منوعات

فئة الكاذبين .. كم تمثل بين الناس؟ وهل أغلبها رجال أم نساء؟

الكذب في أبسط تعريفاته هو تغيير الحقائق، سواء بتزييفها أو اختلاقها، وهو سلوك اجتماعي نتائجه التدميرية قد تحطم مجتمعا بكامله، وتشعل الحروب، ناهيك عن تخريب العلاقات الاجتماعية داخل الأسر وبين أفراد المجتمع، وإلحاق أضرار نفسية ومادية بليغة بهم.

لذلك فالكذب تعافه الفطرة السليمة وتحرمه جميع الأديان، وتنبذه معظم الثقافات، وتعاقب عليه القوانين، ويبذل المربون جهودا لتنشئة الأجيال على الصدق.

وهذا السوك الاجتماعي المدمر، كم نسبته بين الناس؟ ومن يكذب أكثر، الرجال أم النساء؟ وما هي دواعيه؟ وكيف ينشأ ويتطور؟ وهل هو وراثي أم مجتمعي؟ وكيف يتعلم الأطفال الكذب؟

أغلب الناس لا يكذبون

تظهر الدراسات، حسب الجزيرة نت، أن أغلب الناس لا يكذبون، لذلك يميلون لتصديق الآخرين وافتراض أنهم يقولون الحقيقة.

وحسب نفس المصدر، لا تتجاوز نسبة الأشخاص الذين يمكن اعتبارهم كاذبين محترفين 10%، بحسب دراسة أجريت في بريطانيا. لذلك يمكن اعتبار أن 90% من الناس يتحدثون بصدق، بحسب أخصائي علم النفس والأعصاب الفرنسي إكزافيه سيرون.

وهذا الفرق الشاسع بين نسبة من يكذبون ومن يقولون الحقيقة، استفاد منه النوع الأول، باعتبار أن الناس في أغلبهم يقولون الحقيقة ويفترضون أن الآخرين يقولون الحقيقة أيضا، وبالتالي يصدقون كل ما يقال لهم، ويقعون فريسة سهلة للمغالطات، أو ظاهرة الأخبار الزائفة المنتشرة في وسائل الإعلام وشبكات التواصل.

نوعين من الكذب

ويؤكد إكزافيه -في حوار أجرته معه مجلة “فام أكتييال” الفرنسية- أن هناك نوعين من الكذب يمكن التمييز بينهما بحسب الشخص المستفيد، فهناك كذب موجه للآخر من أجل مساعدته، وهنالك الكذب الأناني الموجه لمساعدة النفس.

وأجرى أخصائي علم النفس والأعصاب عديد الأبحاث واطلع على آخر الدراسات في هذا المجال، وقام بتحليل النتائج لتصنيف الكذب بحسب أشكاله وسياقاته وأهدافه، ومختلف التقنيات التي تمكن من كشفه.

الرجال أم النساء؟

ويؤكد إكزافيه أن الرجال والنساء يكذبون بنفس القدر، ولكن الدراسات أثبتت أن الرجال يمارسون أكثر الكذب الأناني، أما المرأة فتكذب عادة لحماية نفسها أو الآخرين.

وهناك نوع من الكذب الذي يكون هدفه اجتماعيا، ونقوم به بشكل لا شعوري، والهدف منه حسن التعامل مع الآخرين في المواقف المحرجة. هذا النوع يندرج ضمن قواعد التأقلم والتعايش، وهو مفيد للآخرين الذين يتلقونه، وليس له تأثير على الشخص الكاذب.

لكن هذا النوع من الكذب يمكن أن يكون أنانيا إذا كان الشخص الكاذب يقوم بهذه المجاملات نحو الآخر بهدف التقرب منه لتحقيق منفعة شخصية.

أما الكذب من أجل مصلحة الطرف الآخر فيختلف قليلا، فهو يهدف لحماية الآخر، ولكن على حساب الشخص الكاذب، مثل ترك مكانك في الحافلة والقطار لشخص آخر، والادعاء بأنك لست مرهقا أو أنك تكره الجلوس، رغم أنك في الواقع تحتاج للراحة.

المرضي أو القهري

ويبين إكزافيه أن هناك أشخاصا تسوء حالتهم كثيرا، فيصابون بمشكلة الكذب المرضي أو القهري، وهي حالة من الإدمان تدفعهم إلى قول أشياء غير حقيقية، ولا يمكنهم العيش إلا بهذه الطريقة. أما الكذابون الأذكياء فإنهم على العكس من ذلك أكثر دهاء، حيث يبدون متوازنين وصادقين، ولا يستعملون الكذب إلا في حالات معينة عندما يكون ذلك ممكنا ومفيدا لهم.

بأي عمر يبدأ الإنسان الكذب؟

وحول السن التي يبدأ فيها الإنسان تعلم الكذب، يقول إكزافيه إن التجارب أظهرت أن هذه الممارسة تظهر لدى الأطفال منذ العام الثالث، ويكون هدفها في أغلب الحالات تجنب التعرض للعقوبة. ثم في مراحل عمرية أخرى يصبح الطفل قادرا على ممارسة الكذب بشكل دقيق، وحبك الكذبة بشكل لا يجعله يقع في المتاعب لاحقا.

ويشير ظهور سلوك الكذب لدى الأطفال إلى أنهم فهموا أن قول أشياء غير صحيحة حل يمكن أن يغير اعتقادات الأشخاص الموجودين أمامهم. وبهذا الشكل، فإن الكذب مؤشر على تطور عقل الطفل، وقدرته على تخيل أشياء غير صحيحة.

المجاملة

وفي حالة كذب المجاملة، فإن الدراسات أظهرت أنه في حالة الحصول على هدية مخيبة للآمال، فإن الأولاد يواجهون صعوبة في التصنع والتظاهر بالفرح، أما الفتيات فلديهن قدرة أكبر على تصنع المشاعر الإيجابية، أو الكذب الاجتماعي.

على شبكة الإنترنت

وتناول إكزافيه ظاهرة الكذب على شبكة الإنترنت، حيث إن الأبحاث الجادة بهذا المجال توصلت إلى أن سبب تفاقم هذه الظاهرة هو غياب الوازع الذاتي والرقابة، مقارنة بالعلاقات الحقيقية في أرض الواقع. فإخفاء الهوية الحقيقية يفتح مجالا شاسعا للكذب والمغالطة، وهو ما يستفيد منه المتطرفون ومجموعات الجريمة المنظمة ومن يبثون الدعايات الشعبوية، وهكذا فإن الأخبار المزيفة تنشر الشك والاضطراب بين الناس.

ويضيف أن الحقيقة لم تعد هي الأولوية في شبكة الإنترنت، حيث إن المشاعر والاندفاع العاطفي غالب على تفكير ومواقف الجماهير الذين يميلون لتصديق أي أمر يعزز معتقداتهم وآرائهم.

تطوير أساليب الكشف

وفي هذا السياق يحذر الخبراء من أن الأساليب المستخدمة لكشف الكذب في وضعيات الوجه لوجه، ليست مفيدة لكشف الكذب على شبكة الإنترنت، وبات من الضروري جدا تطوير تقنيات وبرامج جديدة لتعليم الناس كيفية التحليل النقدي، وممارسة الشك في مدى صدقية أو منطقية المعلومات المنتشرة، وذلك من خلال تحليلها والبحث عن مصادرها الأصلية.

الكذب مهارة.. تتقنها مع الوقت والممارسة

وحسب موقع “العلم” يشير باحثون من جامعة كوليدج بلندن إلى أن الكذبة تبدأ ككرة صغيرة من الثلج تكبر مع تدحرجها أكثر وأكثر.

وحسب نفس المصدر، أجرى فريق من الباحثين اختبارًا على عينة من 80 فردًا، مع قياس كيفية تفاعُل المخ مع الكذب، لتقدير مستوى الشعور بالذنب في بداية الكذب وعند تكراره.

من خلال الاختبارات، توصل الفريق البحثي -بقيادة تالي شاروت، عالِمة الأعصاب بالجامعة- إلى أن الكذب يتعاظم مع تكراره، بل ويبدأ الشعور بالذنب في الانحسار كلما استمر الشخص في الكذب.

اعتمد البحث المنشور في مجلة Nature neuroscience في أكتوبر 2016 على تقسيم المشاركين إلى مجموعات تضم كلٌّ منها فردين، يجلس كلٌّ منهما في غرفة منفصلة، وتُعرض على كلٍّ من المشترك وشريكه صور لوعاء مملوء بعملات معدنية، ليقوم أحدهما بتقدير قيمة المبلغ الموجود في الوعاء، والآخر –الذي يملك قدرًا أكبر من المعلومات- بتقديم النصح لزميله، مقابل الحصول على مبلغ مالي كحافز لكل منهما.

وعمد الباحثون إلى تغيير تعليمات اللعب للمشترك والشريك من وقت لآخر، فتارة تكون المصالح بين الشريكين متوافقة، وتارة أخرى تكون متضاربة، وتارة ثالثة لا تكون متوافقة ولا متضاربة.

فكلما ارتبط تقديم معلومات دقيقة للشريك بتقليل المبلغ الذي سيحصل عليه الشخص، سعى الأخير إلى أن تكون المعلومات بعيدة من الدقة.

ولقياس استجابة المخ للكذب، جرى عمل قياسات الرنين المغناطسي للقشرة الأمامية الجبهية في الدماغ (lateral prefrontal cortex) أو ما يُعرَف بلوزة الدماغ، الذي يُعتقد أنه الجزء المسؤول عن عدد من السلوكيات عند الإنسان ومنها الكذب.

وجد الباحثون أنه بتكرار الكذب ومع وجود منفعة ذاتية من ورائه؛ يقل شعور المشترك بتأنيب الضمير، على حد تعبير شاروت: “عندما نكذب لتحقيق نفع ذاتي تقوم لوزة الدماغ بتفعيل شعور سلبي، مقدار هذا الشعور يحدّد لنا إلى أي مدى نحن مستعدون للكذب”.

وأوضحت شاروت لـ”للعلم” أن الانحراف السلوكي دائمًا ما يبدأ صغيرًا ثم يزداد، فكلما لجأ الإنسان إلى الغش أصبح ذلك أسهل عليه مع مرور الوقت، “التجربة هنا توضح أن الإنسان يُحجِم عن الغش في البداية، لكن هذا الإحجام يقل تدريجيًّا وفق المصلحة والاحتياج”.

كيف نعلم أطفالنا الكذب !

في بحث أجراه فريق من قسم علم النفس التربوي والإرشادي بجامعة ماكجيلز بكندا، حسب موقع “العلم”، أكد الباحثون من خلال اختبار 371 طفلًا أن الأطفال يميلون للكذب أكثر إذا عوقبوا.

الدراسة المنشورة عام 2014، حسب نفس المصدر، اعتمدت على اختبار عملي، فيها تُرِك الطفل وحيدًا في غرفة بوجود كاميرا مخبأة، بصحبة لعبة مغطاة، وطلب الباحثون منه عدم اختلاس النظر إلى اللعبة.

ووجد الباحثون أن ثلثي الأطفال اختلسوا النظر إلى اللعبة، وأن ثلثي الأطفال كذبوا عند سؤالهم عما إذا كانوا قد قاموا بذلك؟ كما أبدى الأكبر سنًّا مهارة أعلى في الكذب.

والأهم كان ما لحظه الباحثون من أن الأطفال المتخوفين من العقاب كانوا الأكثر كذبًا، كما كان المحفز لقول الحقيقة عند الأصغر سنًّا هو “الحصول على رضا الكبار”، أما عند الأطفال الأكبر فالهدف من وراء قول الحقيقة هو “فعل الصواب”.

“لا يمكننا القضاء كليًّا على الكذب” كما يعقب مرسي، “نستطيع أن نعالج بعض دوافع هذا السلوك، فلو كان الطفل يكذب خوفًا من العقاب لا بد أن نحاول مكافأته على قول الصدق، حتى لو أخطأ، وأن نكرر على مسامعه أهمية بذل الجهد للوصول للهدف”.

فيما ترى شارلوت أن مثل هذه الدراسة التي تحاول أن تكشف النقاب عن دوافع الكذب، والنمط السلوكي للكاذب تساعد أكثر في علاج المشكلة بشكل مبكر، وتوضح أن الزيادة في حالات الغش والكذب تختلف من شخص إلى آخر. فبعض الأشخاص أكثر ميلًا للكذب من غيرهم، ولكن العوامل التي تتحكم في هذا الاختلاف غير واضحة حتى الآن، وتحتاج للمزيد من الدراسات.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *