وجهة نظر

واقع المدرسة الابتدائية بالمجال القروي: حالة بعض المدارس العمومية بجماعة توغيلت

ها نحن على أعتاب بداية موسم دراسي جديد 2022-2023، يعد من المحددات الأولى للأسرة لكي تتموقع في الزمن الاجتماعي والاقتصادي. فعلى عتبة الدخول المدرسي، يكون هناك أكثر من باعث، للتساؤل حول واقع المدرسة حالا ومضمونا. ولاسيما حينما تكون المدرسة من أوجه تفاوت الخدمات الاساسية في المجال الترابي!

من أهم اهتمامات الاسرة والمجتمع في جميع المجالات الاجتماعية، موضوع المدرسة بشكل عام، والتعليم بشكل خاص. وفي سياق هذا الموضوع سنحاول تسليط الضوء على بعض الجوانب التي تتعلق بماهية المدرسة، ودورها ووظائفها في المجتمع، ومن جهة أخرى تسليط الضوء على بعض المدارس المتواجدة في المجال القروي المغربي، إنطلاقا من عينة جماعة توغيلت.

أولا: المدرسة: أهميتها، أدوارها، ووظائفها

تشكل المدرسة بمعناها الواسع، المعلمة الأولى في جميع المجالات الاجتماعية. وتعد شكلا من أشكال التعبير الحضاري والثقافي في المجتمع. بل يعد وجود المدرسة في المجال، في جميع المجتمعات مقياس التنمية الحقيقي.

بالاعتماد على المنظور السوسيولوجي(1) ، تعد المدرسة أحد المؤسسات الحيوية في المجتمع، نظرا لما تقوم به من أدوار ريادية في عملية التنشئة، والتربية، والتعليم، ونقل التراث والثقافة من جيل إلى آخر…إلخ. بل في بعض المجتمعات أصبحت المدرسة هي الجهة الوحيدة التي تساهم في بناء وتكوين الأجيال. عبر جسر المدرسة يمكن المرور إلى تحقيق التنمية الاقتصادية.

ارتباطا بما سبق، أصبح حق التعلم في مدونة حقوق الانسان والقوانين الدولية أحد الأعمدة التي تتأسس عليها المواثيق الدولية والدستورية في جميع دول العالم.

ولعله من المفيد الاشارة إلى “خطة التنمية المستدامة” (2) للأمم المتحدة التي تركز على 17 هدفا، احتل فيها هدف “التعليم الجيد” الهدف رقم أربعة من خطة التنمية المستدامة. وهذا به دلالة قطعية على أهمية المدرسة في المجتمع الحديث. إن ما أردنا الإشارة له حول أهمية خدمة المدرسة بالنسبة للجميع(الأسرة، والمجتمع، والدولة) في العصر الراهن، هي تأكيد على أن مفتاح التنمية في الحاضر والمستقبل. أي المجتمع الذي ليست له مدرسة “حقيقة”، أي مدرسة توفر التعليم الجيد، وتستوعب النشء، وتعي بوظائفها الراهنة، يعد مجتمع خارج التاريخ.

وفي هذا السياق يمكن الاحالة إلى مجموعة من التعاريف للمدرسة، التي تكشف لنا جليا عن أهمية مؤسسة المدرسة ودورها في المجتمع.

المدرسة هي: «مؤسسة اجتماعية ضرورية تهدف إلى ضمان عملية التواصل بين العائلة والدولة من أجل اعداد الأجيال الجديدة، ودمجها في اطار الحياة الاجتماعية »(3).
المدرسة هي: «مجموعة مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي الأولي والابتدائي والاعدادي والثانوي؛ التعليم العالي والجامعي والبحث العلمي؛ تكوين الأطر؛ التكوين المهني؛ التعليم العتيق؛ التربية غير النظامية… »(4).
المدرسة هي: «المدرسة كمفهوم مشخص وواقعي: أي كمؤسسة معينة وملموسة كأن نقول “الروض أو المدرسة الابتدائية أو الثانوية أو الجامعية(…) وتعني المدرسة حاليا كل مؤسسة اجتماعية تقوم بخدمة عمومية هي تدبير وتنظيم التكوين الأساسي للأفراد »(5).
المدرسة هي: «مؤسسة تربوية اخترعها الانسان من أجل أن تتولى تربية النشء الطالع وهي الأداة والآلة و المكان الذي بواسطته ينتقل الفرد من حياة التمركز حول الذات إلى حياة التمركز حول الجماعة و هي الوسيلة التي من خلالها يصبح الفرد الانساني انسانا اجتماعيا و عضوا عاملا في المجتمع»(6).

كما يمكن الإشارة هنا، إلى الوظائف الريادية التي تقوم بها المدرسة التي من بينها وظيفة “التربية”(7)، حيث تعتبر هذه الوظيفة من بين أهم العناصر التي تمرر في مستويات التمدرس الأساسي؛ ومن تجليات وظائف المدرسة، المساهمة في النقط التالية:

تنمية شخصية الطفل من جميع الجوانب؛
نقل التراث الثقافي للطفل وفق تسلسل مدروس؛
الاحتفاظ على التراث الثقافي والعمل على تسجيل كل جديده؛
تبسيط التراث الثقافي، شرحا وتفصيلا؛
تطهير التراث الثقافي من الشوائب والعيوب؛
اتاحة الفرصة للأفراد للاتصال بالبيئة الكبرى (أي الخروج من علم الأسرة والجيران إلى العالم الكبير المدرسي والمحيط)؛
عرض المشكلات و الارشاد إلى حل وضعية المشكل؛
العمل على توفير بيئة اجتماعية أكثر توازنا مع البيئة الخارجية…؛

ثانيا: المدرسة المتواجدة بجماعة توغيلت

تعد جماعة توغيلت من الجماعات الترابية القروية المتواجدة في إقليم سيدي قاسم، وهو أحد الأقاليم المشكلة لجهة الرباط سلا القنيطرة، ففي هذه الجماعة تتواجد مجموعة من المدارس التي تدرس المستوى الأولي(8)-الابتدائي، والاعدادي، والثانوي؛ ومن الملاحظات الأساسية التي يمكن تسجيلها هنا، أن الجماعة استفادت خلال السنوات الماضية من مجموعة من البرامج الوطنية والجهوية والإقليمية، التي تخصص للنهوض بالمدرسة العمومية، حيث استفادت جماعة توغيلت من بناء مدرسة تخص مستوى الاعدادي، والثانوي. ولعل هذه الأخيرة، أي” ثانوية ابن طفيل التأهيلية “بجماعة توغيلت، تعد اليوم من أفضل المدارس المبنية في المجال الترابي هناك. وعليه، فجماعة توغيلت أصبحت من بين الجماعات الترابية، التي تتوفر على مدارس لجميع مستويات التمدرس الأساسية؛ المدارس الابتدائية، مدرسة للمستوى الاعدادي، مدرسة للمستوى الثانوي.

لكن عمق الازمة في جانب الخدمات الأساسية في خدمة التعليم، يتجلى بالأساس في مدارس المستوى الابتدائي. فما واقع الحال؟

تتوفر جماعة توغيلت على مجموعة من المدارس الابتدائية(9)، وهي موزعة على أربع مجموعات وتسع فرعيات، وهي على الهيكلية التالية :

مجموعة مدارس الشريف الإدريسي؛
مجموعة مدارس أولاد لحمر؛
مجموعة أبو الحسن المريني؛
مجموعة ابن جني.

حققت هذه المدارس، نسبة تمدرس مهمة على صعيد جماعة توغيلت حيث بلغ نسبة تمدرس الأطفال اللذين تتراوح أعمارهم ما بين 7 و 12 سنة 94.61٪(10)بالجماعة. وفيما يلي، جدول يقدم بيانات إحصائية حول واقع تمدرس على صعيد جماعة توغيلت.

نسبة تمدرس الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 7 و 12 سنة

94.61

نسبة تمدرس الذكور الذين تتراوح أعمارهم ما بين 7 و 12 سنة

94.65

نسبة تمدرس الإناث اللواتي تراوح أعمارهن ما بين 7 و 12 سنة

94.57

المصدر: 014 RGPH 2

وعلى ضوء هذه الإحصاءات نشير إلى جملة من الإشكالات في البنية التحتية للمدارس الابتدائية بجماعة توغليت، حيث يمكن الإشارة إلى الإشكالات التالية:

تتواجد المدارس الابتدائية فقط في عدد محدود من الدواوير؛
هناك مجموعة من الدواوير تبعد عن المدرسة الابتدائية بمسافة تبعد من 1 إلى 6كلم تقريبا؛
المدارس المتواجدة في الدواوير، يحتاج عدد منها إلى توفير الخدمات الأساسية:كالتسييج، وبناء مرافق أساسية كالمراحيض وتهيئة الساحات والأقسام …إلخ.

قصارى القول، من جد الملاحظ في جماعة توغيلت؛ التفاوت بين مدرسة وأخرى في نفس المجموعة، فعلى سبيل المثال، مجموعة مدارس أولاد لحمر، التي تتكون من مدرسة أولاد لحمر، ومدرسة اشتاونة، ومدرسة قدادرة. حيث تعد مدرسة قدادرة من أكثر المدارس المهمشة هناك، ولا يعلم بالأساس لماذا هذه المدرسة وغيرها من المدارس بجماعة توغيلت بلا مرافق أساسية(التسييج، والمراحيض)، ناهيك عن مرافق أخرى لا تقل أهمية عن هاته المشار إليها.

وأخر استنتاج، يمكن الخروج به حول موضوع واقع وحالة مدرسة الابتدائية بجماعة توغيلت، هو وجود تفاوت في هذه الخدمة بين الدواوير هناك (لعندو مدراسا حسن بزااف لمعندوش) (11)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هناك تبيان ملموس بين مقارنة مدارس هناك ببعضها البعض، حيث تتفاوت المدارس الابتدائية من مدرسة إلى أخرى من حيث البنايات والأقسام والبنية التحتية من الكهربة، والماء الشروب، المراحيض، المطعم، الساحة ، تسييج ، نوافذ … هذا ملاحظ بشكل واضح. ناهيك عن متطلبات الأساسية للأقسام من كراسي ومكاتب وأدوات الدراسة وغيرها.

أما فيما يخص الملاحظات حول عمل المنظومة التعليمية وشركائها هناك (إدارة، واطر تربوية، والمجتمع المدني، والجمعيات المدرسية، ومجلس جماعة توغيلت) فهو موضوع آخر؟!

…………المراجع………….

(1) للمزيد حول هذا الموضوع، يمكن الإشارة إلى المرجع التالي: ابراهيم ناصر، علم الإجتماع التربوي، ط2(بيروت- دار الجيل، 1996).

(2) للمزيد حول أهداف التنمية المستدامة، أنظر موقع الأمم المتحدة على الرابط التالي: https://www.un.org/sustainabledevelopment/ar/

(3) للمزيد أنظر: علي أسعد وطفه، عالي جاسم شهاب، علم الاجتماع المدرسي: بنيوية الظاهرة المدرسية ووظيفتها الاجتماعية، ط1( الكويت، المؤسسة الجامعية للدراسات والتوزيع والنشر، 2003)، ص 16. (التعريف ل Ferdinand Buisson).

(4) للمزيد أنظر: المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030: من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء.

(5)للمزيد أنظر: العربي اسليماني، المعين في التربية (ج1)، ط1( المغرب، دار النشر المغرب، 2013)، ص 226-227.

(6) للمزيد أنظر: إبراهيم ناصر، علم الإجتماع التربوي، المرجع السابق.

(7) للمزيد حول هذا الموضوع أنظر، ابراهيم ناصر، علم الإجتماع التربوي، المرجع السابق، ص32.

(8) بفعل هيكلة التربوية الجديدة، أصبح يتواجد في المدارس الابتدائية بناية قسم أو قسميين خاصيين بتلاميذ المستوى الأولي، في حالة جماعة توغيلت، تسهر هناك جمعيات محلية وجميعة زاكورة للتعليم الأولي، على تعليم مستوى هؤلاء الأطفال(الروض).

(9) للمزيد حول موضوع مدارس جماعة توغيلت أنظر: برنامج عمل جماعة توغيلتPAC)2015-2021).

(10)  أنظر نتائج الإحصاء(014 RGPH 2) الذي قامت به المندوبية السامية للتخطيطـ والمنشور على بوابتها: http://rgphencartes.hcp.ma/#

(11)للمزيد حول هذا الموضوع، أنظر دراسة الهيئة الاستشارية 2022، تحت عنوان تشخيص المجال الترابي لجماعة توغيلت من خلال بعض الخدمات الأساسية، ماي2022، موجود في خزانة أعمال هيئة مساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *