منوعات

ما الذي يحفز نشاط الدماغ أكثر الإهانات أم المجاملات؟.. دراسة جديدة تجيب

منذ القدم والبشر أدركوا، بفعل ما علمته لهم تجربة الحياة الاجتماعية، عمق الأذى المعنوي، وعبروا عنه بـ”جراح اللسان”، واعتبروه أخطر من جراح السِّنان.

ويتداول الناس أبياتا للشاعر الذي يلقب بشاعر الحكمة، يعقوب الحمدوني، نجح في المقارنة بين “جراح اللسان” و”جراح السيوف”، وقال:

وقد يرجى لجرح السيف بـُرْء ***ولا برءٌ لما جرح اللســان
جراحات السنان لها التـئـام *** ولا يلتئم ما جرح اللســان
وجرح السيف تدمله فيبـرى *** ويبقى الدهر ما جرح اللسان

ويستنجد الناس بهذه الأبيات ومثيلاتها من الحكم والأمثال الشعبية للتعبير عن التجربة المؤلمة التي يعيشونها جراء تعرضهم للأذى المعنوي.

واهتم العلماء بدراسة تأثيرات الأذى المعنوي، مثل الإهانات، على الدماغ مقارنة بغيرها من التأثيرات الإيجابية مثل الإطراء والمجاملات.

وتكون تأثيرات الإهانة اللفظية أخطر على الأطفال، وقد تخلف لديهم آثارا عميقة ترهن مستقبلهم.

وأظهرت دراسة حديثة، حسب قناة الحرة، أن “الإهانات المنطوقة تحفز نشاط الدماغ أكثر من المجاملات وتستمر لفترة أطول”.

الصدمات العميقة للإهانات المنطوقة مستدامة، لماذا؟

من المعروف، حسب نفس المصدر، أن “الإهانات اللفظية تؤذي. ويمكن للكلمات التي تنطق من منطلق الحقد أن تكون مثل صفعة على الوجه”، وفقا لموقع “سينس أليرت”.

ويقول الموقع إن الدراسة التي نشرت في (Frontiers in Communication)، “تشرح سبب بقاء الصدمات العميقة للإهانات المنطوقة أطول من الثناء أو الإطراء في كثير من الأحيان”.

واستكشف فريق من الباحثين في هولندا ردود الفعل العاطفية للناس تجاه اللغة الجارحة، من خلال تسجيل نشاط دماغ المشاركين عندما سمعوا الإهانات تلقى عليهم أو على الآخرين.

وفي حين أنه قد يكون من السهل تجاهل مجاملة، إلا أن التعليق السخيف أو الافتراء الجارح يمكن أن يزعجنا لعدة أيام، مثل الإهانات المتكررة أيضا.

ويعتقد أن “هناك الكثير الذي يتعين على أدمغتنا معالجته عندما نسمع إهانة. في جزء من الثانية، يتطلب الأمر تذكر معنى الكلمات وتفسير الوضع الاجتماعي بسرعة ونوايا المتحدث”.

وتساءلت الباحثة اللغوية “مارين ستروكسما” (Marijn Struiksma) وزملاؤها عن كيفية استجابة أدمغتنا للغة الهجومية مقارنة بالمجاملات والحقائق المحايدة.

وأجرت ستروكسما وزملاؤها تجارب على نحو 80 امرأة مشاركة في الدراسة، لتحديد استجابة الدماغ للإهانات اللفظية المتكررة مقارنة بالمجاملات، ووجدوا أن رد فعل الدماغ السريع على الإهانات لا يهدأ مع الإهانات اللفظية المتكررة.

وهذه الاستجابات السريعة للغاية، التي يقول الباحثون إنها تشبه صفعة على الوجه، لم تتضاءل بمرور الوقت، واستمرت العبارات الهجومية في جذب انتباه الدماغ. وأظهرت التجارب أن الإهانات أثارت استجابة أكبر في نشاط الدماغ من المجاملات.

خطورة الإهانة اللفظية في التربية

نتائج الدراسة السابقة تعزز ما أكده خبراء التربية حول خطورة الإهانة اللفظية وتأثيراتها المدمرة لنفسية الأطفال.

وحسب الجزيرة نت، تترك الإهانة اللفظية ندوبا في نفوس الأطفال، وتتأصل في أذهانهم أثناء نموهم، ويتجلى ذلك في النهاية من خلال أعراض مقلقة في مرحلة البلوغ.

ويؤكد المتخصصون، حسب نفس المصدر، أن الإهانة اللفظية تؤثر في تكوين شخصيات الأطفال، فبمرور الوقت يؤمن الأطفال بالأوصاف السلبية التي يسمعونها، ويبدأون باستخدام تلك العبارات السلبية كتبرير لأي خطأ يحدث، وتخلق لديهم سلوكيات تظهر على المدى البعيد.

ماهي الإساءة اللفظية؟

تعني الإساءة اللفظية استخدام شخص ما لكلمات بشكل متكرر لتحقير شخص آخر أو تخويفه أو التحكم به، ووفقا لـ”هيلث لاين” Healthline من المحتمل أن تكون الإساءة اللفظية في سياق علاقة رومانسية أو زوجية أو علاقات في العمل، وتظهر أيضا في العلاقة بين الوالدين والطفل.

ويعد الفرق بين الإساءة اللفظية والنقاش الحاد الطبيعي، أن الأولى تحدث بشكل مستمر ولا تتوقف، بينما الثانية لا تحدث بشكل يومي، ولا تتحول إلى هجمات شخصية، وتتضمن الإساءة اللفظية والصراخ والسب والسخرية والإهمال واللوم والنقد المستمر.

سلوكيات تخلقها الإهانة اللفظية

الإساءة اللفظية هي واحدة من أكثر أشكال الإساءة للأطفال شيوعا، والتي تُتجاهل أيضا. في معظم الأحيان تُمرر كشكل من أشكال “التأديب” أو “التربية”؛ لكنها تعرض الأطفال لاضطرابات نفسية سيئة على المدى القصير، وتترك آثارا سلبية على المدى الطويل تتطور وتؤثر في سلوكياتهم كبالغين، منها:

1- عدم تقدير الذات

عندما يتعرض الطفل للإهانة المتكررة، يبدأ بالاعتقاد أنه ليس جيدا بما يكفي، ويؤثر ذلك على ثقته بنفسه، إذ يفتقر القدرة المنطقية لفهم أن أحد الوالدين ربما كان على خطأ؛ بل يصدقهم ويتدنى احترامه لذاته.

وينضج الطفل، ويصبح شخصا دائم اللوم لنفسه حتى في الأشياء التي لا علاقة له بها، إذا حدث خطأ ما، فإنه يشعر تلقائيا بالذنب.

والإهانة المتكررة في الطفولة تجعله يشعر بأنه شخص ضئيل ليس لديه قدرة على اتخاذ القرارات، وأن اختياراته دائما خاطئة، حتى إذا اختار اختيارا خاطئا يستفيض في توبيخ نفسه عليه.

2- اضطرابات عاطفية

حين ينشأ الطفل في بيئة مسيئة لفظيا، فإنه يختبر الكثير من مشاعر الخوف والحزن والألم، ويفقد إحساسه بالفخر والأمل، ويمكن أن يتسبب ذلك في خلل وسوء للمعالجة العاطفية لديه عندما يكبر.

وبحسب “باور أوف بوسيتيفيتي” Powerofpositivity، عندما يُجبر الطفل على التعامل مع الكثير من الألم وسوء المعاملة، يصبح الألم الناجم عن عواطفه أكثر من اللازم، ويحدث لديه كبتا، ويبقى تأثيره بعد النضج، حيث يسبب له صعوبة في التعرف على مشاعره، ويواجه صعوبة في التعبير عنها، وربما يصبح ذلك الشخص مفرطا في التعاطف مع الآخرين وربما يطور ذلك بطريقة معاكسة فلا يستطيع التعاطف مع أحد.

كما أنه من المحتمل أن لا يعرف كيف يتقبل اللطف والتعاطف من الآخرين، فقد يصاب بصدمة عندما يكون شخص ما لطيفا معه، وقد يرفضه، أو قد يتشبث به بدرجة غير صحية، وفي كل الأحوال، فإن عدم التوازن في العواطف والتعبير عنها الناتج عن الإهانة اللفظية في الصغر قد يؤثر سلبا في حياته الاجتماعية والعاطفية والعملية في الكبر.

3- القلق ونقد الذات

القلق شائع جدا عند البالغين الذين تعرضوا للإيذاء اللفظي عندما كانوا أطفالا، وطبقا لدراسة تابعة لجامعة فلوريدا منشورة في مجلة “الاضطرابات العاطفية” فإن الأشخاص الذين تعرضوا للإيذاء اللفظي لديهم 1.6 ضعف أعراض الاكتئاب والقلق ونقد الذات مقارنة بأولئك الذين لم يتعرضوا للإساءة اللفظية على مدار حياتهم.

وبحسب الدراسة، يصدق الأطفال الأشياء السلبية والإهانة الموجهة إليهم معتقدين أن ذلك نتيجة خلل فيهم، ويبدؤون بنقد أنفسهم. على سبيل المثال، الطفل الذي لم تتم دعوته إلى حفلة أو كان أداؤه سيئا في الاختبار سيعتقد أن السبب هو أنه ليس جيدا، خاصة أن تلك هي الرسالة التي ينقلها إليه أحد الوالدين، ويستمر هذا النمط من النقد الذاتي وتأثيره، مما يجعل الفرد أكثر عرضة للاكتئاب والقلق.

4- البحث عن الانتباه

قد تعني الإساءة اللفظية في أحد صورها الإهمال والتجاهل، وهو ما قد يدفع الطفل للقيام بسلوكيات غير جيدة، فقط من أجل الحصول على أي شكل من أشكال الاهتمام.

قد يستمر ذلك السلوك حتى الكبر، وقد يتصرف الشخص بطريقة غير اعتيادية في محاولة للفت انتباه الآخرين له، ومن أجل الحصول على الاستحسان والمديح.

ويتسبب ذلك، في بعض الأحيان، في السعي وراء العلاقات المؤذية باعتبارها الديناميكية الوحيدة التي اعتاد عليها طوال حياته.

5- سرعة الغضب

يؤثر تكرار الإساءة اللفظية على الطفل. وإن كان في صغره يحاول كبت مشاعر الألم والغضب التي يشعر بها، فإنه لا يستطيع السيطرة على مشاعر الغضب عندما يكبر.

ووفقا لتقرير “هارفارد منتال هيلث” Harvard Mental Health التابع لجامعة هارفارد الأميركية، عندما تكون الإساءة اللفظية مستمرة وشديدة، فإنها تخلق خطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، وهو نفس النوع من الانهيار النفسي الذي تعاني منه القوات المقاتلة.

كما أن استمرار الإساءة اللفظية، يخلق شخصية غير مستقرة عدوانية وسريعة الغضب، وقد تتسبب في عواقب غير آمنة للآخرين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *