عينات من علاقات المغرب مع عدد من الدول وبإسقاط هذه المقاربة على تطور هذه العلاقات بما يؤمن مصالح المغرب أو يعرقلها ، يمكن التأكيد على ضرورة وقفة مع الذات تسائل مسار السياسة الخارجية للمغرب ودبلوماسيتها ، بعيدا عن منطق رمي المسؤولية على عاتق الاطراف الأخرى ، والتي أكيد يبقى من حقها وبأي حال من الأحوال ودون العودة لنا طبعا ، الدفاع عن مصالحها وإن كانت تعاكس مثيلتها عندنا…
وبالعودة الى مناقشة نفس الحدث ، المتعلق باستقبال رئيس تونس زعيم البوليساريو والذي اعتبره المراقبون تحولا غير مسبوق في تاريخ تونس تجاه قضية وحدتنا الترابية ، وجب طرح التساؤلات التالية :

– أين كانت السياسة الخارجية للمغرب ودبلوماسيتها من سياق هذا التحول والذي بدأت ارهاصاته قبل وقت ليس بالقصير ؟
– ما هي الخطوات التي قامت بها السياسة الخارجية المغربية و دبلوماسيتها في سبيل تطويق هذا التحول في موقف تونس ، في إطار ما سميناه مبدأ الاستباقية ؟
– أين هي السياسة الخارجية المغربية ودبلوماسيتها تجاه بلد كتونس والذي يعتبر أحد ركائز المغرب العربي الكبير – بما يحمله من تاريخ ، يخص مواقفه من صراع المغرب فيما يتعلق بموضوع الوحدة الترابية لهذا الاخير – و ما الذي تم الاعداد له في هذا الباب ، انطلاقا مما اصطلحت عليه ، مبدأ البرغماتية حيث تراعى مصالح المغرب عند ضمان موقف تونس من موضوع الصحراء المغربية و يجعلها – أي تونس – ترتبط مع المغرب في تبادل مصالح ، مما يقطع الطريق على كل متنطع قد يشوش على العلاقات التاريخية بين البلدين…

و أكيد أن نفس المنطق قد ينطبق على فرنسا و اسبانيا و ألمانيا وغيرها ، بل حتى الجزائر نفسها ، مع ما قد تقتضيه موازين القوى من ترجيح كفة هذا الشريك على الآخر، و دائما بالرجوع الى مصالح المغرب ، خاصة و أن موقعه الجيوسياسي و ما يوفره من فرص استثمارية ، قد يتيح له القدرة على جعل هذه الدول تحتاط في سياق تعاملها معه ، إما ضمانا لمصالحها و تناميها ، أو على الأقل خوفا من فقدانها…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *