وجهة نظر

في انتظار الفتح الأمريكي

يخرج علينا، من حين لآخر، القائم بأعمال مكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب دافيد غوفرين بتصريحات ومواقف “تُبشر” بقرب ارتقاء العلاقات المغربية الإسرائيلية إلى مستوى اعتماد وتبادل السفيرين، وآخر المناسبات الممهدة لذلك، في اعتقاده، هو شروع مكتب الاتصال الإسرائيلي في تشييد مقر جديد للبعثة بمواصفات منفصلة عن أي عقارات كما هو عليه الوضع حاليا.

نفس الاعتقاد، مع الأسف، تسايره فيه بعض الفعاليات الوطنية من وسائل إعلام معينة وجامعيين ومسؤولي مراصد ومراكز وخبراء وباحثين…

إطلالة بسيطة على بلاغ الديوان الملكي الصادر يوم 22 دجنبر 2020 بمناسبة استقبال جلالة الملك للوفد الذي ضم، على الخصوص، جاريد كوشنير المستشار الرئيسي لدونالد ترامب ومئير بن شبات مستشار الأمن القومي الإسرائيلي وأفراهام بيركوفيتش المساعد الخاص لترامب المكلف بالمفاوضات الدولية، تُبرز ما للدولة المغربية وما عليها… بتعبير أوضح حدد البلاغ بشكل صريح ضرورة التزام الأطراف بـ”التطبيق الكامل لكافة القرارات والتدابير المعلن عنها خلال الاتصال الهاتفي ليوم 10 دجنبر بين جلالة الملك والرئيس ترامب”.

هذه القرارات وهذه التدابير هي المجسَدة في الإعلان المشترك الذي تحدث عنه بلاغ الديوان الملكي والذي تم التوقيع عليه بين المملكة المغربية والولايات المتحدة وإسرائيل. فما الذي ينص عليه الإعلان المشترك في شأن العلاقات الدبلوماسية الثلاثية؟

جاء في الإعلان المشترك أن الولايات المتحدة الأمريكية، تشجيعاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية مع المغرب، ستقوم بفتح قنصلية في جهة الصحراء الغربية، في مدينة الداخلة، من أجل تعزيز الفرص الاقتصادية والاستثمارية لفائدة المنطقة.

هذا “الفتح” الأمريكي لم يحصل بعد، وفي المقابل جميع الالتزامات الموكولة للمغرب والمنصوص عليها في الإعلان جرى تنفيذها بالكامل، والمُمثلة في الترخيص للرحلات الجوية المباشرة بين المغرب وإسرائيل والاستئناف الفوري للاتصالات الرسمية بين المسؤولين المغاربة ونظرائهم الإسرائيليين وإقامة علاقات أخوية ودبلوماسية وتشجيع التعاون الثنائي في شتى القطاعات وإعادة فتح مكتبي الاتصال بالرباط وتل أبيب، وهذا ما تمّ بُعَيد توقيع الإعلان الثلاثي كتعبير من جانب المغرب عن حسن نية وعن التزامه الأكيد وعزمه الراسخ على تنزيل ما يقع على عاتقه من خطوات وإجراءات.

فالتزام جميع الأطراف بالاحترام الكامل للعناصر المتضمنة في الإعلان والنهوض بها والدفاع عنها وقيام كل طرف بالتنفيذ الكامل لالتزاماته جاء التنصيص عليه بوضوح في الفقرات الأخيرة للإعلان بما يؤكد على الإرادة السياسية الثابتة المُفترضة لدى الموقعين لتنفيذ ما جاء فيه.

نعلم جميعاً أن العقد شريعة المتعاقدين، والإعلان الثلاثي المشترك هو، في محتواه وفي أبعاده، أشبه ما يكون بميثاق أو معاهدة تؤسس لشراكة استراتيجية واعدة مبنية في أساسها على بنود وقواعد ومنطلقات يراها كل طرف كمحور سيادي يخدم مصالحه ويعزز موقعه.

فما الذي تحقق، وما الذي لم يتحقق؟

الذي تحقق أكبر وأكثر زخماً خصوصا على المستوى الاقتصادي والتجاري والاستثماري، لكن الذي لم يتحقق بعد والواقع على عاتق الطرف الأمريكي هو فتح قنصلية بمدينة الداخلة جنوب المملكة، هذا الإجراء، إذا كانت تنظر إليه الإدارة الأمريكية بعين متقاعسة وغير مستعجِلة، فإنه بالنسبة لبلادنا هو أكبر تقديراً وأكثر وزناً مما سبق تنفيذه وإنجازه والوفاء به.

بمعنى آخر، ركن مهم وأساسي في مقتضيات الإعلان الثلاثي لم يتم تنزيله بعد، ومعه يظل هذه الإعلان منقوصاً وغير مكتمل السريان، فهو موقوف التنفيذ في محور تأخذه الدولة المغربية محط اعتبار أهم من باقي المقتضيات الأخرى، حتى وإن كان استئناف العلاقات مع إسرائيل يراه البعض حدثاً فارقاً واستراتيجياً.

لا يبدو، في الاعتقاد، أن المغرب سيزيد مَناحٍ وأبعاداً جديدة في التعاطي مع الإعلان غير ما ذُكر وحُدد فيه، وهنا يُسجل أن الإعلان لم يعد يُتداول إعلاميا ودبلوماسيا كما في السابق، لأن ما يجب قد قام به وهو ينتظر ما يجب القيام به تجاهه خصوصا من إدارة بايدن.

فالإعلان، من وجهة نظر قانونية، معطل في بعض أو إحدى بنوده، وبالتالي يتهدده التعليق أو المراجعة أو حتى الإلغاء إذا ما استمر هذا التعطيل أكثر مما مضى، والمغرب لن يظل مكتوف الأيدي إزاء هذا الوضع الضبابي الذي تحاول الإدارة الأمريكية استدامته مستهينة، على ما يظهر، برد الفعل الرسمي الذي قد يعيد خلط الأوراق ويكسي برودة على العلاقات الثنائية التي ستحتفل في شتاء العام القادم بذكرى جديدة على اعتراف السلطان سيدي محمد بن عبد الله باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية.

فهل سينبض قلب الإعلان الثلاثي بكامل دقاته التي تترقب دقة أمريكية متبقية قبل حلول الذكرى الثانية لولادته في دجنبر القادم؟ أم أن توجس إدارة بايدن سيجعل من رهانها لتطوير علاقات المغرب مع إسرائيل لمنزلة أكبر مجرد أضغاث أحلام ليس إلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *