مجتمع

“ماما عائشة” .. رمز لكفاح النساء من أجل النساء بالمغرب

ترجلت عن صهوة الحياة، الحقوقية عائشة الشنا، أشهر المدافعات عن الأمهات العازبات وأطفالهن، الذين وُلدوا خارج مؤسسة الزواج، بعد مسيرة نضالية امتدت لأزيد من 40 سنة، حيث لم تتوقف يوماً عن الدفاع عن حقوقهن والتعريف بمعاناتهن.

وُلدت عائشة الشنا، عام 1941 بمدينة الدار البيضاء، حيث قضت سنوات طفولتها الأولى هناك، قبل أن تتذوق طعم اليُتم في عمر الثلاثة، بعدها رحلت رفقة والدتها إلى مراكش، التي تزوجت مرة ثانية، إلا أن لم يستمر زواجها طويلاً.

غادرت عائشة الشنا مقاعد الدراسة في سن مبكرة، واضطرت لتحمل المسؤولية في عمر السادسة عشرة، بسبب ظروفها الاجتماعية، حيث اشتغلت كسكرتيرة لبرامج أبحاث لمرضى الجذام والسل.

بعد حصولها على دبلوم التمريض، عملت داخل وحدة التعليم بوزارة الصحة، ثم منسقة لبرامج التوعية الصحية، إلى أن شرعت عام 1970 في إنتاج البرامج التلفزيونية والإذاعية المختصة بصحة المرأة ، أولها عمل تلفزيوني يدور حول التعليم الصحي.

لم يُولد اهتمام عائشة الشنا بالأمهات العازبات من فراغ، بل لتأثرها بموقف إنساني، غيَر مجرى حياتها، بعد أن كانت شاهدة عن تخلي أم عمرها 18 سنة عنوة عن رضيعها الذي وُلد نتيجة علاقة غير شرعية ولم يشبع من حليبها بعد.

هذا الموقف الإنساني، لم يُمح من ذاكرة “ماما عائشة”، مما جعلها تأسس سنة 1985، جمعية حقوقية تحمل اسم “التضامن النسائي”، تدافع عن قضايا الأمهات العازبات، إلا أن هذه الخطوة اعتبرها البعض “تشجيعا على الفساد”.

وتحرص جمعية “التضامن النسائي”، بمساعدة الأمهات العازبات على اكتساب خبرات العمل من خلال تدريبهن في مطعم الجمعية، على مهارات الحلويات والطبخ والحلاقة والحمام، من أجل ضمان مدخول مادي، يساعدهن على تربية أطفالهن.

وإلى جانب هذا، عملت الشنا، من خلال جمعيتها الحقوقية، على تسهيل المساطر القانونية والإدارية فيما يتعلق بتسجيل الأطفال المتخلى عنهم في الحالة المدنية، بالإضافة إلى تحسيس النساء بخطورة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج.

هذا الدفاع المستميث عن قضية “الأمهات العازبات” بالمغرب، وهو مصطلح ترفضه عائشة الشنا، وتفضل استعمال “النساء المتخلى عنهن”، لم يجعلها تسلم من ألسنة المحافظين، حيث اتهموها بـ”التشجيع على الفساد” في مجتمع مسلم.

ورداً على الأصوات التي تتهمها بنشر الفساد في المجتمع المغربي، تقول الشنا، أن كل ما تقوم به هو محاولة لإنقاذ أرواح أطفال بريئة، كما تؤكد أن “أغلبية الأمهات العازبات لسن عاهرات، كما يقول البعض، بل ضمنهن شابات يدرسن في الجامعات.

هذا النضال الطويل والمتواصل، توج “ماما عائشة”، بوسام الشرف للملك محمد السادس عام 2000، كما حصلت على وسام جوقة الشرف من درجة فارس من الجمهورية الفرنسية عام 2013، وجائزة أوبيس للأعمال الإنسانية الأكثر تميزاً.

تضحيات الشنا لم تذهب سدى، ففي سنة 2005، اعترف 68 أب بأطفالهم، 17 منهم فضلوا الاعتراف مع الزواج، بينما أقر 51 منهم بالبنوة فقط، وهي نتائج تعتبر مُشرفة في حياة حقوقية، كانت الحاضنة الأولى للأمهات العازبات وأطفالهن بالمغرب. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *